379
0
و"إنك لعلى خلق عظيم"
تعدد الزوجات في الشرائع السماوية
بقلم نادية محمد/ مصر
لماذا تزوج رسول الله من تسعة من النساء أو كما هو ثابت إحدى عشرا كما جاء فى بعض الأحاديث ؟وقبل أن أطرح إجاباتى على السؤال لابد لنا أن نعلم أن الإسلام لم يبتكر نظام التعدد، فالثابت تاريخيا لمن قرأ وبحث فى تاريخ العرب، أن تعدد الزوجات كانت ظاهرة عرفتها البشرية منذ أقدم العصور.
فكانت ظاهرة منتشرة حتى بين الفراعنة ، وأشهر الفراعنة على الإطلاق(رمسيس الثانى) كانت له ثمانية زوجات وعشرات المحظيات ، وأسماء زوجاته ومحظياته وأولادة منقوش على جدران المعابد حتى اليوم، وأشهر زوجاته الملكة نفرتارى ثم آيسة نفر أوايزيس نفر.
وكان على عهد الخليل إبراهيم منذ تزوج سارة ثم هاجر المصرية ، وجمع نبى الله يعقوب بين الأختيين ( ليا ، راحيل ) وهما ابنتين خالة لايان وتزوج يعقوب جاريتين لزوجاته فكانت له أربعة زوجات ، وكذلك داوود وسليمان عليهما السلام كان لهما زوجات وجوارى عديدات .
فقد كان تعدد الزوجات منتشرا فى جزيرة العرب قبل الإسلام، فقد روى الإمام البخارى أن غيلان الثقفى أسلم وتحته عشر نسوة ،وكذلك عميره الأسدى كان له ثمانية من النساء .
ولقد كان تعدد الزوجات أيضا شائعا فى الشعوب ذات الأصل (السلافى ) وهى شعوب لا تدين بالإسلام ومنها الشعوب الوثنية بأفريقيا والهند والصين واليابان .
ويصرح الدكتور "محمد فؤاد الهاشمى " أن الكنيسة ظلت حتى القرن ال17 تعترف بتعدد الزوجات "ولايوجد نص صريح فى أي من الأناجيل الأربعة التى تمثل العهد الجديد يحظر تعدد الزوجات، فمثلا يقول بولس فى تيموثاوس 121/ 3" ليكن الشمامسة كل بعل إمرأة واحدة مديرين أولادهم وبيوتهم حسنا، نعم حرام على الشمامسة تعدد الزوجات كى يتفرغوا لخدمة الكنيسة " والسؤال الذى يلح بقوة هو لوكان يسوع قد حرم التعدد من قبل فما فائدة أن يحرم بولس التعدد على فئة معينة فالتحريم أصلا للكل فلا فائدة لإعادة هذا على فئة او لى البعض .
فمن الواضح أن بولس خص هذا الامر للشمامسة فقط وترك حرية الإختيار لعامة الناس من أراد أن يعدد ومن أراد اكتفى بواحدة ، وفى تكوين اصحاح (4:2) " ولذلك يترك الرجل اباه وأمه ويتحد بأمرته فيصيران جسدا واحدا " تكوين : أصحاح (24:2) وهى ليست دليل على تحريم التعدد .
أما العهد القديم أو التوراة ففيها نصوص صريحة على إباحة التعدد فى دين ابراهيم واسحق ويعقوب وشريعة داود وسليمان ففى تكوين 14:4 " واتخذ لامك لنفسه إمرأتين " وفى 2 صموئيل 8:12 نجد الله يتكلم على لسان النبى يوناثان ويقول ، أنه لو كانت زوجات داود وسرارية غير كافيات كان أعطى داود المزيد .
