بقلم الحاج بن معمر
مثلت الدور المتخصصة في تحفيظ القرآن الكريم (الكتاتيب) دورا متميزا في تكوين الخلفية القرآنية الإسلامية في عقول كثير من أبناء المجتمع في الدول الإسلامية لفترة من الزمان ليست بالقصيرة , وكانت تلك الكتاتيب قد انتشرت في كثير من ربوع دولة الإسلام من جنوب شرق أسيا عبر أندونيسيا وماليزيا ومملكة فطاني – سابقا – وغيرها مرورا بباكستان وأفغانستان ودول شمال آسيا.. إلى أقصى الغرب الإسلامي في المغرب وموريتانيا.. ثم الجنوب في جنوب السودان الصومال ووسط أفريقيا.. وغيرها.
ولقد وجهت كثير من المخططات الخبيثة المنظمة للقضاء على الآثار الإيجابية لتلك الكتاتيب في العالم الإسلامي..حتى أصبحت مؤسسة (الكتّاب) – تلك المؤسسة الصغيرة العتيدة – مهددة بالانهيار التام بل والانقراض..ونحن في السطور التالية نحاول معا إلقاء نظرة عابرة على تلك الكتاتيب ودورها وكيف ينظر إليها..
من خلال (الكتاتيب المصرية نموذجا)…
فعشرات من الأناشيد والأغاني والأشعار والحكايات الأخرى قد احتلت مساحة كبيرة من عقول الأطفال الناشئة وذلك على حساب حفظ القرآن الكريم في تلك المرحلة العمرية الهامة والحيوية والتي تستوعب حفظ ملايين من الكلمات.
وقد نجد أطفالا قد أتموا حفظ أجزاء كبيرة من القرآن الكريم قبل دخول المدرسة وخصوصا في الكتاتيب , ويعرف الجميع دور الكتاب أو مكتب تحفيظ القرآن الكريم على مستوى القرى والأحياء الشعبية في حفظ القرآن ونشره في بلادنا على امتداد القرون الطويلة.
كما يعرف عن حكام مصر السابقين أمر اهتمامهم بالكتاتيب، وأبرزهم صلاح الدين الأيوبي، الذي أخذ على عاتقه إصلاح شأن الكتاتيب والاهتمام بها على مدى عشرين عاما قبيل انتصاراته التاريخية الباهرة على الصليبيين وتحرير بيت المقدس. ومن هنا كانت أولى خطواته تجفيف منابع التدين، حسب المخططات الحديثة لمحاربة الإسلام، مطاردة تلك الكتاتيب وإغلاقها وإضعاف دورها وإهمالها وقطع المعونات المادية عنها وصرف التلاميذ والأطفال بعيداً عنها وعدم العناية بالمحفظين.
وتأتي تلك الضربات من عدة نواحي أبرزها من خلال الغزو الثقافي التغريبي الذي اجتاح البلدان العربية والإسلامية منذ منتصف القرن الماضي والذي سخر الأدب ووسائل الإعلام للنيل من صورة الشيخ محفظ القرآن الكريم وتصويره في القصص والروايات وكذلك في الأفلام والمسلسلات بشكل هزلي كأنه إنسان بشع يتلذذ بضرب الأطفال ويتناول طعامهم وخارج عن السياق الاجتماعي والأخلاقي.
وجاءت قصة الأيام لطه حسين والتي كانت مقررة وما زالت على مختلف مراحل التعليم الإعدادي والثانوي في البداية لترسيخ هذه الصورة، وقد تحولت لعمل درامي أخذ أشكالاً مختلفة ووضع صورة نمطية (لسيدنا الشيخ “المحفظ” ومساعده “العريف”) وتلا ذلك سيل من الأعمال الأدبية والإعلامية التي سارت على نفس هذا المنهج المنفر من محفظ القرآن ومدرس الدين..
أما بقية الخطة المنظمة لتجفيف منابع الدين وحصار دور الكتاتيب فقد جاءت على عدة محاور أهمها التضييق على المحفظين وإغلاق الأبواب في وجوههم بدلاً من مساعدتهم والاهتمام بشأنهم.
