2

0

ما هو الخطر الصامت وراء الإفراط في الملح وقلة شرب الماء؟

الكلى في صراع مع العادات اليومية



​تُعد الكلى بمثابة مصنع التنقية الحيوي في الجسم، تعمل بلا كلل ليل نهار للحفاظ على توازن السوائل والأملاح وطرد السموم.

الحاج بن معمر

لكن هذا العضو الحيوي يواجه ضغوطاً متزايدة في المجتمع الجزائري بسبب عادات غذائية متأصلة، أهمها الإستهلاك المفرط للملح ونقص الوعي بأهمية الترطيب الكافي. هذا المزيج يشكل خطراً صامتاً يهدد صحة الكلى ويرفع معدلات الإصابة بأمراض مزمنة مثل إرتفاع ضغط الدم وحصوات الكلى.

يسلط هذا التقرير الضوء على العلاقة بين الملح والماء وصحة الكلى، ويقدم إرشادات وقائية بسيطة.

 الملح الخفي: كيف تتسلل الجرعات الزائدة إلى المائدة الجزائرية؟
​في الجزائر، وكثير من دول المنطقة، يتجاوز إستهلاك الملح (كلوريد الصوديوم) الحد الموصى به من منظمة الصحة العالمية، وهو 5 غرامات يومياً. المشكلة لا تكمن فقط في كمية الملح التي تُضاف مباشرة إلى الطعام أثناء الطهي، بل في الملح الخفي الموجود في المنتجات الغذائية المصنعة والمستهلكة بكثرة.
​تُعد المخبوزات والخبز التقليدي، والجبن، والمعلبات، والوجبات السريعة، مصادر أساسية للصوديوم المُخبأ. فعلى سبيل المثال، قطعة واحدة من الخبز قد تحتوي على كمية كبيرة من الملح، وعندما يستهلك الجزائريون الخبز بشكل يومي ومرافق لكل وجبة، فإن كمية الصوديوم المتراكمة تتجاوز الحد الآمن بسهولة دون إدراك.
​يشكل هذا الإفراط عبئاً كبيراً على الكلى، فالكلى هي المسؤولة عن تصفية الصوديوم الزائد من الدم. وكلما زادت كمية الصوديوم، إضطرت الكلى إلى العمل بجهد أكبر لطرده، مما يؤدي على المدى الطويل إلى إجهاد الأوعية الدموية الدقيقة في الكلى وتقليل كفاءتها الوظيفية.

إرتفاع ضغط الدم:ضريبة  الإستهلاك  المفرط  للملح 
​أخطر الآثار المترتبة على الإستهلاك المفرط للصوديوم هو إرتفاع ضغط الدم، وهو مرض يُعرف بـ "القاتل الصامت". عندما يرتفع مستوى الصوديوم في الدم، يسحب الجسم كمية أكبر من الماء للحفاظ على التوازن. هذه الزيادة في حجم الدم تؤدي إلى زيادة الضغط على جدران الأوعية الدموية.
​الكلى هي العضو الأكثر تضرراً من إرتفاع ضغط الدم. فالضغط المرتفع يُتلف الأوعية الدموية التي تغذي الكلى، مما يضعف قدرتها على تصفية الدم بشكل فعال. ومع مرور الوقت، يمكن أن يؤدي هذا الضرر إلى قصور كلوي مزمن، وهي حالة تتطلب علاجاً مكثفاً أو غسيل كلى.
​تشير الإحصاءات في الجزائر إلى إرتفاع ملحوظ في معدلات الإصابة بارتفاع ضغط الدم، وهو ما يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالأنماط الغذائية السائدة التي تعتمد على الملح والمقليات. لذلك، فإن التحكم في كمية الملح ليس خياراً تجميلياً، بل هو خط دفاع أساسي ضد الفشل الكلوي.

 نقص الترطيب: شبح الجفاف في بلد حار
​الجزائر، بكونها بلداً يقع جزء كبير منه في منطقة حارة، تتطلب وعياً خاصاً بأهمية الترطيب. ومع ذلك، تشير الملاحظات إلى أن شريحة كبيرة من السكان لا تشرب كمية كافية من الماء يومياً، حيث يكتفون بالسوائل الأخرى مثل الشاي المحلى أو المشروبات الغازية، والتي لا تعوض الماء النقي بشكل فعّال.
​نقص شرب الماء يؤثر مباشرة على وظيفة الكلى. عندما يكون الجسم في حالة جفاف جزئي، تعمل الكلى على إمتصاص أقصى قدر ممكن من الماء، مما يجعل البول مركزاً ومُشبعاً بالمعادن والفضلات. هذا التركيز الشديد هو البيئة المثالية لتكوين حصوات الكلى.
​حصوات الكلى، التي تُسبب ألماً شديداً وتتطلب تدخلاً طبياً، هي نتيجة مباشرة لقلة شرب الماء وتركيز الأملاح في البول. الكلى تحتاج إلى ماء كافٍ لتخفيف الفضلات والصوديوم الزائد وطردها بسلاسة. ويعتبر شرب 8 أكواب من الماء على الأقل يومياً، وزيادة الكمية في الطقس الحار أو بعد النشاط البدني، أمراً حيوياً للحفاظ على سلامة الكلى.

