767

0

ماليزيا تكرم العالم و الخبير الجزائري البروفيسور عبد العزيز برغوث

محمد مصطفى حابس : جنيف / سويسرا 

" في بيئة الحرية والابداع، العقول المهاجرة تتمكّن من إحراز أعلى الجوائز العالمية والنوعية"

 "التكريم ليس تكريما لصاحبه أو أسرته فحسب، بل هو تكريم للجزائر والعرب جميعا"

العقل هو الثروة الحقيقية الكبرى التي يمتلكها المجتمع، وهجرة العقول أو الكفاءات ظاهرة تاريخيّة لم ترتبط بمكان أو زمان، إنما هي ردة فعل لافتقاد أصحابها للحرية وبيئة الإبداع، واختناقهم بدخان بيئة ملوثة سياسيّا واجتماعيا واقتصاديا، وهي بيئة تنبذ العلم في ممارساتها، وتكرس لمفهوم الجمود الفكري والعقلي، وهنا وجب الإشارة إلى أن هجرة العقول لم تكن مرتبطة بالعرب فقط أثناء أو بعد الاستعمار، بل هي عالمية، ولكن آثارها الاقتصادية والعلمية أعمق بكثير مما في مجتمعاتنا التي تعاني من أميّة أبجديّة وأميّة حضاريّة وفقر في المعايير العلميّة، وتلوث بيئي في الإبداع والعلم، وهو ما يجعل هجرة العقل من الموطن إلى الوطن الآخر خسارة لا تعوّض، إذ تعتبر هجرة العقول، نزيفا خطيرا غير منظور للمجتمعات، لا يمكن تعويضه إلا بعد أجيال..

وقد أظهرت بعض الدراسات التي قامت بها جامعة الدول العربية ومنظمة اليونيسكو والبنك الدولي، أن العالم العربي يساهم في ثلث هِجرة الكفاءات من البلدان النامية. وتذكر بعض التقارير أن 54% من الطلاب العرب، الذين يدرسون في الخارج، لا يعودون إلى بلدانهم، مما يفرز تبعات سلبية على مستقبل التنمية في عالمنا العربي، حيث يتساءل الكثيرون عن الأسباب التي تقف وراء هذه الظاهرة الخطرة المخيفة التي تدعم الفكرة المتداولة والتي تؤكد ان بعض البلدان العربية اصبحت بيئات طاردة للكفاءات العلمية وليست حاضنة أو جاذبة لها. 

إلا أن العقل الجزائري والعربي الإسلامي عموما - رغم بعض المعوقات وإكراهات - فإنه عند توفر الظروف المناسبة يتحول إلى طاقة مبدعة ومؤثرة ونافعة، بل ومتميزة. وتلك هي الثروة الحقيقية الثمينة الكبرى التي يمتلكها المجتمع، وعليها المعول في تحقيق نهضته وتبوئ مكانته اللائقة به في هذا العالم.

وها هي ماليزيا تكرم، هذه السنة، العالم والخبير الجزائري البروفيسور عبد العزيز برغوث بوسام الداتوك وهو من الأوسمة الفدرالية العالية الخاصة التي يكرم بها من قدموا خدمات وإسهامات نوعية لنهضة دولة ماليزيا. وتم ذلك على يد ملك ماليزيا شخصيا في حفل نوعي بهيج يوم الأربعاء 13 رجب 1445هـ الموافق لـ 24 جانفي 2024م، نقلته القنوات الفضائية المحلية و الدولية.