إن هؤلاء المحفظين يعتمدون في معيشتهم على بعض العطايا المتواضعة من أسر الأطفال فقط ولا يستطيعون ممارسة التجارة أو الزراعة أو العمل خارج البلاد، ومن ثم ظلت أحوالهم الاقتصادية متواضعة، حتى أن وزارة الأوقاف كانت قد أقرت لهم مكافآت رمزية لبعض الوقت لكن سرعان ما توقف هذا الدعم المتواضع وقد أدى هذا تباعا إلا أن أبنية الكتاتيب صارت في معظمها قديمة وغير مؤهلة على المستوى الإنشائي والصحي لاستيعاب أعداد كبيرة من الأطفال، وخصوصا أبناء الطبقة المتوسطة وأبناء المتعلمين الذين يطمحون في إلحاق أبنائهم بدور تحفيظ متطورة، ومن ثم لا يجدون بغيتهم في الكتاتيب فيلحقون صغارهم قبل سن المدرسة الابتدائية بدور الحضانات التي بدأت تنتشر في الريف على حساب الكتاتيب وتجد تشجيعا مشبوها من بعض المؤسسات العلمانية.
إن هذه المؤسسات العلمانية وضعت ضمن أهدافها وأولوياتها تشجيع وإقامة دور الحضانات في الريف وتزويدها بالمناهج المختلفة التي تعج بالغث من المواد، ورغم أن هناك العديد من المحاولات التي يقوم بها بعض العلماء وأهل الخير للاهتمام بالكتاتيب من خلال الجمعيات الأهلية التي تساهم في مساعدة المحفظين ببعض الأموال أو تقديم المعونات للنهوض بالأبنية القديمة إلا أنها في النهاية جهود فردية يتم حصارها في كثير من الأحيان.
وتأتي أهمية الكتاتيب دون غيرها من المؤسسات التعليمية الأخرى كونها قائمة على تحفيظ القرآن الكريم بشكل جماعي يساعد على سرعة الحفظ والاستيعاب ويؤكد علماء التربية أن حفظ القرآن في المرحلة العمرية الصغيرة يظل ثابتا في الذاكرة ويقوّم منذ البداية اللسان العربي ويقوي مخارج الحروف.
أما شغل الطفل بحكايات كثيرة وأناشيد وأغاني أو حتى لغة أجنبية أخرى كما يحدث الآن فيؤدي إلى تشتيت الطفل وإحداث خلل في منظومته العلمية والثقافية، ولذا كان للكتاتيب دور حيوي وهام في التواصل مع الأزهر الشريف وإمداده بالأطفال الحافظين وتخريج علماء ودعاه وفقهاء نشروا العلوم الشرعية وأسسوا الجامعات الإسلامية في مختلف البلدان العربية والإسلامية.
مدرسة القرآن ومعلمة الأجيال:
يقول د. سيد محروس المدرس بجامعة الأزهر: الكتاتيب (جمع كتاب بضم الكاف وتشديد التاء) هي مدرسة القرآن ومعلمة الأجيال، كانت ولا تزال من أخطر وأهم المؤسسات التعليمية التي عنيت بتعليم وتحفيظ القرآن الكريم عبر أجيال متوالية، حافظت على اللغة العربية واستقامة اللسان العربي، وكانت بمثابة الدروع التي حافظت على تراث الأمة في مواجهة مدارس الإرساليات التي غزت عالمنا العربي منذ بدايات القرن التاسع عشر.
ويشير د. سيد محروس إلى أن عدد الكتاتيب في مصر تجاوز الثلاثين ألف في القرى والكفور حيث يوجد في كل قرية ما بين 6 – 8 داراً لتحفيظ القرآن الكريم ويوجد في مصر حوالي 2400 قرية بخلاف كتاتيب النجوع والكفور، هذا إلى جانب الكتاتيب الموجودة في الزوايا والمساجد الصغيرة في معظم الأحياء الشعبية بالمدن وقد نشطت مدارس الإرساليات في بداية القرن التاسع عشر، إلا أنه ومع تنامي الصحوة الإسلامية اشتد الاهتمام العام بدور تحفيظ القرآن التي تطورت في الآونة الأخيرة من ناحية الشكل والبناء.
ومع تنامي وانتشار المدارس الأزهرية اهتم العامة والطبقات المتوسطة بإرسال أطفالهم إلى الكتاتيب للهروب أولاً من المدارس الخاصة وتكاليفها إلى جانب الحرص على التعليم الديني وخاصة للفتيات حيث تم افتتاح معاهد أزهرية خاصة بهن بجانب معاهد البنين القديمة…
وفي تطور آخر تبدي وزارة الأوقاف وشئون الأزهر رعاية لمحفظي القرآن الكريم من خلال منحهم مكافآت ودورات تدريبية.
