97

0

مادلين أبحرت… فأين سفن المؤمنين؟

 بقلم: صوت فلسطين

في مشهدٍ يُقطّعُ نياطَ القلب، ويبعثرُ فينا آخرَ بقايا الخجل، أبحرت "مادلين" من صقلية، لا تحملُ سلاحًا، ولا تُخفي في أحشائها إلا الحليبَ والدقيقَ وشيئًا من كرامةٍ إنسانيةٍ هجرتها جيوشُ العرب وخطباؤهم. أبحرت "مادلين" وخلفها دعاءُ المظلومين، وأمامها بحرٌ يعجُّ بالبارود الصهيوني، وسفنُ الحصار التي تعبدُ الربَّ بطائراتٍ مُسيّرة، وأوامرَ بالقتل عند أوّل نسمةِ شفقةٍ تأتي من عرضِ المتوسط.

فتاةٌ سويدية لا تعرفُ القبلة، ولا تحفظُ "الفاتحة"، ولا سجدت في حياتها لله، وقفت تتوشّح الكوفية، وتبكي على شعبٍ يُذبح منذ سبعة عقود، وتسأل العالم:  
"أين أنتم؟ لماذا لا تغضبون؟"

ننظر إلى عينيها فلا نرى إلا وهجًا من نورٍ أطفأه فينا حكّامُ النفط والتطبيع، ونسمع كلماتها فنرتجف، لا لأن فيها بلاغةً تفوقنا، بل لأن فيها *صدقًا* سحقه فينا خوفُ المرتبات، وخذلانُ الجيوش، وفقهُ الطاعةِ العمياء.

أبحرت "مادلين" ومن فوقها علمُ فلسطين، تباركه دموعُ الغزيين، وتُباركه قُبَلُ الأطفال على صورةِ البحر التي لا يصلونها إلا شهداء. أبحرت وعلى ظهرها أناسٌ لا يُصلّون، ولكنهم آمنوا أن الإنسان لا يُتركُ تحتَ الردم، ولا يُحاصَرُ في الخيام، ولا يُقصفُ لأنّه قال "لا". أناسٌ لم يُبايعوا الله، ولكنهم بايعوا *الحق*، بينما نحن الذين نُكثر من الدعاء، نُكثر من الصمتِ أيضًا، ونُكثر من المساومة.

يا للعار…

كيفَ يُبحرون إلى الموتِ من أجل غزة، بينما نحن نُبحرُ إلى فنادق المؤتمرات؟  
كيفَ تُخاطر فتاةٌ ناعمةٌ بلَحمِها في عرض البحر، ونحن نُخاطرُ فقط بماء وجهنا حين نُعرب عن تضامنٍ خجولٍ في منشورٍ محدودِ الجمهور؟  
أيّ دينٍ هذا الذي نؤمن به، ولا يزجرنا عن قتل أطفال فلسطين، ولا يدفعنا لأن نسير خطوةً واحدة نحو الشرف؟

يا قوم، إنَّ غريتا لم تقرأ قوله تعالى:  
*"ولا تَحسبنَّ اللهَ غافلًا عمّا يعملُ الظالمون"*  
لكنها خافت من أن تكونَ شريكةً في الظلمِ إن هي صمتت.  
بينما نحن نُكثر من تلاوة الآية، ونُكثر من تجاهلِها.

لقد سُمّيت السفينة "مادلين" على اسم صيّادةٍ فلسطينيةٍ صغيرة، علّنا نخجل، ونعلم أن الحصار ليس فقط بالجوع، بل في موتِ الضمير.  
لقد حملوا معهم أطرافًا صناعيةً لأطفالٍ بُترت أحلامهم، بينما حملنا نحن "أسبابَ العجزِ" وتذرّعنا بأننا "لا نملكُ شيئًا".

فإلى متى نُكذّب أنفسنا ونُصدّق أنهم وحدهم المسؤولون؟  
إلى متى نظنُّ أن الله سيقاتلُ عنّا ونحنُ جالسون؟  
أليست تلك الكفوفُ التي رفعت علمَ فلسطين من شواطئ أوروبا، أحقَّ باللهِ من أيدينا التي صُفّدت بالجبنِ والتواكل؟

---

*يا أمةَ المليار، متى تعرفين أنَّ اللهَ لا يُغيّر ما بقومٍ حتّى يُغيّروا ما بأنفسهم؟*  
أنَّ البحر لا ينشقّ إلا على من يَشقُّ طريقه نحوه؟  
أنَّ الغزاةَ لا ينهزمونَ أمام خُطب الجمعة، بل أمام سفنٍ تُبحرُ رغم تهديدات البوارج؟

---

*"مادلين" هي سفينةٌ صغيرة، لكنّها صفعت جبينَ الأمّة، وتركتنا عُراةً أمام المرآة.  فمن لم يخجل بعد، فليُدرك أن التاريخ لا يرحمُ المتخاذلين.*

شارك رأيك

التعليقات

لا تعليقات حتى الآن.

رأيك يهمنا. شارك أفكارك معنا.

barakanews

اقرأ المقالات البارزة من بريدك الإلكتروني مباشرةً


للتواصل معنا:


حقوق النشر 2025.جميع الحقوق محفوظة لصحيفة بركة نيوز.

تصميم وتطويرForTera Services

barakanews

اقرأ المقالات البارزة من بريدك الإلكتروني مباشرةً


للتواصل معنا:


حقوق النشر 2025.جميع الحقوق محفوظة لصحيفة بركة نيوز.

تصميم وتطويرForTera Services