معلوم، أن ماليزيا دولة اتحادية ملكية دستورية تقع في جنوب شرق آسيا، مكونة من 13 ولاية وثلاثة أقاليم اتحادية، بمساحة كلية تبلغ 329 845 كم2. عاصمتها كوالالمبور، في حين أن بوتراجاي هي مقر الحكومة الاتحادية. يصل تعداد السكان إلى أكثر من 35 مليون نسمة .. وقد برزت كبلد إسلامي جذاب للكفاءات منذ نهاية ثمانينيات وبداية تسعينات القرن الماضي، في إطار محاولة الحكومة الماليزية إحداث نقلة نوعية للاستثمار في التعليم والبحث العلمي، لتصبح ماليزيا وجهة مهمة في استقطاب الطلبة الأجانب العرب من أجل الدراسة، باعتبارها بديل عن الدول الغربية، حيث جمعت بين الأصالة الإسلامية والحداثة العصرية. وتسعى الحكومة الماليزية سنويا إلى استقطاب أكثر من 200 ألف طالب أجنبي أغلبهم من دول العالم العربي والإسلامي، ومن بين ما تقدمه الجامعات الماليزية هو تعلم اللغة الانجليزية، حيث أن معظم الجامعات تشترط للالتحاق بكلياتها إتقان اللغة الإنجليزية التي تعتبر المفتاح الأساسي للولوج إلى عالم البحث العلمي و التكنولوجيا والنشر، وخاصة في المجالات العالمية عالية التأثير.

تقريبا، نفس الخطة التعليمية في تخصصات عديدة، لاحظتها في السنوات الأخيرة في تركيا وإيران مثلا، حيث تقوم الدولة بتغطية جل نفقات الطلبة وقد استقطبت كفاءات متعددة مباشرة بعد البكالوريا، لشباب من أنجب نجباء العالم، من إفريقيا والعالم العربي والأقليات الإسلامية في الغرب. ولما استفسرت من أحد المسؤولين الأتراك عن سبب كل هذه المصاريف والتكلفة، قال لي ببساطة، "هؤلاء الطلبة، هم ثروتنا محليا اليوم و سفراؤنا دوليا غدا لدى هذه الشعوب وبألسنتهم"، عكس بعض دولنا الإسلامية التي تكتفي بتدريس تخصص شرعي واحد، و تدرس كل من هب ودب، مركزة على العدد الكبير و ليس على النوعية..   

والنموذج الذي نقدمه اليوم عن هذه الحقيقة هو البروفيسور عبد العزيز برغوث المقيم بدولة ماليزيا منذ ما يقرب من ثلاثة عقود من الزمن، واستفاد المجتمع الماليزي من كفاءته وخبرته، وما يزال يستفيد منه، كما يدل على ذلك إشراكه في وضع خطة ماليزيا 2050 منذ عدة سنوات. 

فالبروفيسور عبد العزيز برغوث خريج المدرسة الجزائرية أولا، درس الابتدائي والمتوسط برأس العيون بولاية باتنة، ودرس الثانوي بثانوية عبان رمضان بالجزائر العاصمة، وأكمل دراسته الجامعية في المعهد الوطني للمالية بالعاصمة، وأتم دراساته الجامعية العليا بالخارج، وفي ماليزيا تحديدا، حيث نال شهادة الماجستير والدكتوراه وترقى إلى الأستاذية هناك.

وهو حاليا عميد المعهد الدولي للفكر الإسلامي والحضارة بالجامعة الإسلامية العالمية بماليزيا، وهو الشقيق الأصغر لأستاذنا الشيخ الدكتور الطيب برغوث - حفظه الله وشفاه - الأستاذ الأسبق بجامعة الأمير عبد القادر للعلوم الإسلامية بقسنطينة.

- حاصل على شهادة دكتوراه في الحضارة والتاريخ الإسلامي، ودكتورة ثانية في التربية (المناهج والتدريس).

- عميد القطب الجامعي كوالالمبور الذي يضم المعهد العالمي للفكر الإسلامي والحضارة والمعهد العالمي لوحدة المسلمين..

- نائب مدير الجامعة الإسلامية العالمية ماليزيا من الفترة 2011-2018م

 - مستشار لمنظمة التعاون الإسلامي في شؤون الأسرة والمجتمع والثقافة (حاليا).