وسليمان كانت له 700 زوجة و300من السرارى ( والسرارى هن زوجات لهن مرتبة أقل مثل ماملكت اليمين عند العرب قديما ) وفقا لما جاء فى املوك 3:11 وفى تكوين 7:9 يقول الله " اكتمروا واكثروا واملإوا الأرض" ، وعليه ليس من الطبيعى أن يأمر الله او يحلل فى العهد القديم تعدد الزوجات ثم يحرمة بالعهد الحديث ، والكنيسة تتبنى وجهة نظر عدم التعدد الآن .
بمنطق أن عدد النساء كان أكثر من الرجال بسبب الحروب قديما أو أن المجتمعات فى العهد القديم مجتمعات أبوية أو ذكورية فلذلك أبيح التعدد قديما لمنع المرأة من الزنا او العبودية او الجوع ، ونحن هنا نرد بنفس الحجة أن النساء بالبيئة العربية قديما كانت نفس بيئة العهد القديم ، ونضيف أيضا بما أن القرأن آخر الكتب السماوية واخر دعوة من الله للخلق اجمعين على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم، والقرآن دستور للحياة الى يوم القيامة فقد أباح الله التعدد لرسوله وللمسلمين وذلك لأنه أولا أمر إلهي من رب الخلق، وثانيا نلمس حكمة ذلك فى تفوق أعداد النساء على الرجال حتى الآن ، وحاجة المرأة للزواج لأنه عفة لها عن الزنا فكيف نطالب كثير من النساء ان تصوم عن الزواج وتظل عمرها دون رجل اوشريك تمارس معه حياتها الطبيعية بما أحلته الأديان من زواج وهذا هو محور حياة البشر .
أما أن تعمل المرأة وتعول نفسها أو أسرتها فهى أشياء منذ الماضى البعيد وهى قادرة على القيام به، لذا أحل الله التعدد ولكن وضع له شروط حاسمة للرجل وهو أن يعدل بين الزوجات وإلا سيحاسب يوم القيامة حسابا عسيرا لظله لبعض زوجاته .
وحبذ القرآن لمن لايستطيع من الرجال أن يعدل بين النساء أن يكتفى بزوجة واحدة، وأباح الله الطلاق لمن استحالت العشرة بينهم حتى لاتتحول البيوت لسجن وليس سكينة وتتحول المودة لعداء مستحكم ليس له علاج إلا التفريق بين الزوجين وهذا بعد فشل كل محاولات الإصلاح بينهم .
بل أن علماء الأجتماع والمؤرخين ومنهم وستر مارك وهوبهوس وهيليز ، جنديرج وغيرهم يلاحظون أن التعدد لم ينتشر إلا بين الشعوب التى بلغت قدرا من الحضارة، وأن التعدد يتسع نطاقة كلما تقدمت المدنية واتسع نطاق الحضارة بخلاف المرحلة البدائية فى عمر المجتمعات فكان السائد نظام وحدة الأسرة ووحدة الزوجة .- لقد كان التعدد معروفا قبل بعثة النبى (ص) وان التعدد مطلقا بلا أية حدود او ضوابط او قيود .
ولما جاء الإسلام حدد الحد الأقصى للزواج بأربع زوجات وحظر التعدد على من يخشى من الأزواج ألا يعدل بين الزوجات .- تزوج رسول الله (ص) من السيدة خديجة بنت خويلد وكان عمرة 25 عاما وهى بعمر الأربعين وهى أول زوجاته وظلت زوجته الوحيدة لمدة خمسة وعشرون سنة لم يتزوج عليها حتى توفاها الله وكان عمره (ص) تجاوز الخمسين .
فلو اراد أن يتزوج فتاة بكر صغيرة فى ريعان الشباب مثله لتزوج ولكنه اختار العفاف عن الشهوة بزواجه منها وكانت أرملة لزوجين من قبل زواجها با لمصطفى ، وبكاها رسول الله وحزن عليها حزنا شديدا حتى نزل الوحي الأمين جبريل عليه السلا، م وقال لاتبكى يا محمد فخديجة فى الجنة فى قصر ليس به نصب او تعب، وكانت له السند ورزق منها البنت والولد وساندته بمالها وكل ماتملك .
