713

0

حسين عبد الستار يؤكد :أن صمود الفلسطنيين في غزة يشبه ما حدث للجزائريين فترة الثورة التحريرية

في حوار جمعنا بالدكتور حسين عبد الستار في ، مكلف بالبحث العلمي بالمركز الوطني للدراسات والبحث في الحركة الوطنية وثورة أول نوفمبر 1954 ،أكد على أهمية  الإعلام في الحفاظ على الذاكرة الوطنية، مبرزا أن تاريخ الجزائر متميز يملك زخم حضاري و رصيد ثقافي لا تملكه دولة أخرى"، و أن "الثورة الجزائرية كانت تهدد الاحتلال حتى في دولته، دلالة على قوة هذا الحدث و عبقرية الشعب الجزائري و قواعده الشعبية في تأطير الثورة بكل مكوناتها".
حاورته نزيهة سعودي 

منذ ايام قليلة أحيينا  حدثا تاريخيا بارزا في الذاكرة الوطنية، شكل منعرجا حاسما في إنجاح مسيرة الثورة التحريرية المجيدة، ماهي رمزية مظاهرات 11 ديسمبر 1960 ؟

و نحن نحيي الذكرى ال63 لمظاهرات الشعب الجزائري هي فرصة و سانحة مهمة جدا لأنها تجسد محطة فارقة في تاريخ الثورة التحريرية المباركة على اعتبار أن هاته المحطة جسدت بحق تلاحم الشعب الجزائري مع جيشه و جبهة التحرير الوطني، و بالتالي بينت أنهما نسيج واحد هذا يوحي أن الثورة التحريرية المباركة لم تكن مجرد عمل عسكري و إنما عمل عسكري متلاحم مع المعطى السياسي و الديبلوماسي، و كذلك التعبئة الشعبية التي تحولت من خلالها عبقرية القيادة إلى القواعد الشعبية من خلال خروج الشعب الجزائري في الكثير من المدن الجزائرية من أجل إحقاق كلمة مهمة جدا و هي أن الجزائر _جزائرية و أن الشعب الجزائري يخوض هاته المعركة من أجل استعادة حريته و سيادته.

في هذا الإطار أقول إن 11 ديسمبر من المحطات المهمة جدا في تاريخنا لأنها حققت نتائج مهمة جدا ماكانت لتحقق ربما بالكثير من المعارك، لذلك أقول إن الثورة الجزائرية معطى عسكري مرتبط بالعمل الإعلامي و التنظيم السياسي و النشاط الدبلوماسي لذلك كان استراتيجية متكاملة.

في هذه المناسبة عبر الجزائريون عن تمسكهم بحقهم في الحرية والاستقلال، كيف يمكن للشعب الفلسطيني الاقتداء بمثل هذا المسار من أجل تحرير أرضه خاصة و أن العلاقات الجزائرية الفلسطينية قائمة على تراكمات تاريخية ؟

ما أشبه اليوم بالبارح و اليوم نعيش وضع مأساوي في غزة المحاصرة و فلسطين بشكل عام نتيجة الهمجية و القصف الصهيوني وإبادة جماعية و جرائم مروعة ضد الأطفال و النساء، وأعتقد أن هذا يشبه جدا ما حدث للجزائريين .

الجزائر فترة الثورة التحريرية لم تحارب فرنسا فقط بل حتى الحلف الأطلسي و دول كبرى التي وقفت إلى جانب فرنسا، و اليوم التاريخ يعيد نفسه مع إخواننا في فلسطين اللذين يجسدون الصمود بأسمى معانيه، و إن كنا نحتفي اليوم بمظاهرات 11 ديسمبر في ذكراها ال63 تحت شعار " شعب أراد الحياة" كذلك اليوم إخواننا في غزة يجسدون الصمود ضد المحتل الصهيوني الذي يمارس إبادة لم يشهدها التاريخ.

ما يحدث اليوم لا تفسره الكلمات على اعتبار أنه مدة أكثر من شهرين القصف على إخواننا العزل في فلسطين يتواصل يوميا أما الصمت الرهيب للمجتمع الدولي الذي لم يحرك ساكناً لهاته الأفعال المروعة و الجرائم الشنيعة لما يحدث من الشهداء و الجرحى، كارثة إنسانية بكل المقاييس و جرائم حرب و ضد الإنسانية كاملة الأركان و موثقة بالصوت و الصورة و هذا ربما يبين تكلفة الحرية التي تعد كبيرة جدا، لذلك نقول لإخواننا في فلسطين اصبروا وصابروا و رابطوا فما النصر إلا صبر ساعة.