أداة للإشعاع المعرفي:
يقول د. محمد يحيى (المفكر الإسلامي): كانت الكتاتيب وما زالت الأداة التعليمية الرئيسية التي ينتقل بها العلم الديني وبالذات القرآن الكريم من جيل إلى جيل كما كانت الأداة التي تشع منها قاعدة التنوير الديني وحفظ القرآن ونشره، وهي كذلك الأداة التي توجد قاعدة من المتعلمين الذين يستطيعون بعد ذلك بسهولة تعميق دراستهم الدينية وإتقان شتى فروع العلوم الإسلامية، كما أن الكتاتيب هي النظام التعليمي المناسب والملائم لاحتياجات المجتمع المتنوعة بحيث كانت تندمج بشكل طبيعي في نشاطات وحياة المجتمع الصغير اليومية، سواء في القرية أو في الحضر كما كانت الكتاتيب نظامًا تعليميًا مجانيًا لا يكلف المجتمع أية أعباء للدراسة فوق أنها تستمد تكاليفها المادية إما من نظام الأوقاف أو من التبرعات البسيطة والجهود التطوعية للمجتمع.
هذه الكتاتيب هي النظام التعليمي الأمثل من عدة نواحي، على الأقل من ناحية التعليم الأساسي والأولى، ولا يعني هذا أن فائدة الكتاتيب قد انعدمت في الزمن الحاضر، ذلك لأنها وبالذات من ناحية تعليم وتحفيظ القرآن والأحاديث النبوية والقراءة والكتابة والقيم الاجتماعية والدينية الأساسية، فهي منظومة ضرورية في حياة المجتمع المعاصر ولا يمكن القول مثلاً أن نظام رياض الأطفال أو السنوات الأولى من التعليم الأساسي يمكن أن تحل محل الكتاتيب لأن هذه الأنظمة الحديثة لا تتمتع بنظام الكتاتيب في التعليم المباشر وفي إتقان الجوانب الدينية.
ويشير د. محمد يحيى إلى أن الكتاتيب موجودة في مصر منذ أكثر من خمسة قرون وتنامت وتطورت مع الأزهر الشريف ومعظم علماء الأزهر البارزين والعلماء في شتى العلوم الشرعية المختلفة وحتى الذين برزوا في الآونة الأخيرة في مجالات الطب والفلك والهندسة بدءوا حياتهم التعليمية من الكتاتيب.
نشأة قرآنية:
ويقول الدكتور: أحمد إبراهيم مدرس أصول الدين بجامعة الأزهر وصاحب كُتّاب بمحافظة الغربية: نشأت بين أقراني الصغار والبيت كان بالطوب اللبن… معظم أطفال القرية يأتون في الصباح الباكر… يرددون آيات القرآن الكريم وأنا معهم… أشقائي الكبار يساعدون أبي في تحفيظ الصغار وأبي يعاملني بشدة إن لم أجتهد في حفظ القرآن الكريم مثل بقية الأولاد… شقيقاتي البنات أتممن حفظ القرآن وتزوجن… وشقيقي الأكبر تخرج في الأزهر ثم بعد وفاة والدي تولى هو إدارة الكُتّاب الذي تغير عن ذي قبل فصار بالطوب الأحمر والأسمنت وصارت هناك حمامات أكثر تطورًا ومياه نقيه ونظيفة من الصنبور… والحمد لله بركة القرآن تملأ علينا أرجاء البيت وفتح الله علينا جميعاً وتغيرت أحوالنا الدنيوية والدينية إلى الأفضل.
ويقول المستشار محمود سالم: الكُتّاب هو مدرستي الأولى وسبيلي لحفظ القرآن الكريم وإتقان اللغة العربية… عندما أتممت حفظه مباشرة التحقت بالمعهد الأزهري بعدما أجرى لي امتحانًا فيما حفظته… فدخول الأزهر في الماضي القريب لم يكن مرتبطًا بعمر الطلاب وإنما بمدى حفظه أجزاء من القرآن الكريم.