وبعد رحيلها كان يعامل صويحابتها بكل ود إكراما لذكراها وفى فتح مكة بالحجون وهى الأرض التى دفنت بها ام المؤمنين خديجة أمر بنصب خيمة امام قبرها يبكيها ويحادثها شوقا وحنينا اليها .
وتزوج رسول الله للمرة الثانية وعمرة خمسة وخمسون عاما من السيدة عائشة وهى البكر الوحيدة التى تزوجها رسول الله اكراما لأبيها ابا بكر الصديق الذى كان بمثابة الوزير لرسول الله وأحب اصدقاؤه اليه ومن أقوالها " ماغرت على امرأة ماغرت على خديجة من كثرة ذكر رسول الله (ص) اياها" رواه البخارى
وهذه من الدلائل على مدى حب رسول للسيدة خديجة التى كان يتمنى لو قضى عمره كله معها دون غيرها ولكن امره الله بالزواج لأسباب تشريعية واجتماعية ، مثلما تزوج بالسيدة حفصة بنت عمر الخطاب إكراما لابيها وكانت ثيبا اى سبق لها الزواج من قبل والسيدة سودة بنت زمعة ، وزينب بنت خزيمة ، وام سلمة هند بنت ابى امية بن المغيرة ، وزينب بنت جحش، وجويرية بنت الحارث ، وام حبيبة رملة بنت ابى سفيان ، وصفية بنت حيى بن اخطب ،وميمونة بنت الحارث ، ولم يباح للرسول ان يتزوج بغيرهن او يطلقهن فهن أمهات المؤمنيين لايمكن لأحدا أن يتزوج بهن من بعد رسول الله (ص) وحرم ذلك على المؤمنيين، اكراما من الله لرسوله ولهن .
أما مارية القبطية فكانت هدية من ملك مصر لرسول الله ولم يتزوجها الا من بعد ان اشهرت اسلامها قبل ان يدخل بها .- فزواج الرسول فى عمر الخامسة والخمسين من هؤلاء النسوة من امهات المؤمنيين لايمكن ان يكون لشهوة فقد تزوج الرسول من السيدتين سودة بنت زمعة التى كانت مسنة ويزيد عمرها على الخمسين عاما وكذلك الحال للسيدة زينب بنت خزيمة وتوفيت بعد زواجها من الرسول فى نفس عام الزواج ، وزواجة من السيدة زينب بنت جحش كان لضرورة اقتضاها التشريع الأسلامى حيث انه (ص) كان قد تبنى زيد بن حارثة وكان العرب يعتقدون ان التبنى له نفس حقوق البنوة الحقيقية، فيحل للمتبنى مايحل للإبن الحقيقى من ميراث وتحليل وتحريم فكان زواجه من زوجة ابنة بالتبنى بعد أن طلقها زيد هو الوسيلة الفضلى لقلع هذا المفهوم الخاطىء من اذهان العرب .
يتضح لنا مما سبق أن الحياة الزوجية للرسول لم تكن للمتعة وذلك لأن كل زوجاته عدا السيدة عائشة سبق لهن الزواج ، ولو كان أمر الزواج للمتعة فكان بأستطاعته أن يتزوج خيرة الفتيات الأبكار لوجد من أولياؤهن الفخربمصاهرته لهم وهو عليه الصلاة والسلام الذى حث الشباب وحبذ لهم الزواج بالفتيات الأبكار ورغب فيه بشكل واضح وملموس .
والحكمة التبليغية من زواج الرسول بأكثر من زوجة وهو ان الزوجة ألصق الناس بزوجها وأعلمهن بحالة وأجرؤهم على سؤاله والزوج أيضا ابوح لزوجته واكثر مصارحة لها فى أمور كثيرة خاصة فيما يستحيا عادة من ذكره فكان من الحكمة البالغة أن تتعدد زوجات النبى لينقلن العام والخاص من اقواله واحواله وافعاله التشريعية، ويسألنه عما لايجرؤ غيرهن على أن يسأله عنه، ثم يبلغن ذلك للأمه.
