104
0
حول صيام الجمعة لوحده إذا وافق يوم عرفة ..و حيثيات نفقة أضحية العيد

بقلم محمد مصطفى حابس : جينيف / سويسرا
مع حلولِ شهرِ ذي الحجةِ المبارك، و قربِ أداءِ شعيرةِ الأُضحيةِ وصيام عرفة، وانقراض وباء كورونا، يدور حاليا في أروقة مساجد جاليتنا المسلمة في أوروبا سجالات فقهية حول أمور منها : إفراد يوم الجمعة المقبل بالصيام من عدمه، إذا وافق يوم عرفة وهنا الإشكال بالنسبة للعديد من العمال!! شرعيا قال الائمة ، يُسنُّ صيام يوم عرفة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم :”صيام يوم عرفة، أحتَسِب على الله أن يكفِّر السنة التي قبله والسنة التي بعده” أخرجه مسلم، ولكن يوم عرفة يوافق يوم الجمعة لهذا العام 1443 وقد ورد نهى عن إفراده بالصوم كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول:”لا يصومن أحدكم يوم الجمعة إلا يوماً قبله أو بعده”. أخرجه البخاري ومسلم. وكثير من الناس يريد أن يكتفي بصيام يوم الجمعة فقط ولا يستطيع صيام يوم قبله؛ نظراً لإرتفاع درجة الحرارة وطول النهار هذه الأيام، فهل يصح إفراد الجمعة بالصيام؟ والذي رجحه المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث جواز إفراد يوم الجمعة بالصيام إذا وافق يوم عرفة بلا حرج أو كراهة، وذلك لعدة اعتبارات، منها : جوَّز أبو حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى إفراد الجمعة بالصيام بلا كراهة، كما استثنى كثير من الفقهاء إفراد الجمعة بالصيام إذا وافق يوماً اعتاد صومه، أو يوماً له فضل كعرفة وعاشوراء ولم يتعمد صيامه دون فضل أو عادة؛ وذلك لحديث النبي صلى الله عليه وسلم: “لا تختصوا ليلة الجمعة بقيامٍ من بين الليالي، ولا تخصوا يوم الجمعة بصيامٍ من بين الأيام إلا أن يكون في صومٍ يصومه أحدكم”. ولا شك أن فضيلة الصيام في يوم عرفة أعظم من مجرد التقوي بالفطر على شعائر وسنن الجمعة، فثبت تقديم صوم يوم عرفة على الفطر يوم الجمعة دون كراهة بالنظر لتلك العلة – كما اتفق الفقهاء على أن النهي عن إفراد الجمعة بالصيام للكراهة التنزيهية، والكراهة تزول لأدنى حاجة. والله أعلم أما بالنسبة للأضحية يقولُ اللهُ سبحانَهُ و تعالىٰ: {ذَٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ} (الحج ٣٢)وضح المجلسُ السويديُّ للشؤونِ الدّينيةِ في بيانه للمسلمينَ بعضَ القضايا – خاصة أن هناك من الدول الأوروبية من تمنع الذبح – منها: لا يختلف اثنان، أن الأضحيةُ شعيرةٌ من شعائرِ الاسلامِ، وهي سُنَّةٌ مؤكَّدةٌ، وهذا قولُ جمهورِ الفقهاءِ، فعن أنس بن مالك رضي اللهُ عنه قال: “ضَحَّى النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بكَبْشينِ أمْلَحَيْنِ أقْرَنَيْنِ، ذَبَحَهُما بيَدِهِ، وسَمَّى وكَبَّرَ، ووَضَعَ رِجْلَهُ علَى صِفَاحِهِمَا”. رواه البخاري ومسلم. وللأضحية مقاصد عديدةٌ منها شُكرُ اللهِ تعالىٰ على نعمةِ الحياةِ، و كذلكَ إحياءُ سُنَّةِ إبراهيمَ حينَ أمَرَه اللهُ عزَّ وجلَّ بذَبحِ الفداءِ عن ولدِه إسماعيلَ عليهِما السلامُ في يومِ النّحرِ، قال تعالَى: {وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ} الصافات 107 ، وأن