440
3
حمير مصابة في غزة تغادر مطار تل أبيب للعلاج و"الاستجمام" في أوروبا !!
ملف ساخن يشعل الجدل بين مستغرب و ساخر و متسائل عن اللاإنسانية لدى بعض البشر في دول الغرب ؟؟

مصطفى محمد حابس : جينيف / سويسرا
قد يستغرب الناس من هذا العنوان المقرف والمحير، "علاج لبهائم غزة في بلاد الغرب من جهة بينما حصار و دمار يفتك بشعبها من جهة ثانية"!!
لكن هذه هي الحقيقة المرة ، و الأدهى و الأنكى و الأمر، على غرابة الرواية إلا أن للقصة حكاية وسردية حقيقية لا مراء فيها ولا غبار عليها، ففي الصيف الماضي، وتحديدا في شهر يوليو/ تموز 2025، أفادت وسائل إعلام أوروبية بأن الجيش الإسرائيلي ينقل مئات الحمير من غزة إلى مزرعة تُسمى "محمية البداية الجديدة".
ووصفت وسائل الإعلام الإسرائيلية بتبجح أيامها هذه العملية بأنها "إنقاذ حيوانات"، تقوم بالأشراف عليها جمعية إسرائيلية. ووفقًا لوكالة الأنباء البلجيكية، فقد نُفذت عشر عمليات نقل من هذا القبيل بحلول أوائل أغسطس/ أوت، وتفتخر " المنظمة الإنسانية" الإسرائيلية هذه، بـ"إنقاذ" ما يقرب من 600 حمار.
وبحسب تقرير بثته قناة كان الإسرائيلية، جمع الجيش الإسرائيلي مئات الحمير من مناطق متفرقة في قطاع غزة خلال العمليات العسكرية، ونقلها إلى مزرعة تديرها جمعية إسرائيلية، ومن ثم إلى ملاجئ حيوانات في فرنسا وبلجيكا وألمانيا بزعم "إنقاذها من ظروف قاسية"، منها هذه الحرب التي جاءت على الأخضر و اليابس، في غزة!!
هذا الخبر أعلن عنه، هذه الصائفة كما أسلفنا، و مر مرور الكرام، واليوم يعود ليطفو على السطح، خاصة في ألمانيا، حيث أثارت هذه الخطوة موجة من الجدل والتساؤلات والانتقادات، واعتبرت من قبل نشطاء وحقوقيين شكلاً جديداً من أشكال الانتهاكات في ظل الحرب، على اعتبار أن الحمير باتت وسيلة النقل الرئيسية في غزة.

وصول ثمانية حمير مصابة من غزة إلى ألمانيا يشعل الجدل
وهذا الاسبوع يثير وصول ثمانية حمير، قادمة من قطاع غزة إلى "ملاذات آمنة، من الحرب" في مدن ألمانية، ضمن مبادرة نفّذتها جمعية إسرائيلية "انسانية حيوانية"، أثار جدلا كبيرا داخل ألمانيا و في أوروبا، في وقت أعلنت المدينة الألمانية التي استقبلت الأعداد الأولى من الحمير عدم صلتها بالموضوع مطلقا !!
و قالت وسائل إعلام ألمانية، أن دفعة من حمير غزة نُقلت جوًا إلى مطار لياج في بلجيكا قبل توزيعها على مرافق لرعاية الحيوانات. أربعٌ من هذه الحمير استقبلها «تيَرغارتن أوبنهايم» في ولاية راينلاند بفالتس، بينما نُقلت أربعة أخرى إلى مزرعة تحمل اسم «بالّيرمان رانش» في قرية بلوكفينكل الواقعة بولاية سكسونيا السفلى. بحسب ما نشر موقع "إن دي"، الألماني الاخباري.
العملية نظّمتها جمعية إسرائيلية باسم "تسوفلوخت تسوم نوي آنفنغ"
(Zuflucht zum Neuanfang)
و هذه التسمية بالألمانية تعني، "ملجأ لبداية جديدة" أو "محمية البداية الجديدة ". ويقول القائمون عليه إنهم أنقذوا ما يصل إلى خمسين حمارًا «هائماً أو مصاباً» من منطقة الحرب في غزة في هذه الدفعة وحدها، ويقولون إنهم قاموا منذ اندلاع الحرب بإجلاء نحو 600 حمار من قطاع غزة بفلسطين !!
وفي مدينة أوبنهايم، جرى تجهيز حظيرة خاصة للحيوانات الجديدة وعزلها وتدفئتها، نظرًا لاعتيادها على مناخ أكثر دفئًا في غزة. وبعد استطلاع رأي الزوار، أُطلِقت على الحمير أسماء، مثل: «آنا» و«إلزا» و«غريتا» و«رودي». وتفيد تقارير محلية بأن الحيوانات بدأت «تتواصل بحذر» مع بقية "قاطني الحديقة وأن حالتها الصحية جيدة"، بهذه التفاصيل.. إنها فعلا أخبار مضحكة كالبكاء !!