والحكمة الإجتماعية وبيان ذلك أن زواجه بأكثر من أربعة اتاح الفرصة لتوثيق صلته (ص) ببطون قريش مما جعل القلوب تلتف وتتآلف حول رسالته وحكمة اظهار كمال خلقة كما وصفه ربه جل وعلا حيث قال فى شأنه " وانك لعلى خلق عظيم " فاستطاع بإدارته الناجحة وبالغ حكمته(ص) أن يعطى كل واحدة منهن حقها ويعاملها حسب مايليق بها وتحقيق كمال العدل بينهن.
كما أن رسول الله اشترك فى حوالى من تسعة عشرة معركة وغزوة الى اكثر من خمسة وعشرون لتوطيد أركان الدولة الإسلامية الجديدة وتوحيد كلمة الله العليا تحت رآيتها القوية وذلك حين امر الله المسلمين بالقتال فقال فى كتابه " أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وأن الله على نصرهم لقدير الذين اخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوى عزيز " .
فكان رسول الله لايكاد يستريح من عناء الجهاد وتأليف قلوب المسلمين وإرساء بناء اللبنة الأولى لدولة الأسلام حتى تظل راية الحق هى العليا، فكان معظم وقت رسول الله لتعليم المسلمين دينهم بالمسجد او لتفقد احوالهم ومخاطبة الملوك والأمراء بالدول المختلفة لإعلان دين الله أو صد أي عدوان على حدود دولة الإسلام، فلم يسترح رسول الله من عناء نشر الدعوة بالسلم والحرب لمن أراد الأعتداء وقليل من الوقت لأهل البيت من النساء والأولاد.
ولقد نصح رسول الله الشباب بزواج الفتيات الأبكار وذلك مما قاله لجابر بن عبد الله " هلا تزوجت بكرا تلاعبها وتلاعبك"- وحكمة تعدد الزوجات فى الإسلام . قال تعالى" وإن خفتم ألا تقسطوا فى اليتامى فانكحوا ماطاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة او ماملكت أيمانكم ذلك أدنى ألا تعولوا" فالأصل ان من لم يستطع أن يعدل بين زوجاته فعليه بالزواج بواحدة حتى لايحاسب أمام الله .
ومن حكمة تعدد الزوجات بشكل عام أن اعداد النساء يفوق اعداد الرجال فى المجتمعات بشكل عام والزواج حصن للمرأة والرجل فهو ضرورة يفرضها الواقع .
وهذا تشريع الله حتى فى الأديان التي سبقت الإسلام كاليهودية والمسيحية، ولكن بعض التشريعات لاتتقبلها الأنفس مثل رضا المرأة بزواج زوجها من أخرى ولابد من ان نطيع تشريع الله وليس مانريدة نحن وهناك دائما حكمة فى التشريع . وأخيرا لابد أن نعلم أن أمهات المؤمنيين من زوجات رسول الله . كما قال فيهم ربنا فى سورة الأحزاب " يانساء النبى لستن كأحد من النساء أن اتقيتن فلا تخضعن بالقول فيطمع الذى فى قلبه مرض وقلن قولا معروفا " ويقصد بها كما فسرها ابن كثير أن نساء النبى لايشبههن أحد من النساء، فى الفضيلة والمنزلة وكمال الصورة وكمال السمات الشخصية والأنساب، فهن هدية الله لرسوله الحبيب المحبوب سيد الخلق عليه الصلاة والسلام، واستسمحك عذرا ابا الحسنيين سيدى وحبيبى رسول الله فليس دفاعا عنك فليس بمثلى يدافع عن سيد الكونين ( من الأنس والجن ).