هذا الحدث من بين دلالاته الرمزية بالدرجة الأولى هو إرادة الشعب الجزائري للحياة و في إستعادة حريته و استقلاله انطلاقا من الشعارات التي رفعها في العديد من المدن الجزائرية، من أجل تحقيق كلمة الجزائر لم و لن تكون فرنسية، المسألة الثانية أنه بمجرد أن جبهة التحرير الوطني أعطت الأوامر من أجل خروج الشعب الجزائري هبة واحدة،حسب ما جاء في إحدى المجلات الفرنسية سنة 1960 وفق شهادات الضباط الفرنسيين، هي أن الفرنسيين لم يستطيعون تفكيك خلايا جبهة التحرير الوطني لأنهم لم يستطيعوا التفريق بين الشعب و جبهة التحرير الوطني.

الثورة الجزائرية هي ثورة شعبية بامتياز و هي شكل من أشكال الحروب ذات الطابع العربي، من الدلالات الرمزية أيضا أن الإعلام تمكن من أن يكون القيمة المضافة في أي عمل ثوري، فهذه المظاهرات التي تناقلتها وكالة الأنباء و الصحافة الدولية استطاعت أن تحقق نتائج ديبلوماسية مهمة جدا انطلاقا من أنه في 19 ديسمبر 1960 الجمعية العامة للأمم المتحدة صوتت بحق الشعب الجزائري في تقرير مصيره و أصبحت القضية الجزائرية من القضايا المهمة جدا في جدول أعمال الأمم المتحدة، هذا الحدث كان له تأثيرات كبيرة جدا حتى على المستوى الفرنسي الرئيس الفرنسي ديغول قال بعد مظاهرات 11 ديسمبر أن الثورة الجزائرية تهدد الدولة الفرنسية في فرنسا، و هذا يعطي صورة عن قوة هذا الحدث و عبقرية الشعب الجزائري و قواعده الشعبية في تأطير هذه الثورة بكل مكوناتها.

الدور الذي لعبه الإعلام العالمي في إبراز القضية الجزائرية من خلال نقل حقيقة أحداث 11 ديسمبر  شكلت تغطية الصحفيين انتصارا إعلاميا للقضية الجزائرية لدى الرأي العام الدولي، ما هي رأيتكم اليوم بالدور المنوط بالصحافة في هذا المجال ؟

مظاهرات 11 ديسمبر في الحقيقة لم يعطى لها  الزخم الدولي و العالمي إلا من خلال الصحافة الدولية التي تناقلت الأحداث و الجزئيات التي حدثت على مستوى الكثير من المدن الجزائرية ، هذه المظاهرات أظهرت أن الشعب الجزائري كله لصالح القضية الجزائرية و لصالح فكرة الإستقلال و الحرية و استعادة السيادة الوطنية، اليوم أيضا باعتبار أن الإعلام هو السلطة الرابعة و النقلة النوعية في أي مجتمع من المجتمعات لأنه ينقل الصوت و الصورة و الحقيقة إلى كل العالم، و اعتقد أن المعلومة هي مخزنة لدى الإعلام في أي قضية من القضايا و أي مجتمع و أنه يشكل ركيزة أساسية في خدمة القضايا و الحفاظ على الوحدة و اللحمة الوطنية و بناء الوطن بشكل عام.

الاعلام يجب أن ينخرط بشكل كبير خاصة فيما تعلق بالمسائل المتعلقة بالذاكرة الوطنية على اعتبار أن اليوم نعيش عالم رقمي و تسارع في الأحداث ، العالم أصبح مجرد قرية المعلومة يمكنها أن تصل إلى كل العالم، الإعلام عليه أن يكون نزيها و يصل إلى الحقيقة انطلاقا من مسؤولية أخلاقية و احترافية، الأمر الثاني اليوم الإعلام مطالب أن ينخرط بالذاكرة الوطنية و الهوية لأن كل دول العالم تعيش تهديدات رقمية التي تمس مواقع التواصل الاجتماعي و الأجيال التواصلية لأن اليوم الكثير من الحقائق التاريخية لاسيما في مجال أمن الذاكرة تشهد الكثير من التزييف و التشويه حتى سرقة التاريخ و تزوير المعلومة و الحقائق، لهذا الإعلام له مسؤولية كبيرة جدا في الحفاظ على اللحمة الوطنية و صون الذاكرة الوطنية.