السلطات البلدية تنأى بنفسها عن الاستقبال
بلدية أوبنهايم أوضحت، في رد على استفسار صحفيين، أنها لم تكن طرفًا في ترتيبات إدخال الحيوانات لألمانيا، مشيرة إلى أن التواصل تم حصراً عبر شبكات دولية للعاملين في مجال حماية الحيوانات. بحسب ما نشرت صحيفة "ألغيماينه تسايتونغ". ومن جهة أخرى، أكّد القائمون على حديقة الحيوانات أن وسطاء دوليين تولّوا التنسيق، لكن إحدى الموظفات امتنعت عن إعطاء مزيد من التفاصيل، قائلة إنهم "لن يقدّموا معلومات إضافية عن الحمير بعد تعرضهم لوابل من الهجمات الإلكترونية وانتقادات حادة على الإنترنت، وصفحات التواصل الاجتماعي" !!
الجدل يتصاعد في ألمانيا خصوصا
غير أن الجدل اتخذ بُعدًا سياسيًا وأخلاقيًا أوسع، إذ يأتي الاهتمام بنقل الحيوانات في وقت لا تزال فيه غالبية الأطفال الجرحى من غزة محرومين من فرصة العلاج في ألمانيا. فقد كانت عدة مدن ألمانية قد أعلنت في وقت سابق، منذ أشهر عديدة، استعدادها لاستقبال أطفال مصابين من القطاع، بدعم من ولاية شمال الراين - ويستفاليا التي يقودها الاتحاد الديمقراطي المسيحي، لكن الحكومة الألمانية ردت بأنها تركز على تقديم المساعدات للأطفال والمدنيين في غزة ميدانيا، وهذا عذر أقبح من ذنب، في نظر منظمات انسانية تشتغل في الميدان، منهم مؤسسة فراسة السويسرية بغزة!!.
و حسب بعض وكالات الأنباء الأوروبية والألمانية، وقناة دوتش افيلي في كولونيا، أنه كان قد تم استقبال ألمانيا لطفلين جريحين " يتيمين" من غزة في السابق قد اعتبر مثالاً إيجابيًا،
بيد أن الطفلين أجبرا على مغادرة البلاد بعد انتهاء فترة علاجهما، فورا !!
"ألمانيا تفتح أبوابها لحمير غزة... ولكن ليس للغزيين"
و تحت هذا العنوان، أي "ألمانيا تفتح أبوابها لحمير غزة... ولكن ليس للغزيين"، ما نصه بالفرنسية :
L’Allemagne ouvre ses portes aux ânes de Gaza… mais pas aux Gazaouis !!
كتبت بعض وسائل التواصل الاجتماعي البلجيكية، أن : " الحمير التي أُنقذت من غزة تجد مأوىً لها في أوبنهايم"، هذا ما عنونته صحيفة "ألجماينه تسايتونغ" الألمانية الأسبوع الماضي، و ترجم للفرنسية في بلجيكا كالتالي:
« Des ânes sauvés de Gaza trouvent un foyer à Oppenheim », titrait la semaine dernière le quotidien allemand Allgemeine Zeitung.
إذ تحمل هذه القصة نكهةً ساخرة، خاصةً أنه "منذ أكتوبر/ تشرين الأول 2023، لم يُسمَح تقريبًا لأي مواطن غزاوي بدخول ألمانيا". كما نشر ذلك الصحفي ليون ويستريشوفسكي النظر في هذه القضية المروعة، التي يُتوقع أن يكون مصير الفلسطينيين فيها أكثر مأساوية مما يبدو، لما لا وهو الصحفي الملتزم والدارس للتاريخ والشرق الأوسط من ألمانيا، عُرف أيضا بكتاباته ونشاطه المتعلق بالقضية الفلسطينية وانتقاد سياسات ألمانيا وإسرائيل تجاه الفلسطينيين.
قصة الحمير الأربعة "التي أُنقذت" من غزة دليلٌ آخر على السخرية اللاإنسانية للسلطات الألمانية
يرى الكثيرون في أوروبا عموما، أن قصة الحمير الأربعة "التي أُنقذت" من غزة دليلٌ آخر على السخرية اللاإنسانية للسلطات الألمانية من البشر عموما والألمان خصوصا. فمنذ أكتوبر/ تشرين الأول 2023، لم يُسمَح تقريبًا لأي مواطن غزاوي بدخول ألمانيا. ولم تُعطِ برلين حتى أولويةً لإنقاذ المواطنين الفلسطينيين الذين يحملون جوازات سفر ألمانية، على الرغم من التزام وزارة الخارجية المُعلن بإجلاء مواطنيها من أماكن الحرب ومناطق الأزمات!!