يتذكَّرَ المؤمنُ أنَّ صبرَ إبراهيمَ وإسماعيلَ وإيثارَهما طاعةَ اللهِ ومحبتَه على محبةِ النفسِ والولدِ كانا سببَ الفداءِ ورفعَ البلاءِ، فإذا تذكّرَ المؤمنُ ذلك اقتدى بهما في الصبرِ على طاعةِ اللهِ، وتقديمِ محبتِه سبحانهُ على هوى النفسِ و رغباتِها. و في الأضحية وسيلةٌ للتوسعةِ على النفسِ وأهلِ البيتِ، فيجوزُ للمُضَحِّي أن يأكلَ من أضحيتِه ويدَّخِرَ منها. ومن أهدافِ الأضحيةِ إكرامُ الجارِ و إكرامُ الضيفِ، والتصدُّقُ على الفقراءِ والمحتاجينَ، و مواساتُهم في حاجتِهم، و ما في ذلكَ من تقويةِ أواصرِ التوادُدِ والأُلفةِ بين الناسِ و تعزيزِ التماسُكِ المجتمعيِّ.. قال تعالى : { لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِير } الحج 28 . من شروطها: القدرة أي بأن يكون صاحبها قادرا على ثمنها – أن تكون من بهيمة الأنعام وهي الإبِلُ والبَقَرُ والغَنَمُ. – أن تكون في الوقت المحدد شرعا – أن تكون خالية من العيوب. الأصلُ أن يذبحَ المضحّي بنفسِه، أو أن يشهدَ أُضحيتَه في البلدِ الذي يقيمُ فيهِ، و تجوزُ الوكالةُ في شراءِ و ذبحِ الأضحيةِ في بلدٍ آخر، أي أنه يجوزُ إرسالُ قيمةِ الأضحيةِ إلى بلدٍ آخر وتوكيلُ أحدِ المسلمينَ الثقاة أو توكيلُ جمعيةٍ أو مؤسسةٍ خيريةٍ يقومُ عليها مسلمونَ من أهلِ الثقةِ والأمانةِ ليُذبَح عنه، شرطَ أن يكونَ التوكيلُ واضحًا ومحددًا بأن هذه أضحيةٌ تُذبَحُ عن الموكلِ و أنها ليست صدقةً من الصدقاتِ. ولمّا كانت العديد من الدول الاوروبية تمنع الذبح وتعاقب عليه فإن بعض الائمة يرون أنه من الجائز إرسال قيمة الأضحية إلى الأهل في البلد الأم وتوكيل أحدهم ليذبح عن المضحّي شريطة أن يذكر الوكيل أنه يذبح عن الشخص الذي وكله، امتثالا لأمر الله تعالى الذي أمر به النبي صلى الله عليه وسلم بقوله :{ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} الكوثر 2، ولأن الذبحَ من شعائرِ اللهِ تعالى فلو تركَها الناسُ إلى الصدقةِ فقط لتعطَّلتْ تلكَ الشعيرةُ و لاندثرَ ما فيها من مقاصدَ و حِكَمٍ و غاياتٍ كما أسلفنا آنفًا، على حد تعبير بيان المجلسُ السويديُّ للشؤونِ الدّينيةِ. أما دفع المال لفقير من أجل أن يضحي، فإن كان المقصود من أجل أن يضحي عن صاحب المال فهذا توكيل في الأضحية وهو جائز، أما إن كان المقصود من أجل أن يضحي الفقير عن نفسه فهذه صدقة من صاحب المال يكتب له فيها أجر الصدقة وليست أضحية عنه فلا يكتب له أجر الأضحية. مبينين بقولهم أن الأضحية ليست صدقة وإنما هي قربة الى الله بذبحها في أيام الذبح وليس المراد منها دفع النقود .والتصدق مفتوح في كل أيام السنة فلا نغير الشريعة ولا نغير سنة النبي صلى الله عليه وسلم فالآراء لا تدخل في الأمور الشرعية، ولأن الأضحيةَ عبادةٌ تؤدّىٰ بوقتٍ محددٍ، فتقديمُها على ما عداها من الصدقاتِ أولىٰ، ففي الإمكانِ أن يُتصَدَّقَ في سائرِ العامِ و أما الأضحيةُ فلا تُؤدّىٰ إلا في وقتٍ محددٍ معلومٍ في هذه الأيامِ تحديدًا. والله تعالى أعلم. نسالُ اللهَ تعالىٰ أن يُعيدَ علينا العيدَ و المسلمينَ في أحسنِ حالٍ و أن يتقبلَ منا ومنكم صالحَ الأعمالِ، وكل عام و أنتم الى الله أقرب.
|