21
0
قصر المنيعة… حين يتحول التراث إلى مشروع وطني للهوية والتنمية
الطبعة الثانية لمهرجان القصر القديم: صون الذاكرة الجماعية خيار استراتيجي لبناء الإنسان

لم تعد التظاهرات الثقافية في الجزائر مجرد مناسبات فولكلورية عابرة، بل أصبحت، في كثير من التجارب المحلية، أدوات واعية لإعادة بناء العلاقة بين المجتمع وتاريخه. وفي هذا السياق، جاءت الطبعة الثانية من المهرجان الثقافي المحلي لقصر المنيعة القديم لتكرّس هذا التحول، مقدمة نموذجًا لكيف يمكن للتراث أن يكون رافعة للهوية، ومحفّزًا للتنمية، وجسرًا بين الذاكرة والمستقبل.
لحسن الهوصاوي
احتضنت ولاية المنيعة، مساء أمس الخميس ، فعاليات هذا الموعد الثقافي تحت شعار «تراثي هويتي»، في دلالة واضحة على الوعي المتزايد بأن حماية الموروث المادي واللامادي لم تعد ترفًا ثقافيًا، بل مسؤولية جماعية تتقاسمها الدولة والمجتمع. حضور والي الولاية، إلى جانب السلطات المدنية والعسكرية، والمنتخبين، وممثلي الأسرة الثورية والإعلامية، منح الحدث بعدًا رسميًا يؤكد إدراجه ضمن الرهانات الثقافية ذات البعد الوطني

إشارة انطلاق المهرجان، التي أعطاها ممثل وزيرة الثقافة والفنون، عز الدين عنطري، مدير المتحف الوطني العمومي للآثار الإسلامية، حملت رسالة واضحة مفادها أن القطاع الثقافي يعوّل على المبادرات المحلية الجادة، خاصة في مناطق الجنوب، لتحويل التراث إلى عنصر إشعاع ثقافي وسياحي، وإلى دعامة من دعائم التنمية المستدامة.

برنامج المهرجان، الممتد على أربعة أيام، لم يكتف بعرض الذاكرة، بل سعى إلى تفعيلها. منافسات رياضية، معارض تراثية، سهرات فنية، وأمسيات شعرية، صاغت فضاءً تفاعليًا جعل من القصر القديم مسرحًا حيًا يلتقي فيه الماضي بالحاضر. اللوحات الفنية التي قدمتها الجمعيات الفولكلورية، والمؤسسات التربوية، والكشافة الإسلامية الجزائرية، عكست قدرة المجتمع المحلي على إعادة تقديم تراثه بروح معاصرة دون التفريط في أصالته.

وفي بعده التحليلي، يبرز المهرجان كجزء من رؤية أوسع تسعى إلى إعادة الاعتبار للمعالم التاريخية بوصفها فضاءات للإبداع والتلاقي، لا مجرد شواهد صامتة. هذا ما أكده مدير الثقافة والفنون ومحافظ المهرجان، العابد ياسين، الذي شدد على أن التظاهرة مشروع ثقافي متكامل، يهدف إلى تثبيت القصر القديم في الذاكرة الوطنية، وإشراك الشباب والجمعيات في مسار الحفظ والتوثيق.

نجاح المهرجان لم يكن وليد الصدفة، بل نتيجة تنظيم مسبق ومحكم قادته مديرية الثقافة والفنون لولاية المنيعة، بمختلف فروعها، بما فيها مكتبات المطالعة العمومية، في تنسيق يعكس احترافية الطاقم المشرف وقدرته على إدارة حدث متعدد الأبعاد.
وعلى مستوى التأطير الميداني، وفّر المخطط الأمني متعدد الأسلاك، بمشاركة الأمن الوطني والدرك والحماية المدنية، بيئة آمنة ومنضبطة سمحت للجمهور بمتابعة الفعاليات في أجواء سلسة. كما ساهمت التغطية الإعلامية الواسعة، مدعومة بزخم منصات التواصل الاجتماعي، في توسيع صدى الحدث ومنحه إشعاعًا يتجاوز حدوده الجغرافية.
بين عبق التاريخ وحيوية الحاضر، يثبت مهرجان قصر المنيعة القديم أن التراث ليس مخزونًا جامدًا، بل رأسمال رمزي يمكن استثماره لبناء الوعي، وتعزيز الانتماء، وصناعة صورة ثقافية تعكس عمق الجزائر وتنوّعها. تجربة تؤكد أن حماية الذاكرة الجماعية ليست شأنًا ثقافيًا فحسب، بل خيارًا وطنيًا بامتياز.

وفي كلمة له بالمناسبة، أكد والي ولاية المنيعة، بن مالك مختار، أن تنظيم الطبعة الثانية لمهرجان قصر المنيعة القديم يندرج في إطار التوجه الوطني الرامي إلى تثمين التراث الثقافي المادي واللامادي، باعتباره أحد أعمدة بناء الهوية الوطنية وتعزيز التماسك الاجتماعي. وأبرز أن القصر القديم ليس مجرد معلم تاريخي، بل فضاء حيّ يحمل ذاكرة جماعية يجب حمايتها وتثمينها وإدماجها في مسار التنمية المحلية، مشددًا على أهمية إشراك الشباب والمجتمع المدني في جهود الحفظ والترويج، بما يجعل من الثقافة رافعة حقيقية للتنمية المستدامة.
.jpg)
ومن جهته، شدّد مدير مديرية الثقافة والفنون لولاية المنيعة، ومحافظ المهرجان، العابد ياسين، على أن هذه التظاهرة الثقافية تتجاوز بعدها الاحتفالي إلى كونها مشروعًا ثقافيًا طويل المدى، يهدف إلى إعادة الاعتبار لقصر المنيعة القديم كمَعْلم تاريخي ورمز للذاكرة الجماعية للمنطقة. وأوضح أن الطبعة الثانية عرفت توسعًا نوعيًا في البرنامج وفي مشاركة الفاعلين الثقافيين والجمعيات والشباب، نتيجة تحضير مسبق ومنسق من طرف مصالح المديرية وفروعها، وعلى رأسها مكتبات المطالعة العمومية، بما يعكس إرادة حقيقية لترسيخ الثقافة كفضاء للإبداع والمواطنة.

أما ممثل وزيرة الثقافة والفنون، مدير المتحف الوطني العمومي للآثار الإسلامية، عز الدين عنطري، فقد أكد في كلمته التزام وزارة الثقافة والفنون بمرافقة ودعم المبادرات الثقافية المحلية الجادة، لاسيما تلك التي تُعنى بحماية التراث وتثمينه في مناطق الجنوب.

واعتبر أن الحفاظ على التراث لا ينفصل عن تعزيز الانتماء الوطني، ولا عن دعم المسارات الثقافية التنموية، مشيرًا إلى أن مثل هذه المهرجانات تشكّل حلقة وصل بين الأجيال، وتسهم في إبراز التنوع الثقافي الذي تزخر به الجزائر.