في الوقت ذاته، لا يستغرب المرء، أن تمنح ألمانيا الجنسية حتى للإسرائيليين الذين اعتقلوا وأُسروا خلال العمليات الفدائية في غزة بعد أكتوبر/ تشرين الأول 2023، كما دعت بحرص شديد مرات ومرات إلى إطلاق سراحهم باعتبارهم "رهائن ألمان". وعلى شبكة إنستغرام، أُغلق قسم التعليقات على منشور هذا الخبر سريعًا بسبب "العديد من التعليقات غير اللائقة و المليئة بالكراهية"، حسب تعبير الشبكة، وهو ما يُرجّح أنه انتقاد لقرار ألمانيا استقبال أربعة حمير، بدل البشر !!
التعاطف مع الحيوانات( بهائم)، والريبة تجاه البشر أهل فلسطين وغزة خصوصا.
في حين كانت قد رحّبت عدة دول غربية، مثل إسبانيا، ابتداءً من صيف 2024، بمجموعات من الأطفال الجرحى والمرضى قدموا من غزة في الأشهر الأخيرة لتلقي العلاج الطبي، ظلت ألمانيا شبه معطلة. و كما أشرنا أعلاه فقد أفادت التقارير أن طفلين فقط من غزة تلقوا العلاج في ألمانيا خلال أكثر من عامين. وكذا جارتها سويسرا التي رفضت مجموعة مستشفياتها الجامعية خاصة الناطقة بالألمانية و لم يسمح إلا لاستقبال 20 طفلا على الأكثر، بعد تأجيلات متكررة من مستشفيات الجهة الناطقة بالفرنسية!!
كما كان قد أثار أيضا، قرار الحكومة الألمانية رفض مبادرة إنسانية أطلقتها عدة مدن كبرى ألمانية لاستقبال أطفال جرحى من قطاع غزة موجة استياء في الأوساط المحلية والسياسية، وسط اتهامات لبرلين بالتقاعس عن أداء واجبها الإنساني تجاه ضحايا الحرب، وحسب رئيس بلدية هانوفر، قوله:
«المدن الألمانية أظهرت استعداداً صادقاً لتقديم العلاج والرعاية للأطفال الأبرياء الذين يعانون من جراح الحرب في غزة، لكننا واجهنا جداراً من البيروقراطية والرفض»، ما نشرته مجلة دير شبيغل الألمانية،
: "أن أكثر من 16 ألف شخص في غزة يحتاجون للعلاج في الخارج، وحرمان الأطفال من
هذه الفرصة هو تصرف لا يمكن تبرئته !!"

تبريرات رسمية ورفض شعبي ألماني..
كما بررت وزارة الداخلية الألمانية قرارها في رسالة رسمية بالقول إن الأوضاع في غزة ما زالت «غير مستقرة وغير قابلة للتنبؤ»، مشيرة إلى أن خروج الأطفال للعلاج يتطلب "إجراءات معقدة لتحديد الهوية، وضمان أمن المرافقين، وتحديد تكاليف العلاج وإمكانية العودة".. وجاء في نص الرسالة، خصوصا قولها : "نحن نتشارك الرغبة في مساعدة المدنيين في غزة، وخاصة الأطفال، لكننا نرى أن تقديم الدعم الطبي داخل المنطقة هو الخيار الأنسب في الوقت الراهن"!!
غير أن هذا التبرير لم يُقنع العديد من المسؤولين المحليين في البلديات، الذين أكدوا أن المدن الألمانية كانت مستعدة بالكامل لاستقبال الأطفال وتأمين العلاج لهم في المستشفيات الألمانية المتخصصة، دون تحميل الحكومة تكاليف إضافية.
إسرائيل قد تستعيد حمير غزة بعد جولة سياحتها العلاجية في أوروبا
كما علق بعض أهل الاختصاص بالشأن الألماني قائلين:" قد يتجاوز التعاطف المُظهر مع الحمير في هذه الحالة (الألمانية) بكثير التعاطف المُظهر مع سكان غزة خلال العامين الماضيين. ومن غير المُستغرب أن يغفل المسؤولون الألمان عن ذكر المسؤول عن جوع الحمير - أو عن حرمان ما يقرب من مليوني فلسطيني". كما يُشيد بعضهم بحقيقة أن الحمير، أجل الله قدر السامعين، على الرغم من كل ما تحملته، تتمتع بثقة كبيرة" و"بدأت تزدهر ولو قليلاً"، هنا يكاد يكون الاهتمام المماثل بالحالة النفسية لسكان غزة غائبًا تمامًا في وسائل الإعلام الألمانية. ومع ذلك، هناك بُعد آخر يتجاوز السخرية الواضحة: " قصة وصول هذه البهائم (أي الحمير) إلى ألمانيا". حيث تقول ناطقة باسم حديقة حيوان أوبنهايم : "لقد تم التخلي عن هذه الحمير، أو إصابتها، أو إساءة معاملتها، أو الحكم عليها بالإعدام". وقد " أنقذت منظمات إسرائيلية لرعاية الحيوان، 50 حمارًا من غزة "!!.