أما عن ما يحدث في فلسطين اليوم يبين المعركة الإعلامية بين دعاة تزييف الحقيقة لما يحدث في فلسطيني انطلاقا بالكيل بمكيالين أمام تملك أخلاق و احترافية في عمل بعض وكالات الأنباء التي تحاول أن تبين الحقيقة كما هي و المجازر المروعة التي يعيشها إخواننا في فلسطين.

الإعلام في الجزائر اليوم أيضا مطالب أن يكون في مستوى الحدث من خلال تناقل المعلومة و مسؤولية أخلاقية من أجل الرقي و الوصول إلى درجة الاحترافية في إيصال الحدث و المعلومة و التطرق إلى الحقائق بما يساهم في صون الذاكرة الوطنية و تحصين الأجيال بالوعي التاريخي، بالإضافة إلى نشر الثقافة التاريخية باعتبارها من مسؤوليات الإعلام، كما أنه من الضروري التخصص و تكوين إعلاميين في المسائل المتعلقة ببناء الهوية الوطنية لأن الحقل الإعلامي يدخل كل يوم في تخصص جديد و مهم جدا لإعطاء الإعلام رؤية و مقاربة جديدة.

كيف تقيمون كتابة تاريخ الثورة ، و هل أخذت مادة التاريخ نصيبها المستحق من المنظومة التربوية باعتبارها مؤشر للاهتمام بالذاكرة الوطنية والحفاظ عليها؟

الدولة الجزائرية في الآونة الأخيرة اهتمت بإقرار يوم وطني للذاكرة الوطنية و إنشاء قناة للذاكرة ، بالإضافة إلى الكثير من الإجراءات التي هي في هذا الإطار، كما أن وزارة المجاهدين و ذوي الحقوق تعمل و تسعى جاهدة لأنها ترمي إلى كتابة التاريخ الوطني برؤية وطنية و بأقلام نزيهة تركز على الإنجازات و المكتسبات بالنسبة لتاريخنا الوطني بشكل عام، الجزائر ظهرت في فترة ما قبل التاريخ و حققت مكتسبات كثيرة جدا علينا استقراء الماضي و إعادة بناء الواقعة التاريخية بما يمكن استحضار الماضي إلى الحاضر من أجل استشراف المستقبل.

إن هذه المسألة تنطلق من فكرة كتابة التاريخ الوطني وفق مقاربات جديدة لا تقف عند التاريخ الحدثي التراكمي و إنما تنزل إلى التاريخ العمودي و تنظر إلى كيفية استقراء التاريخ من خلال إسقاطاته اليوم، لأننا نحتاج إلى تاريخ يكون ضمن عملية صناعة القرار و استشراف المستقبل، الجزائر قطعت أشواط مهمة في كتابة التاريخ الوطني لكن اليوم نحتاج إلى إعادة قراءة الأحداث العلمية للتاريخ الوطني بما يتوافق و اسقاطاته في الواقع.

كما أن التاريخ هو وسيلة من أجل تحقيق المناعة المجتمعية لأن الناشئة في حاجة إلى أن نزودها  بجرعات من المناعة و من بين مشتملات هذه المناعة هو التاريخ الوطني الذي ينطلق في كتابته من التحكم في المصطلحات و المفاهيم الوطنية مع ضرورة التركيز في البرامج و المناهج على الكثير من الانجازات و المكتسبات في الحقب المختلفة لاسيما التاريخ المعاصر، ما يوجد اليوم في المنظومة التربوية الكثير من الإيجابيات لكن يجب تدعيم هذه المناهج بالنظرة المستقبلية انطلاقا بالبرمجة العصبية الإيجابية.

