بقلم الحاج شريفي
في عالم السياسة، هناك من يتحدث ليبهر، وهناك من يتحدث ليكشف نواياه... إيمانويل ماكرون، الرئيس الفرنسي الذي لم يتعلم بعد من دروس التاريخ، يبدو أنه اختار الطريق الثاني بجدارة، وهو يطلق تصريحات لا تزيده إلا سخرية أمام أمة لم تنحن يوما أمام استعمار ولا وصاية.
ماكرون الذي يبحث عن بطولات وهمية، نسي أن الجزائر ليست ساحة لتصفية حساباته الداخلية أو منصة لتسويق أزماته التي تتصاعد داخل بلاده يوما بعد يوم، فالاحتجاجات التي تحرق شوارع باريس، والقمامة التي تغزو المدن الفرنسية بسبب الإضرابات، أكبر دليل على رئيس غارق في الأزمات، يبحث عن شماعة خارجية ليعلق عليها فشله الذريع.
كيف لمن يترأس دولة لا تزال غارقة في إرثها الاستعماري أن يتحدث عن "ريع الذاكرة"؟ هل نسي هذا الرئيس الذي يتقن فن الاستفزاز أن بلاده لا تزال ترفض الاعتذار عن جرائمها الوحشية في الجزائر؟ أكثر من 130 عاما من الاستعمار، ملايين الشهداء، ونهب ثروات البلاد بلا رحمة، ثم يأتي ليحاضر عن المصالحة!
الجزائر ليست بحاجة لدروس من ماكرون ولا غيره، نحن أمة صنعت تاريخها بدماء أبنائها، وحطمت أغلال الاستعمار الفرنسي في معركة استثنائية شهد لها العالم أجمع، وماكرون، الذي يهوى العبث بملف الذاكرة، يبدو أنه يحتاج إلى قراءة سريعة لتاريخ فرنسا الأسود في الجزائر، الذي لن تمحى فصوله بإنكار أو تجاهل.
أما عن الحاضر، فدعنا نضع النقاط على الحروف: الجزائر اليوم قوة إقليمية صاعدة، في حين تتخبط فرنسا في أزماتها الاقتصادية والسياسية، تشهد الجزائر استقرارا وتنمية، وتلعب دورا محوريا في إفريقيا والبحر الأبيض المتوسط.
الجزائر تقود وساطات لحل النزاعات، توفر الغاز لدول أوروبية تعاني أزمة طاقة خانقة، وتتمسك بمبادئها الرافضة للتبعية والخضوع.
وماكرون، الذي حاول مؤخرا التودد إلى الجزائر عبر رسائل مزدوجة ومبادرات هزيلة، سرعان ما عاد ليكشف عن وجهه الحقيقي، تصريحات عن "النظام الجزائري السياسي العسكري" ليست سوى محاولة فاشلة لإخفاء عجزه عن بناء علاقة ندية تقوم على الاحترام.
لكن هيهات، الجزائر لا تأخذ تعليمات من أحد، ولا تقبل دروسا من رئيس يحكم قبضته على الإعلام في بلاده، ويعجز عن كسب ثقة شعبه، ماكرون، إذا كنت تعتقد أن الجزائر ستنحني أمام كلماتك الجوفاء أو شعاراتك البالية، فأنت لم تفهم بعد من هي الجزائر.
نحن الأمة التي أخرجت إمبراطوريتك من أبوابها مذلولة، ولن نسمح اليوم أو غدا لأي صوت واهن مثلك أن يمس عظمتنا. وإن كنت تبحث عن بريق في عتمة سياساتك، فلا تبحث عنه هنا؛ الجزائر ليست مشهدا في مسرحك السياسي المتهالك، أما "ريع الذاكرة" الذي تتحدث عنه، فهو الوقود الذي يضيء طريقنا نحو المستقبل، بينما تظل أنت عالقا في ظلام تناقضاتك وأزماتك.
الجزائر اليوم تتحدث بلغة القوة، وأنت؟ بالكاد تسمعك أروقة الإليزيه، ننصحك، إن أردت أن تكتب لك صفحات في التاريخ، ألا تحاول العبث مع أمة تتقن طي صفحات المستعمرين، وترسم ملامح مستقبلها بفخر وزعامة لا تهتز.