ومن هم الأتراك لولا الإسلام .. وعلى أي حسب يتكلون وبأي نسب يفخرون ؟

بقلم محمد مصطفى حابس: اسطنبول/ تركيا ـ جينيف / سويسرا


الإعلامية فاطمة التريكي، ليست تركية الجنسية حتى ولو أن في اسمها جذع الاتراك كما هو الشأن بالنسبة للعديد من العائلات المغاربية التي تحمل أسماء تركية أو لها علاقة عائلية من عهد الدولة العثمانية، كتركمان و بن تركية و بن تريكي ،الخ.. و الذي يعرفه العديد من هذه العائلات أكثر منا، انه كل أسماء العائلات المغاربية تقريبا التي تنتهي بحرفي الـ "جي" فهي من اصول تركية أصلا و فصلا، مثل قهواجي ، حلواجي ، بسطنجي، صابونجي، داوادجي ..الخ، كلها من أصول اركية.

 

طوٌر صناعة بلاده من السجاد والمكسرات والحلقوم الى السيارات والطائرات والدرونز :

 

إلا أن الإعلامية فاطمة التريكي لبنانية  الجنسية أظن و من المشرق تحديدا، لكن ميزتها أنها قلم وفكر ولسان وبيان، هذه السيدة بحق إضافة نوعية نادرة لقناة عملاقة كالجزيرة القطرية، بتحليلاتها للأخبار و حبكها في كلمات موجزة مركزة هادفة، وتعليقا على الانتخابات التركية الاخيرة، كتبت هذه الجمل على صفحتها، واصفة نباهة وإنجازات الرئيس التركي المنتهية ولايته ، رجب طيب أردغان، بقولها ، أن الرجل :

 "طوٌر صناعة بلاده من السجاد والمكسرات والحلقوم الى السيارات والطائرات والدرونز الأشهر في العالم، وصنع شبكة مواصلات تضاهي وتتفوق على أوروبا . تعليم مجاني متطور ، استشفاء مجاني في مستشفيات حديثة ، ضمان شيخوخة ضمان اجتماعي وحصل في الدور الأول من الانتخابات على 49.50 % ،  - وهو الرئيس للدولة التركية و المشرف على سلطتها المدنية و العسكرية  !!

هل فيه منكم من يفهمني، كيف أخذ الرئيس العربي الفلاني ( وذكرت أسماء) وأمثالهم بيجيبوا الـ 90%  من الأصوات ، من وين ؟؟

وردا على هذا الاستفسار، كتب معلقون تهكما من بعض حكامنا بقول أحدهم:

يجبوها من المطبعة 100 ورقة بربع جنيه وفوقها عشر دعاية ياعمي !!

وقال آخر : "من التزوير واستعمال المزور"، وقال ثالث : "عندنا في (بلداننا العربية) أصوات الناخبين أكثر من المسجلين وفيه عدد من الأموات يصوتون وأيام الفرز أطول من فترة حكم رئيس مدني" !! وقال رابع : " في بلدي عملنا انتخابات نيابية وبلدية قبل تركيا بيوم والمسجلين عندنا اقل من 1 مليون وثمانمائة الف مصوت ولحد الساعة لم يكتمل عندنا الفرز ناهيك عن التزوير!!"

و علق آخر ، منبها، أنه – لا قدر الله –  لو يخسر رجب الطيب أردوغان، هذه الانتخابات، ستقام له ولأصحابه المشانق من طرف العلمنية المتوحشة تدعمها من الغرب قوى الشر و الغدر، و ما أكثرها !!

 

بهذه المقدمة في التلاعب بأصوات الناخبين في دولنا العربية و الإسلامية منذ عهد الاستقلال، ورغم تهديدات الغرب و تخوفاته تبقى تركيا ديمقراطيا في أعلى الدول الأوروبية قاطبة من أنظفها، ناهيك عن عالمنا الإسلامي، وهذا راجع لتضحيات الأجيال التركية المؤمنة التي تحتكم للدين الإسلامي الحنيف، فمن غير الإسلام الدولة التركية لا تساوي جناح بعوضة، على حد تعبير أحد مشايخنا، و النسبة المتحصل عليها ، تشرف الحريات في العالم، خاصة لما يكون الحسم بالأصوات و ليس بالسياط !! ..