التحقت بكلية الشريعة والقانون بعد ذلك ثم عملت في سلك القضاء… ولم أنس مطلقًا سيدنا (محفظ القرآن الكريم)… ورغم أنني الآن أسكن في المدينة إلا أنني حريص جداً على أن يتعلم أولادي ويحفظوا القرآن الكريم في كُتّاب القرية وقد حرصت على إحضارهم في الأجازة الصيفية، وقبل الالتحاق بالمدرسة يأتون للتعلم في الكُتّاب.
وتقول الدكتورة منى طايل: لقد نشأت في القرية وحينما تعلمت نطق الحروف بعثني أبي فورًا مع أشقائي إلى الكُتّاب وهكذا كل صغار القرية يذهبون إلى الكتاتيب منذ الصغر وحتى بلوغ سن المدرسة 6سنوات، نكتب على لوح من الخشب.. وهذا اللوح يعطينا مهارة كبيرة في ضبط الخط، وحتى عندما دخلت المدرسة كان لزامًا عليّ في الصباح الباكر أن أمر على الكُتّاب أقرأ على سيدنا ما حفظته.. ثم بعد عودتي من المدرسة وتناولي للغداء أذهب إلى الكُتّاب، أكتب الجديد الذي حفظته على اللوح الخشبي وأقرأه على الشيخ ثم أحفظه عند عودتي للبيت وهكذا معظم زميلاتي وزملائي في المدرسة، ومن يواظب على الذهاب للكُتّاب لا بد أن يكون متفوقًا في اللغة العربية ويتمتع بخط جيد، وكنا ونحن صغار ندرك ذلك جيدًا… والذهاب للكُتّاب كان شيئاً مقدما أهم عند أبي وأمي عن أي شيء، وفي مواسم الحصاد كان الشيخ يأخذ حصته من القمح والأرز ويسعد كثيرًا بهذا العطاء… والحمد لله بفضل الكُتّاب وحرصنا عليه منذ الصغر تخرجت أنا وأشقائي من كليات القمة.
أحمد لاشين صاحب دار لتحفيظ القرآن بإحدى قرى محافظة الجيزة يقول: أبي كان عالمًا أزهريًا ومسؤولاً عن أهم كتاتيب القرية وتخرج على يديه العديد من العلماء في شتى التخصصات العلمية والشرعية وقد كان حريصاً على الالتزام بأصول وقواعد التجويد مع التحفيظ، وقد حرصت بعد وفاته على أن نستمر في أداء هذه الرسالة وبرغم عملي كمهندس إلا أن معظم وقتي أقضيه بين هؤلاء الصغار الذين أحسن بمسئولية تجاههم.
معاهد متخصصة في تحفيظ القرآن الكريم:
د. محمد داود عميد معهد القرآن بمنطقة العمرانية بالقاهرة يقول: بخلاف جامعة الأزهر يوجد العديد من المعاهد المهتمة بالدعوة والقرآن، ومعهد علوم القرآن بالعمرانية متفرد في رسالته الخاصة بتعليم القرآن وعلومه ويوجد به مجموعة من علماء الأزهر الذين يقومون بتحفيظ الفتيان والفتيات، ولنا الآن معهدان تابعان ومتماثلان معنا، وهما معهد القرآن بدقادوس (قرية الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله) ومعهد القرآن بقرية هردون بمحافظة المنوفية… والمعهد يقبل الطلاب الحاصلين على الشهادات المتوسطة وخريجي الجامعات ومدة الدراسة به أربع سنوات وهو معتمد من الأزهر الشريف، ويوجد به فصول خاصة بالنساء وأخرى بالرجال، وفي الإجازة الصيفية نقوم بتحفيظ الأطفال الصغار، ولدينا أكبر مكتبة إسلامية على مستوى الشرق الأوسط، كما أن القائمين على التحفيظ لديهم مهارة علمية ولا يقومون بهذه المسئولية إلا بعد إجازتهم للحفظ والتدريس من قبل علماء القرآن، أما المعاهد الأخرى التابعة للجمعية الشرعية أو لوزارة الأوقاف فهي لإعداد الدعاة والداعيات وتهتم بتدريس العديد من العلوم الشرعية والتاريخ والسيرة والفقه بجانب القرآن وقد زاد عددها في الآونة الأخيرة.
