258

0

ليلة القدر سلام للروح وسر من أسرار الله

بقلم سيدعلي دعاس 

ليلة القدر سِر مِنْ أَسْرَارِ الله - تعالى، لا يستطيع أحد أن يبلغ الدرجة الحقيقية العميقة في تقدير عظمتها وقداستها .... لأن شأنها لَيْسَ مِمَّا يُمْكِنُ الإِنسَانِ أَن يُدْرِكَهُ بِنَفْسِهِ، وَالَّذِي خَلَقَ الوجود هُوَ مَن أعطى لهذه الأيلة قيمتها الروحية حيث قال في محكم التنزيل : "ليلة القَدَرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ" .

ولذلك جَاءَتْ التعاليم النبوية بضرورة الاستعدادِ لِيْلَتِهَا بِالصَّلاةِ والتضرع إليه بالعبارات الخاشعة، والدفعة الخائفة ... لينطلق المؤمن إلى ربه قائما وقاعِدًا وَرَاكِعا وساجدًا في إخلاص.... 

لِتَكُونَ هَذِهِ اللَّيْلَةُ مَوْعِدًا إلهذا متميزا؛ لأن المؤمن بإمكانه أن يلتقي بالله في أي وقت، لكن إقاءَهُ بِهِ فِي لَيْلَةِ القَدَرِ شَيْءٌ آخر والرحمة فيها تتضاعف، والعمل فيها يكبر والخير فيها يكثر.... 

إنها ليلة السلام الزوجي قال تعالى: "سلام هي حتى مطلع الفجر": فَلَيْسَ فِيها أَي مَعْنَى يُوحِي بِالشَّرِّ وَالبَغْضِ مِمَّا يُرْهِقُ مشاعر السلام الإنسان... إنَّه سلام الروح الذي يَمْتَدُّ فِي رُوحَانِيةِ هذه الليلة وفِي كُلِّ دَقَائِقِها؛ وهي سلام لكثرة من يسلم فيها من الآثام والعقاب قال النبي : "من قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه" .

 إنها إحدى ليالي العشر الأواخر من رمضان، فَإِنْ لَمْ يَكُن فَعَلَى الأقل الليالي الوتر منها، وهي ليلة الواحد والعشرين أو الثالث والعشرين أو الخامس والعشرين أو السابع والعشرين أو التاسع والعشرين وذلك يقول النبي ﷺ: "تحروا لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِي الْوِتْر مِنَ الْعَشر الأواخر".

 والحكمة هي أن تَتَعَيَّدَهُ فِي أَكْثَرَ مِن لَيْلَةٍ وحتى تتعود على الاهتمام بليالينا الرمضانية - على الأقل في العشر الأواخر كما تستحق ليلة القدر من العِبَادَةِ والقُرب من الله ... فذلك ما يُرِيدُهُ الله لِعِبَادِهِ أَن يَنْقَرُبُوا إِلَيْهِ لِيَصِلُوا إِلَيْهِ بأزواجهمْ وَقُلُوبِهِمْ لِأَنَّهُمْ لَا يَمْلِكُونَ الوصول إِلَيْهِ بِأَجسادهم. 

انها ليلة تهفو إليها كل نفس مؤمنة وتتمنى إدراكها، لتتخلص من شواغل الدنيا وتتعلق بخالقها، راجية طامعة في عفوه وكرمه ورحمته... فقد بشرنا بذلك النبي ﷺ فقال: "من قام ليلة القدر إيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ" .

 وَفِي بَيَانِ مَنزِلَةِ هَذِهِ اللَّيْلَةِ الْمُبَارَكَةِ وَرَدَتْ أَحَادِيثُ كَثِيرَةً، منها قوله : "أثاكُمْ رَمَضان شهر مُبَارَكَ فَرَضَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْكُمْ صِدَامَهُ، تُفتح فِيهِ أَبْوَابُ السَّمَاءِ، وَتُغْلَقُ فِيهِ أَبْوَابُ الجَحِيمِ، وَتَغلُ فِيهِ مَرَدَةُ الشَّيَاطِينِ، لِلَّهِ فِيهِ لَيْلَةً خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ، مَنْ حُرِمَ خَيْرَهَا فَقَدْ حُرِمَ " .

 فهذه الآيلة الواحدة خير من ألف شهر أي أنها خير من ثلاثين ألف ليلة وألف شهر تزيد على ثلاثة وثمانين عاماً. فهو عمر طويل لمن طال عمره وخشن عملة فقضاه كله في طاعة الله عز وجل. وإذا علمنا أن النبي ﷺ قال: "أعمارُ أُمَّتِي مَا بَيْنَ السَّتِّينَ إِلَى السَّبْعِينَ، وَأَقَلُهُمْ مَنْ يجوز ذلك". 

وكيف يكون لنا السبق ونحن أقل أعمارًا؟! طبعا، لا يكون ذلك إلا باستغلال الفرص والتسابق عليها مثل اغتنام ليلة القدر. 

سألت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها النبي ﷺ: ماذا أقول إن وافقت ليلة القد؟ فقال لها: "قولي: اللَّهُمْ إِنَّكَ عَفُو كَرِيمٌ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي " . 

ولو تأملنا في جواب النبي ﷺ سنجد أن كلماته تجمع للإنسان خيري الدنيا والآخرة، بأن يسلم من البلاء في الدنيا، ومن العذاب في الآخرة؛ فإذا غوفي الإنسان في دنياه وآخرته، كان ماله إلى الجنة حتمًا. 

وقد ثبت عن النبي أنه كان يسأل ربه العفو والعافية والستر والأمن والحفظ في كل يوم وليلة فعن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: لم يكن رسول الله ﷺ يدع هؤلاء الكلمات إذا أصبح وإذا أمسى: " اللهم إني أسألُكَ العَافِيَة فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، اللَّهُم إني أسألك العَفْوَ وَالْعَافِيَةُ فِي دِينِي وَدُنْيَايَ وَأَهْلِي وَمالي اللهم استر عوراتي وآمن روعاتي اللهم احْفَظْنِي مِنْ بَينِ يدي، ومن خلفي وعن يميني وعن شمالي، ومن فوقي وأعوذ بعظمتك أن أغتال من تحتي". اللَّهُمَّ إِنَّكَ عَفُو كَرِيمٌ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنَّا.

شارك رأيك

التعليقات

لا تعليقات حتى الآن.

رأيك يهمنا. شارك أفكارك معنا.

barakanews

اقرأ المقالات البارزة من بريدك الإلكتروني مباشرةً


للتواصل معنا:


حقوق النشر 2024.جميع الحقوق محفوظة لصحيفة بركة نيوز.

تصميم وتطويرForTera Services