 

المنتخب لا يكفي أن ينتسب إلى هذا الوطن، دون أن يتحمل مسؤولياته في العمل للإسلام.

 

و هي ذات الاهداف التربوية الوطنية التي خطها مؤسس تركيا الحديثة البروفيسور نجم الدين أربكان، الذي انقلبت عليه المؤسسة العسكرية مرات و مرات و سجن مرات و مرات، لكنه ثبت و بقي متشبثا بالسلمية مهما كان الحال و الأوحال،  بقوله موصيا الشباب التركي عموما بهذه الأوصاف الحضارية المتجددة ، بحيث كتب - رحمه الله- يقول : "إن المسلم لا يكفي أن ينتسب إلى هذا الدين أو هذا الوطن، دون أن يتحمل مسؤولياته في العمل للإسلام. قد يواجه تحديات من الذين يتربصون بالإسلام وأهله، ولكنها تحديات تدفعه إلى مزيد من العمل. لا إلى الانكفاء والتردد، مصداقا لقوله تعالى:" وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا."

جيل أربكان والنورسي وعلاقة علماء الاتراك بالعلامة بن باديس وصحبه:

وقبل نجم الدين أربكان، هناك علماء أعلام، شامخة وازنة، كانت لها علاقات أخوة و تناصح بين الاجيال رغم ما كتبه العلامة عبد الحميد بن باديس عن أتاتورك، الا أن مودة التناصح و الاخوة في الفكر و التصور و الطرح و المنهج، قائمة مع أعيان تركيا، و مع العلامة النوراني النورسي، تحديدا !!

إذ ليس من متتبع لطلائع البعث الإسلامي المعاصر في تركيا، من يجهل اسم «سعيد النورسي» أو الحركة « النورية» التي بدأها وسهر عليها وغلغلها في صميم المجتمع التركي العلامة «سعيد النورسي» ، على حد تعبير قلم التحرير(الشيخ بوزوزو او الدكتور سعيد رمضان) لمجلة "المسلمون" السويسرية عدد 1964، هذا المجدد للجيل الواعد: سيان في ذلك مزارعي القرى، وطلاب واستاذة جامعات المدن، وذوي اختصاصات فنية مرموقة داخل أجهزة الحكم وخارجها: منهم من كتم إيمانه إذ بدا له أن من الحكمة والأناة ألا تستعجل الثمرة قبل أوانها. ومنهم من جهر بها وحمل علم الجهاد لها، فأذهل الذين ظنوا أن القبعة والأحرف اللاتينية وسني الحديد والنار قد سلخت الأتراك عن دينهم إلى غير رجعة، أو على الأقل قد سلخت عنه من أحرز من «العلم» والفن نصيبًا، وحررته من الدروشة التي لم تعد تليق إلا بالفلول المخدرة المستكينة تحت عجلات التقدم والتطور والتفرنج أسوةً بالرائد السالخ أو «الذئب الأكبر» كما يسميه كتاب الغرب: «مصطفى كمال ».

فإذا بكيد الكائدين يرتد في نحورهم، وإذا بالسالخ ومعه الحديد والنار يذهب ويندثر ويبقى الإسلام، وإذا بالتاريخ الماثل يسوق مصداق قول الله جلَّ علاه (أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَم مَّنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىَ شَفَا جُرُفٍ هَارٍ)   [التوبة

فلا غرو أن يلهم الله «سعيد النورسي» اسم النور عَلمًا على حركته، وأن يشتهر وصف تلامذته وأتباعه بالنوريين

ما أشد ما كادت له شراذم السالخين، مرات بالوعد ومرات بالوعيد، فما قضى لهم ذلك وطرًا، ولا نالوا به منه منالًا، فلم يبق إلّا «القتل غيلة» الذي تآمروا على إنفاذه المرة بعد المرة، بيد أن عناية الله حفظته وأنقذته حتى يستوفي أجله المقدور في إنجاز ما هيأه الله له من مهمة البلاغ وإشعال الجذوة وتحدي أعداء الله "، على تعبير مجلة المسلمون في ستينات القرن الماضي..