و حسب مسؤولين المان قولهم بتبجح: " يجب الاشارة إلى أن ألمانيا تدعم في سبيل مكافحة المجاعة وبالتنسيق الوثيق مع الأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة الدولية شراءَ واستيرادَ وتوزيعَ عشرات الآلاف من الحاويات المُحمَّلة بالمواد الغذائية الأساسية، كما أنها تعد من أهم المانحين الرئيسيين للسلطة الفلسطينية"، وليس لغزة طبعا!!
الحمير وسيلة النقل الوحيدة المتاحة للفلسطينيين
حسب مصادر الجمعيات الخيرية والإنسانية في الميدان، فإنه منذ الإبادة الجماعية للبشر والحجر والشجر، أصبح الحمير في غزة وسيلة نقل أساسية للغزاويين، ففي ظل نقص الوقود وحالة الطرق المزرية وقلة السيارات والمراكب، تنقل الحمير ما تيسر من الجرحى والمرضى بلا كلل إلى العيادات، وتحمل الناس والبضائع أثناء هروبهم أو عودتهم إلى ديارهم، وتوزع الماء والطعام والإمدادات الحيوية. وبعيدًا عن سوء المعاملة أو التخلي عن الحيوانات المريضة والمصابة في غزة، تُعتنى بها وتُنقذ. وأبرزت مقالة في صحيفة الغارديان البريطانية نُشرت في أبريل 2025 أن فريقًا طبيًا واحدًا أنقذ أكثر من 7000 حمار منذ أكتوبر 2023. علاوة على ذلك، أفاد الصحفي طارق باي على قناة "إكس- تويتر" أنه وفقًا للأمم المتحدة، بحلول أغسطس 2024، أبيد 43٪ من ماشية غزة في ويلات الإبادة الجماعية التي ارتكبتها إسرائيل في حق البهائم والماشية. ومن هذا المنظور، فإن "إنقاذ" الحمير من قبل الجهات الفاعلة الإسرائيلية أشبه بالسرقة أو الاختطاف. إنه جزء من استراتيجية جيش الدفاع الإسرائيلي المستمرة: "حرمان الفلسطينيين من وسائل الإنتاج - وخاصة فلاحة الأرض وبساتين الزيتون - والنقل أمر ضروري للسيطرة على الاستعمار الاستيطاني والتهجير المنهجي للفلسطينيين. لطالما استُخدمت المبررات البيئية لإخفاء هذا التصميم؛ ويتحدث المنتقدون أيضاً عن "حرب بيئية": بدءاً من إعادة التشجير على يد "الصندوق القومي اليهودي"، إلى إنشاء المحميات الطبيعية التي تؤدي إلى تهجير الفلسطينيين وتعريض حياتهم للخطر، إلى "إنقاذ" الحمير المزعوم، في غزة و ما جاورها !!..
الغرب كالشرق في الشر سواء، و لا ناقة أو جمل للعرب والمسلمين فيه
هذا هو حال العالم اليوم في ألمانيا المتحضرة وفي الغرب عموما كالشرق في الشر سواء، الشر الذي لا بد منه” الذي يقض مضاجع الغرب لا ناقة أو جمل للعرب والمسلمين به. إنه نتاج غربي صرف وبامتياز !!
ويحضرني هنا كتاب أراه من أهم الكتب الفكرية التي صدرت بعد أحداث 9/11 للفيلسوف الأمريكي الشهير ريجارد بيرنشتاين بعنوان “إساءة استغلال الشر، فساد الدين والسياسة منذ 9/11″، وفيه يلوم لا بل يدين السردية التي سادت الغرب في حينه، وهي أن الشر الذي تعانيه البشرية سببه العرب والمسلمون!! و قد جرى استغلال “الشر” لأغراض نفعية وسياسية ودينية واقتصادية واستراتيجية بعد الأحداث الإرهابية المعروفة بـ9/11 بشكل بشع، وفق الفيلسوف الأمريكي. ما نراه الآن أن “الشر الذي لا بد منه” لم يعد جزءا من السردية الغربية وحسب، بل واقعا يقض دوله وشعوبه ومجتمعاته.. ولله في خلقه شؤون!!

