346
0
مكثوا فينا... وما زالوا !

القائد الرمز: أبو جهاد خليل الوزير
أول الرصاص، وأول الحجارة
بقلم: د. عبد الرحيم جاموس
مكثوا فينا...
كأنهم الزمنُ حين يسكنُ الذاكرة، ..
لم يرحلوا...
بل امتدوا فينا، ..
كأنهم جذرُ التينِ في تربة البلاد، ..
أو نبضُ غزالةٍ في براري الجنوب...
***
يمشون معنا...
في الحارةِ المبتلّةِ بالحكايات، ..
في الأزقةِ المزدحمةِ بالعائدين، ..
في ظلّ الزيزفون، ..
في صوت المؤذن ..
حين ينادي باسم الوطن...
***
يحملون الأرضَ على أكتافهم ..
كأنها الوصية الأخيرة، ..
كأنها أمٌّ ثكلى يعلّقون على صدرها
قلادة الصبرِ والنار...
***
زرعوا في الترابِ نداء الخلاص، ..
وسقوه من عرقِ الكادحين، ..
ومن دمٍ كان يُصلّي في الخفاء، ..
ثم انفجر على وجه العدوِّ ..
برقًا لا يُروى...!
***
لم يتعبوا...
كانوا كالأنهار تمضي ..
وهي تعرف أنها لن تعود، ..
لكنها تهبُّ للحقل خصبه، ..
وللروحِ نبوءتُها الخَضراء...
***
كأنهم مرّوا بنا...
كطيفِ البرقـ إذا أضاءَ الحُقول،
ثم خبّأَ النورُ في سِلالهِ، ..
لكنهم مَكثوا...
كالقنديلِ المعلّقِ في صدرِ الغياب، ..
يُشعُّ كلّما اشتدّت العتمةُ...
***
كأنهم راياتٌ تُخاطبُ السَماء،
فَتنحنِي الغيومُ وتُمطرُ، ..
ويزهرُ فينا القمحُ والبنادقُ والحُلم...
***
هم من فَتحوا أبوابَ القصيدةِ ..
حينَ التقيناهُم ذاتَ مساءٍ شَتوِي،
فقالوا لنا:
"الوطن حكايةٌ لا تنتهي،
والثائرُ هو من يرويها،
ولو بِدَّمه..."
***
كتبوا وصاياهم على خاصِرة الأرضِ ..
لا بالحِبر،
بل بعظامهم...
وعزفوا لنا نشيدَ الحياة ..
من نبض البنادقِ ..
ومن حنجرة الجبل حين يغنّي للغزاة الرحيل...
ثم مضوا...
بعد أن قالوا :
كلَّ ما لم نكن نجرؤ على قَوله...
***
بقيت أناملهم نديةً ..
تربّتُ على أبوابِ البيوتِ ..
تُقبّلُ جباهَ الأمهاتْ ..
تودّعُ أغصانَ الليمونِ..
تهمسُ في آذانِ العائدينَ :
"هنا مرّ أبو جهاد..."
***
امتطوا الليلَ...
حين كان الغيابُ جسرًا،
وكانت العودةُ قمرًا مؤجّلًا...
ركبوا صَهوة الحُلم ..
كرّوا وما فرّوا ..
تقدّموا حين تراجع العالم ..
اختاروا أن يكونوا أوّل الحكايةِ...!
وأصدق النهايات...!
***
كان الفدائي منهم:
خليل...
أو ياسر...
أو عمر...
رجالٌ لا يَنتهِي ضُوؤُهم ..
كتبوا فلسطين بِدَّمهم ..
فَكتبتهُمْ هي في نَشيدِها الأَبدي...
د. عبد الرحيم جاموس
الرياض – 16/4/2025
الذكرى السابعة والثلاثون لاستشهاد أمير الشهداء
القائد الرمز: خليل الوزير – أبو جهاد