أبناءنا في حاجة إلى أن نخلق فيهم ذاكرة متوازنة لأن الهدف من التربية و التعليم هو خلق مواطن متوازن و صالح يدافع عن وطنه بنفسه و هذا لن يكون إلا ببرامج لها الإطار البيداغوجي و جرعات من المناعة و هذا لن يكون إلا بكيفية تدريس التاريخ الوطني لأنه يعاني من الكثير من التقصير و الأخطاء و الأمور التي لابد من إعادة النظر فيها مع ضرورة انخراط المختصين في بناء هاته البرامج لأن صون الذاكرة الوطنية في البرامج الموجودة على مستوى المنظومة التربوية يحتاج دائما إلى نظرة واضحة و استراتيجية متكاملة .

تاريخ الجزائر متميز يملك زخم حضاري و رصيد ثقافي لا اعتقد أنه هناك دول تملك هذا التاريخ، الجزائر دائما كانت فاعلا و لم تكن فعلا مجرورا في التاريخ لذلك الكثير من المحطات المهمة كانت الجزائر فاعلا فيها و الثورة الجزائرية يضرب بها المثل في قيمها و مبادئها التي لم تكن محلية قدر ما هي إنسانية و عالمية يمكن الاستفادة منها في كل مكان و زمان قيم الحرية و قيم البذل و العطاء و قيم حب الوطن.

يجب التسويق في المستقبل على أن الثورة الجزائرية كانت نظرية من نظريات السلوك الإنساني التي دافعت عن الحرية و القيم بدليل أن ثورة نوفمبر هي سلمية لأننا قدمنا عربون سلام بعد الانطلاق في الثورة و هذا ما جاء في بيان نوفمبر، هذا ما بين أن الثورة كانت تحررية سلمية ضد كل القيود التي يمكن أن تمس الجزائر.

ما هي الرسالة التي تقدمونها للشباب الجزائري  للاقتداء بجيل نوفمبر في مواجهة تحديات اليوم و بناء مستقبل الغد ؟

الثورة الجزائرية كانت شعلة أو روح لم تنطفئ بعد يمكن أن تتحدد في أي زمان و مكان لأن عبقرية الإنسان الجزائري الأخلاقية يمكن أن تصنع التاريخ في أي زمان و مكان، و هو ما علمنا إياه التاريخ من خلال تراث أبطالنا و رموز الجزائر الذين صنعوا التاريخ في كل حقبة، علينا أن نصنع اليوم للتاريخ من خلال نهضة اقتصادية جديدة و نهضة في فكر المواطنة.

نحن مسؤولون من أجل أن ننخرط في هذا الإطار ، و رسالتنا للشباب هو أن ينخرط في العملية الاقتصادية و السياسية من أجل بناء الوطن لأن الثورة الجزائرية إلى يومنا هذا مازالت متواصلة، ثورة حررت الإنسان و الأرض و اليوم نعمل على بناءها بانخراط قواعده الشعبية و أبناءه و يتطلب الإرادة الحضارية و هي إرادة التغيير بالنسبة لشبابنا.

الشباب الجزائري أمامه زخم كبير من التاريخ و بالتالي لديه كل المقومات و الإرادة من أجل أن يكون فاعل و يؤسس لنظام المناعة و الوقاية و الأمان لأن الجزائر أمام تهديدات و رهانات على الصعيد الإقليمي و الدولي و هذا مهم جدا، المسألة الثانية هي أن على الشباب أن ينخرط اليوم من أجل نموذج جديد لأنه إذا كان شهدائنا قدموا نموذج في التضحية و الصمود و الوفاء للوطن، اليوم نحن يجب أن نقدم نموذج جديد في التنمية الاقتصادية و المستدامة و المواطنة هذه مسؤولية الجميع اليوم في الجزائر.



شارك رأيك

التعليقات

لا تعليقات حتى الآن.

رأيك يهمنا. شارك أفكارك معنا.

barakanews

اقرأ المقالات البارزة من بريدك الإلكتروني مباشرةً


للتواصل معنا:


حقوق النشر 2024.جميع الحقوق محفوظة لصحيفة بركة نيوز.

تصميم وتطويرForTera Services

barakanews

اقرأ المقالات البارزة من بريدك الإلكتروني مباشرةً


للتواصل معنا:


حقوق النشر 2024.جميع الحقوق محفوظة لصحيفة بركة نيوز.

تصميم وتطويرForTera Services