حصوات الكلى: عندما يتحد الملح والجفاف
​تُعد حصوات الكلى من المشاكل الصحية الشائعة والمؤلمة في الجزائر، وهي في جوهرها تجسيد لـ "صراع الكلى" مع العادات الغذائية السيئة. تتكون معظم الحصوات من بلورات أوكسالات الكالسيوم، ويتضاعف خطر تكونها عندما يجتمع عاملان: زيادة الصوديوم وقلة الماء.
​الإفراط في الملح يزيد من كمية الكالسيوم التي يتم إفرازها في البول. وبسبب قلة الماء (الجفاف)، يكون البول مركزاً جداً. هذا التركيز العالي يسهل تبلور الكالسيوم مع الأوكسالات أو غيرها من المواد لتشكيل الحصوات. وهكذا، يصبح الملح عاملاً غير مباشر في تصلب هذه الحصوات داخل المسالك البولية.
​الوقاية هنا بسيطة وتتمحور حول تعديل العادات اليومية. إن إستبدال المشروبات السكرية بالماء العادي، وتخفيف كمية الملح في الطعام، يعتبر أفضل إستثمار صحي يمكن للمواطن الجزائري القيام به لتجنب هذه الآلام الحادة والمضاعفات الكلوية الخطيرة.

خطوات وقائية عملية: نصيحة "صحة ديزاد" لحياة أفضل
​لتخفيف العبء على الكلى وتحسين الصحة العامة، يجب تبني تغييرات بسيطة وفعّالة في المطبخ الجزائري. أولاً، اقرأ الملصقات الغذائية وابحث عن المنتجات التي تحمل علامة "قليل الصوديوم".

يجب تقليل الإعتماد على المعلبات والوجبات المصنعة قدر الإمكان.
​ثانياً، إستخدم بدائل طبيعية للملح في الطهي لإضافة نكهة، مثل الأعشاب والتوابل المحلية (الكمون، الكزبرة، الثوم، الليمون). يجب تقليل عادة إستخدام مملحة المائدة (الملح الذي يضاف للطعام بعد طهيه)، والإعتماد على طعم الطعام الطبيعي.
​ثالثاً، اجعل الماء المشروب الأساسي والأول. يجب التعود على حمل زجاجة ماء صغيرة وتناول جرعات متكررة على مدار اليوم، وعدم الإنتظار حتى الشعور بالعطش. إن العطش هو إشارة متأخرة للجفاف. بتعديل هذه العادات البسيطة، يمكن للمواطن الجزائري أن يضمن بقاء كليتيه تعملان بكفاءة وبعيداً عن الأمراض المزمنة.
خاتمة 
​تتعرض الكلى لضغوط هائلة بسبب عادة متأصلة تتمثل في الإفراط في استهلاك الملح عبر الوجبات والمنتجات المصنعة، بالإضافة إلى النقص الواضح في شرب الماء النقي، خاصة في مواجهة الحرارة.

هذا التناغم السلبي يرفع معدلات الإصابة بارتفاع ضغط الدم وحصوات الكلى. إن الوعي بالحد الأقصى للملح واستبدال المشروبات الأخرى بالماء، إلى جانب استخدام التوابل كبديل للملح، هي خطوات عملية وفورية يمكن أن يتخذها كل فرد لضمان حماية هذا العضو الحيوي والحفاظ على "صحة الجسم  في الوقت نفسه

شارك رأيك

التعليقات

لا تعليقات حتى الآن.

رأيك يهمنا. شارك أفكارك معنا.

barakanews

اقرأ المقالات البارزة من بريدك الإلكتروني مباشرةً


للتواصل معنا:


حقوق النشر 2025.جميع الحقوق محفوظة لصحيفة بركة نيوز.

تصميم وتطويرForTera Services

barakanews

اقرأ المقالات البارزة من بريدك الإلكتروني مباشرةً


للتواصل معنا:


حقوق النشر 2025.جميع الحقوق محفوظة لصحيفة بركة نيوز.

تصميم وتطويرForTera Services