2

0

خطاب تاريخي للرئيس تبون أمام البرلمان: استعراض للإنجازات وتحديد للتحديات مع تأكيد على مواقف الجزائر الثابتة

بقلم : ضياء الدين سعداوي

جاء خطاب رئيس الجمهورية،  عبد المجيد تبون، أمام البرلمان بغرفتيه، كأحد أكثر الخطابات شمولاً منذ توليه الحكم، من حيث حجم المعطيات المعروضة وتنوع الملفات المطروقة. وقد بدا الخطاب أقرب إلى جرد سياسي–إقتصادي شامل، جمع بين عرض الإنجازات، والاعتراف بالنقائص، والدفاع عن خيارات الدولة، مع تثبيت ثوابت السياسة الخارجية في محيط إقليمي ودولي متقلب.

برلمان أكثر حضوراً وإصلاحات مؤطرة

في الشق السياسي، حرص  رئيس الجمهورية على إبراز ما وصفه بـ“الديناميكية البرلمانية”، معتبراً أن تفعيل مبادرة القوانين من طرف السلطة التشريعية يعكس انتقالاً نحو ممارسة أوسع للصلاحيات الدستورية. هذا الطرح يعكس توجهاً رسمياً نحو إعادة الإعتبار للمؤسسات، غير أن فعاليته تبقى، من منظور تحليلي، رهينة بمدى انعكاس هذا الحراك التشريعي على نوعية القوانين ومستوى الرقابة على العمل الحكومي.

أما تأكيده على أن الإصلاحات “مسار مستمر” يهدف إلى تكريس الحوكمة ومحاربة الفساد، فقد اقترن بخطاب مزدوج: تشدد واضح تجاه مظاهر الفساد، مقابل تطمين لإطارات الدولة النزيهة. وهي معادلة تحاول السلطة من خلالها الجمع بين الردع وحماية الإدارة من مناخ الشك العام.

قراءة رسمية للوضع الإقتصادي 

إقتصاديا، قدم الرئيس خطاباً دفاعيا مدعما بالأرقام، في مواجهة إنتقادات متكررة للسياسات المتبعة. الإشارة إلى مشاركة الأجانب في 309 مشاريع استثمارية، وتراجع التضخم، تعكس رغبة في تأكيد أن الإقتصاد الجزائري لم يعد منغلقا أو هشا كما يروج أحياناً . غير أن توصيف “سلامة الاقتصاد” يظل خاضعاً التباين القراءات، خاصة في ظل إستمرار تحديات مرتبطة بالنمو، والبطالة، ومستوى المعيشة.

اللافت في الخطاب هو النبرة الحادة تجاه من ينكرون هذه المؤشرات، وهو ما يعكس حساسية الملف الاقتصادي باعتباره أحد أهم ميادين التقييم الشعبي للأداء الحكومي.

الصناعة والبنى التحتية: عودة تدريجية بعد تراجع طويل

في مجال الصناعة، قدم الرئيس تشخيصا غير مألوف حين تحدث صراحة عن “تصحر صناعي” سابق، معتبراً أن رفع مساهمة الصناعة إلى حدود 10% من الناتج الداخلي الخام يمثل بداية تصحيح لمسار مختل. هذا الإعتراف يمنح الخطاب بعدًا تحليليا ، لكنه في الوقت ذاته يضع السياسات الحالية أمام إختبار الإستمرارية والقدرة على بلوغ الأهداف المعلنة.

أما مشاريع البنى التحتية، خاصة السكة الحديدية، فقد قدمت كنموذج لقدرة الدولة على الإنجاز عندما تتوفر الإرادة. ويأتي مشروع غار جبيلات في هذا السياق كعنوان لتحول الثروات الطبيعية من وعود مؤجلة إلى مشاريع قائمة، مع ما يرافق ذلك من رهانات لوجستية وصناعية على المدى المتوسط والطويل.

الفلاحة بين النجاح والإخفاق

الخطاب الفلاحي حمل مفارقة لافتة. فمن جهة، أشاد الرئيس بتحرر المبادرة الفلاحية وبروز آلاف المؤسسات التي أصبحت فاعلاً اقتصاديا، مدعومة بالتكنولوجيا. ومن جهة أخرى، اعترف صراحة بـ“الفشل” في ملف إنتاج اللحوم، وهو اعتراف نادر في الخطاب الرسمي، يفتح نقاشاً حول اختلالات منظومة الإنتاج والتوزيع، وحول فعالية الدعم العمومي في هذا القطاع.

هذا التباين يعكس مقاربة تقوم على التمييز بين النجاحات القطاعية والإخفاقات البنيوية، بدل تقديم صورة متجانسة قد تفتقد للمصداقية.

المكاسب الإجتماعية والصحية: خط أحمر سياسي

في الجانب الٱجتماعي، أعاد الرئيس التأكيد على أن الدعم الاجتماعي غير قابل للمساس، مقدّمًا ذلك كإلتزام تاريخي وأخلاقي. الأرقام المتعلقة بالسكن، والصحة، وارتفاع متوسط العمر، تعكس استمرارية نموذج الدولة الاجتماعية، مع إقرار ضمني بأن حماية القدرة الشرائية تبقى تحديًا يوميًا في ظل الضغوط الاقتصادية.

هذا التوجه يطرح، تحليليا ، إشكالية التوازن بين الاستدامة المالية ومتطلبات العدالة الاجتماعية، وهي معادلة ستظل حاضرة بقوة في السنوات القادمة.

السياسة الخارجية: ثبات في المواقف ورسائل إقليمية

خارجيا، جاء الخطاب متسقا مع ثوابت الدبلوماسية الجزائرية، خاصة تجاه فلسطين، وملفات الجوار. التأكيد على الحل الليبي–الليبي، وعلى متانة العلاقة مع تونس، حمل رسائل واضحة ضد محاولات التشويش. كما أن الإشادة بالرئيس التونسي قيس سعيد تعكس رغبة في تثبيت محور إستقرار إقليمي قائم على عدم التدخل وتبادل الثقة الأمنية.

يمكن قراءة خطاب رئيس الجمهورية باعتباره خطاب تثبيت مرحلة ، تثبيت للإنجازات، وتحديد للنقائص، ودفاع عن الخيارات الكبرى للدولة، مع نبرة هجومية تجاه خطاب التشكيك. من زاوية محايدة، يعكس الخطاب درجة عالية من الثقة في المسار المتبع، لكنه يضع في المقابل سقفا مرتفعاً للانتظارات، خاصة في الملفات المعيشية والإنتاجية.

وبين وفرة الأرقام وقوة الرسائل السياسية، يبقى التحدي الأساسي في المرحلة المقبلة هو قدرة السياسات العمومية على تحويل هذا السرد السياسي إلى أثر ملموس ودائم في حياة المواطن، وهو المعيار الذي سيظل الفيصل في تقييم أي خطاب، مهما بلغ من الشمول.

شارك رأيك

التعليقات

لا تعليقات حتى الآن.

رأيك يهمنا. شارك أفكارك معنا.

barakanews

اقرأ المقالات البارزة من بريدك الإلكتروني مباشرةً


للتواصل معنا:


حقوق النشر 2025.جميع الحقوق محفوظة لصحيفة بركة نيوز.

تصميم وتطويرForTera Services

barakanews

اقرأ المقالات البارزة من بريدك الإلكتروني مباشرةً


للتواصل معنا:


حقوق النشر 2025.جميع الحقوق محفوظة لصحيفة بركة نيوز.

تصميم وتطويرForTera Services