350

0

كيف استخدمت إيران الكاميرات لإختراق أمن إسرائيل؟

عين طهران داخل تل أبيب... كاميرات إيرانية توجه صواريخ إلى قلب إسرائيل

 

بقلم: ضياء الدين سعداوي

 

 

في مشهد غير مسبوق من الحروب الهجينة المعاصرة، سجلت إيران نقطة تحول إستراتيجية لافتة في سجل المواجهة المفتوحة مع إسرائيل، وذلك حينما مزجت بين إختراقاتها السيبرانية الدقيقة وقدراتها الصاروخية الباليستية المدمرة، موجّهة ضربات مركزة إلى أهداف داخل العمق الإسرائيلي، استندت فيها إلى معلومات إستخبارية تم جمعها عبر كاميرات مراقبة إخترقتها طهران عن بعد.

في تفاصيل جديدة كشفتها وكالة "بلومبيرغ" الأميركية، تبيّن أن عناصر تابعة لإيران تمكّنت من السيطرة على عدد من كاميرات المراقبة المدنية داخل إسرائيل، معظمها من النوع المتصل بالإنترنت وذات حماية ضعيفة، واستُخدمت هذه الكاميرات ليس فقط لتوثيق الحركة ومراقبة قوات الأمن، بل لبناء صورة إستخباراتية شاملة لمواقع عسكرية واستراتيجية إسرائيلية، من دون الحاجة إلى التسلل الفعلي أو الإعتماد على الجواسيس الكلاسيكيين.

هذا الإختراق الصامت والطويل الأمد، والذي يشبه في دقته تسلّل "الدودة الإلكترونية" الشهيرة ستاكس نت، منح طهران ما يشبه العين الإصطناعية داخل منظومة العدو، مكنها لاحقاً من تحديد إحداثيات دقيقة لضربات صاروخية، وُصفت بأنها الأشد دقة في تاريخ المواجهات بين الطرفين.

 

إستهداف العمق التكنولوجي والأمني الإسرائيلي

 

الهجوم الذي شنّته القوات المسلحة الإيرانية مؤخرًا لم يكن عشوائيًا، بل تميز بتركيز غير مسبوق على مراكز سيبرانية و استخباراتية حساسة ، ففي تل أبيب كانت أبرز الأهداف "مبنى القيادة والإستخبارات التابع لجيش الاحتلال الإسرائيلي"، والموجود داخل مجمع "غاف يام التكنولوجي"، بجوار مستشفى سوروكا ، هذا التمويه المدني للموقع لم يمنع الصاروخ الإيراني من إصابته بدقة.

لكن الإستهداف الأبرز و الأكثر رمزية، جاءت جنوبًا، في قلب مدينة بئر السبع، داخل منطقة CyberSpark، المعروفة بكونها أحد أهم معاقل الأمن السيبراني في "إسرائيل"، حيث تتقاطع مصالح الجيش مع شركات تكنولوجية عالمية مثل IBM، مايكروسوفت و شركات إسرائيلية ناشئة تعمل على تطوير قدرات إلكترونية هجومية و دفاعية.

 

Gav-Yam 4* *المبنى الذي كشفته النيران

 

وفقًا للصور المنشورة، فإن مبنى "Gav-Yam 4"، الواقع داخل منطقة CyberSpark، هو الذي طاله القصف بشكل مباشر، وتحوّل إلى كتلة من النيران والركام، و وفقًا للمصادر، فإن هذا المبنى يضم مساكن أو مكاتب لضباط الجيش المتخصصين في الأمن السيبراني، إضافة إلى عناصر إستخباراتية تشرف على برامج التجسس بإستخدام طائرات مسيّرة وتقنيات الذكاء الإصطناعي.

ورغم التعتيم الرسمي الإسرائيلي، فإن حجم الأضرار، وانتشار النيران، وتبادل الرسائل الغاضبة داخل الصحافة العبرية، يكشف بوضوح أن الصاروخ أصاب أحد المفاصل الحساسة في بنية الأمن التكنولوجي الإسرائيلي.