وتعاقبت فترات سجنه وملاحقته وإحصار الأنفاس عليه طيلة عشرات السنين دون أن يشفع له أنه نيَّف على التسعين! على أن تعاقب سجنه، واستعلان مدى الظلم الواقع به، وسموق سمته الصامد العملاق مع كل منحة وأذى... كل ذلك إنما كان من شأنه أن يجليّ النور في دعوته الإسلامية التي نذر حياته كلها من أجلها، وأن يضرم الجمرات المقدسات وراء هيئات الهشيم الموشكة أن تذروها الرياح!!

مضيفة بقولها :" .. وإلى القارئ صفحة من أنباء جهاد «سعيد النورسي» نضر الله روحه وجزاه عن دينه خير الجزاء. إنها قطوف من مرافعته الماجدة التي صدع بها بالحق، وهزّ محكمة «مصطفى كمال» أيام كان في عنفوانه يتحدى الحاضر والغابر... على أن عنفوان الإيمان أصدق وأبقى، وتحدّي العقيدة الصامدة قمين – أبدًا- أن يهتك ستر الأفاكين ويفضح فيهم خساسة المعدن واستنسار البغاث، وعد الله المجاهدين المؤمنين بإبطال السحر مهما استرهب به أهله الناس، ومهما ظنوا وظن أكثر المستضعفين تحت رقبتهم أنهم ما نعتهم حصونهم من الله !!

 
و للتاريخ صولة بعد المحاكمات الجائرة للأجيال في حق العلماء المجددين :

وهذا الامام المجاهد المجدد سعيد النورسي، حتى أثناء محاكمته الجائرة في محاكم " أتاتورك"، كان شهما، يرد على القاضي برباطة جأش و حكمة ويقين لا يداخله شك ولا ريب، عن منهجه و نظافة سير أصحابه وحركته الإسلامية بقوله :

نعم... نحن عبارة عن جمعية، وإنها لجمعية تحتوي في كل عصر على أربعمائة مليون من الأعضاء المنتسبين إليها...! وهم في كل يوم يعبرون خمس مرات عن أتم علاقتهم بالدستور العظيم لهذه الجمعية، وهم يتسابقون دائمًا إلى تحقيق أهم شعائرها، ألا وهو: «إنما المؤمنون أخوة» فنحن من أفراد هذه الجمعية المقدسة العظيمة، وظيفتنا تعريف المؤمنين بحقائق القرآن تعريفًا علميًا راسخًا، وذلك تعاونًا منا على اعتاق أنفسنا من سجن الأبدية الذي يتهددنا. بأي وجه تستطيعون إيقاف حركة (رسالة النور) وإنما هي عبارة عن خدمة حقائق القرآن، والقرآن حقيقة مرتبطة بعرش الله العظيم، ومن ذا الذي يستطيع الوقوف في وجه حقيقة ترتبط بعرش الله تعالى؟!

... مذكرا بقوله لجلاده : "أعلموا أنه لو كانت لي ألف روح فأنا على استعداد أن أفدي كل ذلك في سبيل أهم حقائق الكون وهو دين الله تعالى: وسأحتمي منكم بحصن واحد فقط هو : "حسبنا الله ونعم الوكيل"، مضيفا ومختتما، كلمته بشرح مستفيض لأحاديث الرسول المصطفى (ص):

روى الترمذي عن ابن مسعود أنه قال: قال رسول الله (ص): "سلو الله من فضله فإن الله يجب أن يسأل، وأفضل العبادة انتظار الفرج.""

