9574
0
حسيبة بن بوعلي..كفاح أصغر شهيدات القصبة
حسيبة بن بوعلي إحدى نساء الجزائر الخالدات اللائي سطرن أروع الأمثلة في التضحية والفداء في سيبل تحرير الوطن، رغم عمرها القصير فقد ذاع صيتها ورسخ ذكرها خالدا.
عبد النور بصحراوي
تعد إحدى فتيات الجزائر اللواتي آثرن مشاركة أخيهن الرجل في ملحمة الكفاح، فكن السند والمدد والعطاء والعنفوان الذي لا ينفذ، فما كان من التاريخ إلا انحنى لعظمهتن واحتفظ ببطولاتهن في سجلاته الذهبية التي لطالما زخرت بها الجزائر.
من جبال الونشريس أطلت
ولدت حسيبة بن بوعلي في ال 18 من جانفي سنة 1938 ببلدية سنجاس ولاية الأصنام (الشلف حاليا) لعائلة عريقة وميسورة الحال، فقد كان والدها عبد القادر من أعيان المنطقة المتعلمين والمناصرين للقضية الوطنية، وكانت والدتها لويزة آيت سعدي امرأة مثقفة ومحبة للعمل الخيري.
التحقت حسيبة بالمدرسة الفرنسية في مسقط رأسها، ودرست هناك إلى أن بلغت 9 سنوات قبل أن تلتحق بالجزائر العاصمة وتواصل مسارها التعليمي.
طفرة بمسارها النضالي
غادرت حسيبة بن بوعلي مسقط رأسها بالشلف رفقة عائلتها متجهين إلى الجزائر العاصمة سنة 1948 حيث استقرت بحي’’ شون دو مانفر’’ أول ماي حاليا حيث واصلت دراستها بثانوية عمر راسم إلى غاية السنة الثانية ثانوي، وقد عرف عنها الذكاء الحاد والهدوء وقلة الحديث المعبر عن تذمرها من الوضع الاستعماري الذي تعانيه الجزائر.
اندمجت حسيبة بسرعة في الحياة المدنية أين انضمت لصفوف الكشافة، التجربة التي مكنتها من الاطلاع عن قرب على واقع الجزائريين المرير، بالإضافة إلى ذلك فقد انضمت للاتحاد العام للطلبة المسلمين الجزائريين وهي في ال 16 من العمر لتنغمس أكثر في المسار النضالي.
لم تغفل حسيبة الفتاة التي تتقن اللغات اللاتينية والإسبانية والفرنسية والمحبة للفن والجمال والسفر، هموم أبناء جلدتها وما يلقونه من تدمير مادي ومعنوي، وهذا ما ذكى فيها فتيل الوطنية وشعلة النضال والتي ستظهر عند التحاقها بصفوف الثورة.
الانضمام للثورة..مسار حافل
عملت حسيبة بن بوعلي بين الفينة والأخرى، كمساعدة اجتماعية أحيانا وكممرضة أحيانا أخرى بمستشفى مصطفى باشا، وهذا ما مهد لها الانضمام الرسمي للثورة سنة 1955 حيث كانت تجلب الدواء للمرضى والجرحى من المجاهدين، ليتطور عملها بعد ذلك عند انضمامها سنة 1956 لخلية صناعة القنابل بقيادة’’ طالب عبد الرحمان’’ والدكتور’’ تامسيت دانيال’’، حيث كانت تجلب المواد الكيميائية لصناعة المتفجرات، كما كلفت كذلك بنقل وزرع القنابل في الأماكن المستهدفة وهذا لملامحها الأوروبية غير المريبة.
أصبحت حسيبة بن بوعلي بعد أكتوبر 1956 في عداد المبحوثين والمطلوبين لدى السلطات الاستعمارية، بعد وشاية أحد الخونة، ما جعلها تغادر منزلها العائلي نهائيا وتستقر متخفية في بيت جميلة بوحيرد بالقصبة، لتصبح تحركاتها وتنقلاتها محسوبة ومضبوطة.
عهد على الصغيرة حسيبة، كما كان يطلق عليها في فترة التحاقها بالثورة، الشجاعة والإقدام والذكاء في مناقشة القرارات وتنفيذها ورغم الملاحقات، إلا أنها لم تحد عن مبادئها وظلت وفية للقضية الوطنية بكل صلابة واعتزاز.
ظلت حسيبة بن بوعلي مطاردة إلى أن حان وقت ارتقائها لعالم الخلود في ال 8 من أكتوبر 1957 بأحد منازل حي القصبة العتيق أين كانت مختبئة رفقة كل من ’’ علي لابوانت’’و ’’ حميد بوحميدي’’ و ’’ عمر الصغير’’ حيث حوصروا من طرف القوات الفرنسية، وطلب منهم الاستسلام الأمر الذي رفضوه، ليعطي الجنرال ’’ بيجار’’ الأمر بتفجير البيت، أين قضى الرباعي البطل تحت الأنقاض في سبيل أن يخرج الشعب الجزائري من أنقاض الاستعمار البغيض.
رسالة حسيبة إلى عائلتها
كانت حسيبة بن بوعلي، من خلال مسارها العامر بالتضحيات والبطولات، تواقة للاستشهاد في سبيل تحرير الوطن، وكان هذا متجليا في إقدامها وشجاعته،ا وكذا إحساسها المرهف الذي أخبرها بأنها ستنال تلك الأمنية والرتبة.
ولعل رسالتها الأخيرة لعائلتها قبل 23 يوم من استشهادها، تترجم ذلك والتي جاء فيها:
’’ وإنه لأمر فظيع، كيف تُفتقد الأسرة عندما تكون بعيداً عنها، أنتما تعرفان أنني مطلوبة وملاحقة هنا في العاصمة. ولكن يستحيل عليّ أن أقف مكتوفة الأيدي. أخيراً، قررت أن انضم إلى الفدائيين، يمكنني أن أقوم بالتمريض، وأيضاً إن لزم الأمر، وهو ما أتمناه من كل قلبي، أن أناضل وأنا أحمل السلاح بيدي. فإن أخذنا الموت التقينا عند ربنا’’.
وختمت رسالتها: ” إن مت، لا تبكيا عليّ، لأني سأموت سعيدة، أؤكد لكما ذلك.
قالوا عنها:
جميلة بوحيرد محدثة أختها فضيلة: ’’ لقد كانت أختك حسيبة تحمل القنابل في حقيبتها مثلما يحمل الأطفال في جيوبهم الحلوى’’.
و نقلت عنها كذلك أنها قالت لها ذات يوم: ’’ أحس أنني أرى الاستقلال،، أرجوك إن مت اعتن بأمي و زوريني بباقة ورود’’.
العربي بن مهيدي لأختها فضيلة: ’’ أختك شجاعة وتحوس غير تفهم’’
وفيها قال الشاعر محمد بن بالي:
حسيبة منك يشع السناء…. ومنك حسيبة تدنو السماء
سموت عن الذل في عفة…. وأحييت في اليائسين الرجاء
وعبدت للتائهين الطريق…. فهبوا إلى المجد والارتقاء
صبرت أمام المنايا الشداد…. وما أرهبتك رعود الشتاء
أأخت الجميلات والأخريات…. تعلمت منكن معنى الوفاء
صنعتن للشعب أمجاده…. بروح التفاني وفضل السخاء
حسيبة يا قمة في النقاء…. حسيبة يا فخر كل النساء
سموت هنالك فوق السماء…. بعيدا عن الذل رمت البقاء.