 

الدفاعات الجوية تفشل مجددًا

 

الهجوم الإيراني لم يكن فقط تقنيًا في الإعداد، بل أيضًا في التنفيذ، حيث اعتمدت طهران على صواريخ باليستية بعيدة المدى، أُطلقت من داخل الأراضي الإيرانية، واخترقت المجال الجوي الإسرائيلي دون أن تتمكن أنظمة الدفاع الجوي – بما فيها "القبة الحديدية" و"مقلاع داوود" – من إعتراضها.

ويؤكد هذا الفشل ما كشفته الهجمات الإيرانية السابقة، بأن المنظومات الإسرائيلية الدفاعية لم تعد قادرة على حماية المراكز الحساسة في ظل تعدد الجبهات، و تشظي التهديدات بين صواريخ، ومسيرات، و هاكرز سيبرانيين.

 

 من الجواسيس إلى الكاميرات الذكية...حرب العقول

 

الهجوم يكشف عن نقلة نوعية في المفهوم الإستخبراتي التقليدي، حيث لم يعد التجسس يعتمد على الأشخاص المتخفّين في قلب العدو، بل على قدرة الذكاء الإصطناعي والهجمات السيبرانية على تحويل أبسط الكاميرات في الشوارع إلى أدوات رصد وتحليل واستهداف.

لقد قامت إيران وفق المعلومات، بتجميع لقطات ومشاهد على مدى شهور، مستفيدة من ثغرات في أنظمة الحماية الإسرائيلية على الإنترنت، وتمكنت من رسم خرائط ثلاثية الأبعاد لمراكز أمنية وإلكترونية، استخدمتها لاحقًا لتوجيه صواريخها إلى قلب هذه المراكز.

هذه السابقة الإستخباراتية – العسكرية تُعيد تعريف طبيعة الحرب المقبلة، وتؤكد أن الحرب لم تعد تُخاض فقط بالصواريخ والطائرات، بل بالبيانات والمعطيات والتقنيات الذكية.

 

إسرائيل في مأزق الرد

 

في الوقت الذي لم تصدر فيه "إسرائيل" تعليقًا رسميًا مفصّلاً حول تفاصيل الهجوم، يزداد القلق داخل المؤسسة العسكرية من تحوّل إيران إلى لاعب متفوق في جمع البيانات الاستراتيجية من قلب الأراضي المحتلة.

فهل تستطيع إسرائيل الرد على هذا النوع من الهجمات الذكية؟ وهل تمتلك القدرة على سد ثغراتها التقنية, خاصة وأن عدداً كبيراً من بنيتها التحتية التكنولوجية يعتمد على شركات خاصة وشبكات مدنية هشّة؟

 

في زمن الحرب الهجينة، يبدو أن إيران أتقنت الجمع بين أدوات الفضاء السيبراني وفعالية النيران الأرضية. لم تعد الحرب تقليدية، ولم تعد إسرائيل محصّنة كما كانت تدّعي، فكل كاميرا متصلة بالإنترنت قد تتحوّل إلى عين معادية، وكل شبكة بيانات مفتوحة قد تكون جسراً لصاروخ بعيد المدى.

إنها حرب القرن الواحد والعشرين، وقد بدأت تتشكّل على الأرض… وفي الفضاء الرقمي.

شارك رأيك

التعليقات

لا تعليقات حتى الآن.

رأيك يهمنا. شارك أفكارك معنا.

barakanews

اقرأ المقالات البارزة من بريدك الإلكتروني مباشرةً


للتواصل معنا:


حقوق النشر 2025.جميع الحقوق محفوظة لصحيفة بركة نيوز.

تصميم وتطويرForTera Services

barakanews

اقرأ المقالات البارزة من بريدك الإلكتروني مباشرةً


للتواصل معنا:


حقوق النشر 2025.جميع الحقوق محفوظة لصحيفة بركة نيوز.

تصميم وتطويرForTera Services