وقال أقرب ما يتقرب به العبد إلى الله عزّ وجل: "أن يطلع الله على قلبك وأنت لا تريد في الدارين غيره."

 

"أيا صوفيا" والنفوس الملحدة المريضة التي ضاقت بهذا المسجد العامر، فجعلته بيتاً للأصنام أماتت فيه التوحيد: 

و هذا الشيخ علي الطنطاوي، يذكر محن الاتـراك بضياع  مسجد "أيا صوفيا"، إذ كتب عام 1935، تحت عنوان :" أيا صوفيا !!" :

... كان خادم أوتيل مكة المكرمة قد جاءني بأعداد مجلة الرسالة فأقبلت أصفحها، فرابني منها خبر هائل تصدع لهوله قلوب المؤمنين حزناً وتندى له الجباه حياء وخجلا، وتكل عن وصفه الألسنة دهشة وتفظعاً.

ذلك أن تلك الجمهورية (تركيا) لم يشف غيظ قلوبها كل ما صنعته بالإسلام

، فعمدت الى بيت من بيوت الله، تقام به شعائر الله فجعلته بيتاً للأصنام أماتت فيه التوحيد، وأحيت فيه الشرك وطمست منه آي القرآن وأظهرت فيه الصور والأوثان.

لم تضق بها الأرض حتى ما تجد مكاناً لمتحفها هذا الا المسجد الجامع.

ولكن النفوس الملحدة ضاقت بهذا المسجد، وأحس أصحابها كأن هذه المآذن في عيونهم، وكأن هذه القبة على ظهورهم. فعطلت الصلاة في أيا صوفيا فلا تقام فيه صلاة بعد اليوم وسكت المؤذن، ونأى عنها المؤمنون فلا يدخلونها الا مستعبرين باكين يندبون فيها مجد الاسلام وعظمة الخلافة، وشعروا أن أيا صوفيا قد ختمت فيها صفحة الاسلام باسم أتاتورك كما فتحت باسم محمد الفاتح.

أيا صوفيا التي صيح في مآذنها 872350 مرة حي على الصلاة وبات فيها المسلمون 174470 ليلة ولهم في جوفها دوي بالتسبيح والتهليل.

أيا صوفيا التي يشهد كل حجر فيها أنها بيت من بيوت الله وحصن من حصون التوحيد تعود للجبت والطاغوت ويخسرها الاسلام والشرق ليربحها الكفر والغرب!

لقد أريقت حول أيا صوفيا دماء زكية وزهقت في سبيلها أرواح طاهرة من لدن معاوية الى عهد الفاتح الى عهد عبدالحميد فراحت الدماء هدرا؟

ومن هم الأتراك لولا الإسلام .. و على أي حسب يتكلون وبأي نسب يفخرون ؟

يقول الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله مؤرخا لهذه الحقبة، حول نكسة شعب وضياع دين، ضياع آيا صوفيا، نقلا من نفحات الحرم، (ص. ص 69 - 71. باختصار) :  وعادت بعد 487 سنة، وكأنما لم يذكر فيها الله ولم تقم فيها الأئمة؟

ومن هم الأتراك لولا الإسلام ؟ على أي حسب يتكلون وبأي نسب يفخرون ؟ أبمجد رعاة البقر في تركستان !! أم بمجد أرطغرل بك؟

وقد جاء من مشرق الشمس بدويا جافيا فقيرا لا يملك الا لعنة ركائبه وطنب خيامه يفترش الغبراء ويلتحف السماء فصار أحفاده بالإسلام سادة القارات الثلاث؟

وإن الاسلام إن لم يكن بالترك يكن بغيرهم، ولكن الترك إلا يكونوا بالإسلام لا يكونوا والله بغيره أبدا .. و الله غالب على أمره و لكن  أكثر الناس من خلقه لا يعلمون !