- حائز على جوائز محلية ودولية ، عن جهوده العلمية والتربوية والدعوية 

 والتواصلية المتميزة، التي بذلها ولا يزال منذ ما يقرب من ثلاثين سنة، خدمة للمجتمع الماليزي ودول مسلمة عديدة في الشرق الآسيوي، ومناطق أخرى من العالم الإسلامي، من هذه الجوائز: جائزة الجامعة للتميز الدولي والمواطنة الدولية، (2022م)، جائزة القدوة التربوية، كلية معارف الوحي والعلوم الإنسانية، الجامعة الإسلامية العالمية ماليزيا (2022)، جائزة مربي متميز، كلية معارف الوحي والعلوم الإنسانية، الجامعة الإسلامية العالمية ماليزيا، 2021، جائزة "جواهر العالم الإسلامي"، ماليزيا (2019م)، التي تنظمها مؤسسة (OIC Today) بالتعاون مع منظمة التعاون الإسلامي، وهيئات ماليزية ومحلية ودولية، وجائزة عجمان للجودة والتميز، حاكم عجمان، 2011م...

- نشر 11 كتابا في مجالات وموضوعات متعددة ومتداخلة بين العلوم الإسلامية والإنسانية، ونشر أكثر من 70 بحثا في مجلات محكمة ومفهرسة دوليا باللغتين العربية والإنجليزية.

- قدم أكثر من 100 ورقة في مؤتمرات محلية ودولية باللغتين العربية والإنجليزي

ختاما نتمنى أن تكون رسالة وعبرة هذا التتويج لهذا العقل الجزائري قد بلغت لأجيال المجتمعات العربية والإسلامية الشابة ، طلبة وأساتذة، فهذا التكريم ليس تكريما لصاحبه أو أسرته فحسب، بل هو تكريم للجزائر والجزائريين جميعا، وللمدرسة الجزائرية التي تخرج منها، واستطاع أن يكمل دراسته في الجامعة الماليزية المتميزة، ويتفوق و يتبوأ أهم المسؤوليات العلمية والتربوية فيها، ويصبح من الشخصيات البارزة التي ساهمت بإخلاص وصدق وأمانة وتفاني وفعالية وكفاءة في خدمة المجتمع الماليزي والأمة والإنسانية. تهانينا من خلاله المجتمع الماليزي والشرق الآسيوي، وكل الدول التي حرصت على الاستفادة من علمه وكفاءته وخبرته ورساليته، كما لا يسعنا في هذا المقام إلا أن نرفع أكف الضراعة إلى المولى عز وجل داعينه سبحانه أن يوفق أبناء وبنات الجزائر إلى الخير والعمل الصالح، ويمكنهم من المشاركة الفعالة في دعم مسيرة مجتمعنا الجزائري الغالي ليتجاوز كابوس أزماته المتولية، ويتأهل لبناء قدراته التنموية المستدامة، التي هي قدره، فمن لم يفعل ذلك من المجتمعات فمصيره الهوان الحضاري، لا قدر الله ..

والله الهادِي الى سَوَاءَ السَّبِيلِ، إنه نِعْمَ الْمَوْلَىٰ وَنِعْمَ النَّصِيرُ.

 

 

 

شارك رأيك

التعليقات

لا تعليقات حتى الآن.

رأيك يهمنا. شارك أفكارك معنا.

barakanews

اقرأ المقالات البارزة من بريدك الإلكتروني مباشرةً


للتواصل معنا:


حقوق النشر 2025.جميع الحقوق محفوظة لصحيفة بركة نيوز.

تصميم وتطويرForTera Services

barakanews

اقرأ المقالات البارزة من بريدك الإلكتروني مباشرةً


للتواصل معنا:


حقوق النشر 2025.جميع الحقوق محفوظة لصحيفة بركة نيوز.

تصميم وتطويرForTera Services