كلية القرآن الكريم:
د. جودة المهدي عميد كلية القرآن الكريم يقول: كلية القرآن هي الوحيدة في جامعة الأزهر، وتشمل الدراسة بها أربع سنوات… نركز على علوم القرآن والقراءات.. خاصة بعدما شاع التحريف واللحن لدى بعض المقرئين… وهذه الكلية تستقبل خريجي المدارس أو الجامعات الأزهرية… وعنايتنا بالقراءات من خلال المناهج العلمية تختلف عن ذي قبل عندما كانت القراءات يتم تعليمها في إطار حر ومن خلال علماء وتلاميذ يتوارثون تلك القراءات مثل حفص عن عاصم وورش عن نافع، وكذلك مع انتشار المقرئين في وسائل الإعلام وبين الجمهور…
وكان لا بد من تلك الكلية لكي ننهض بضبط القراءات وتعليم أصول التجويد والترتيل هذا إلى جانب علوم القرآن وبعض العلوم الشرعية الأخرى.
بركة القرآن:
الشيخ محمود فتح الله… شيخ أحد الكتاتيب بمحافظة الغربية يقول: لدى سبع بنات علمتهن وحفظن جميعًا القرآن الكريم كاملاً… يساعدنني الآن في تحفيظ الصغار… منهن من تزوجن والباقيات معي في البيت… زوج ابنتي هو العريف (مساعد الشيخ) ورغم أنني جاوزت السبعين عامًا إلا أنني دائمًا أحس ببركة القرآن التي أصبغت على صحة وعافية فلم أذهب حتى الآن إلى الطبيب إلا نادرًا… كنت أحفّظ الأولاد في الماضي نظير حبوب الأرز والقمح… ومن ليس لديه مقدرة على عطاء أقوم بتحفيظه مجانًا… والحمد لله الآن تقوم وزارة الأوقاف برعايتنا من خلال دورات تدريبية يتم من خلالها مراجعة وضبط أصول القراءة تحت رعاية علماء الأزهر كما تمنحنا مكافآت رمزية.
أسهل الطرق لتحفيظ القرآن:
د. تيسير راشد (الأستاذ بكلية رياض الأطفال) يقول: قدرة الطفل على الحفظ في مرحلة الطفولة المبكرة تكون عالية جدًا ولا بد من استغلال هذه القدرة في حفظ آيات القرآن الكريم بدلاً من حفظ أشياء وحكايات لا معنى لها… وحفظ القرآن الكريم يقوّم لسان الطفل ويقوي مخارج الألفاظ عنده وهناك أطفال يحفظون القرآن كاملاً في سن 6 سنوات وكلما كان الحفظ في سن صغيرة كلما كان أكثر ثباتًا واستمرارية في ذاكرة الطفل… والحفظ بالتكرار وفي الجو الجماعي يسهل على الطفل ويزيد من قدرته واستيعابه لآيات الذكر الحكيم.
وفي دراسة هامة للدكتور عبد الباسط متولي (أستاذ الصحة النفسية بكلية التربية جامعة الزقازيق) حول أثر تعلم القرآن والفقه على مستوى النمو اللغوي للطفل… يقول: للبيئة الثقافية للفرد دور أساسي في خلق جو من التفاعل اللغوي والإيجابي من خلال إتاحة الفرص المناسبة لتعلم اللغة وممارستها على النحو الذي يناسب مستوى نضج الطفل ويساعده على النمو العقلي والانفعالي ويتشكل ذلك المناخ الثقافي الفعال من قدرة الأسرة على التفاعل اللغوي المثمر وتوجيه الطفل إلى هذا التفاعل كإلحاقه بجمعيات تحفيظ القرآن (الكتاتيب) التي تعد الطفل ليكون ذاكرًا لأكبر تراث لغوي، ومحافظًا على ذاته من خلال ذلك التذكر الواعي لآياته حيث يقول الحق تبارك وتعالى: “قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ” (يونس: من الآية57)، ويقول: “وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآناً أَعْجَمِيّاً لَقَالُوا لَوْلا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدىً وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمىً أُولَئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ” (فصلت:44) ومن أفضل أنعم الله على أمة محمد- صلى الله عليه وسلم- أن جعل دستورها قرآنًا عربيًا غير ذي عوج من تعلمه وعمل به فقد فاز في الدنيا والآخرة ومن تركه خلف ظهره فقد خسر خسرانًا مبينًا.