71
0
حاسي القارة: من الفوضى إلى الانضباط.. نموذج محلي لإرساء "أمن الطفولة" المروري
مرسوم بلدي يُقوّض سطوة الدراجات النارية حول المؤسسات التربوية بالمنيعة.. هل تنجح التجربة في تحقيق الردع؟

لم يعد الأمن المروري حول المؤسسات التعليمية مجرد شأن تنظيمي، بل تحوّل إلى مؤشر حاسم لمدى التزام السلطات المحلية بـ "صيانة الطفولة". وفي هذا السياق، سجّلت بلدية حاسي القارة بولاية المنيعة خطوة استباقية تستحق التحليل، عبر إصدارها القرار البلدي رقم 180 لسنة 2025، الذي يُجرّم تجوال وتوقف الدراجات النارية بمحيط المدارس والمتوسطات والثانويات.
لحسن الهوصاوي
هذا القرار، الذي وقّعه رئيس المجلس الشعبي البلدي عبد المالك سعيدات، لا يستهدف فقط تنظيم حركة المرور، بل يسعى لمعالجة ظاهرة اجتماعية تُهدد سلامة التلاميذ بشكل مباشر، هي الفوضى السلوكية المرتبطة باستخدام الدراجات النارية، من سرعة مفرطة وإزعاج وتسبب في حوادث دهس متفرقة.

أبعاد القرار: الإطار القانوني وآلية الردع
يستند القرار إلى قاعدة قانونية متينة، تشمل قانون البلدية وقوانين تنظيم حركة المرور، ما يمنحه صفة الإلزامية والشرعية. لكن قوته الحقيقية تكمن في آلية الردع المعتمدة: الحجز الإداري.
تطبيق عقوبة وضع الدراجة النارية في المحشر البلدي لمدة ثلاثين (30) يوماً ليس مجرد إجراء، بل هو رسالة مزدوجة: الأولى للمخالف بـ تكلفة المخالفة التي تتجاوز الغرامة المالية لتصل إلى حرمان المالك من وسيلته لمدة شهر كامل، والثانية للمواطن بأنّ سلامة التلاميذ هي مصلحة عامة لا يمكن التفاوض عليها. يهدف هذا التشدد إلى تحقيق الردع العام والخاص، وإرساء ثقافة الانضباط حول محيط المؤسسات التربوية.
التحديات التنفيذية والشراكة الأمنية
نجاح قرار بهذه الأهمية مرهون بمدى فاعلية التطبيق على الأرض. وقد أدركت بلدية حاسي القارة هذه الحقيقة، فكلفت بتنفيذ القرار كلاً من الأمين العام للبلدية، وقائد الدرك الوطني، ورئيس الحضيرة. إن إشراك جهاز الدرك الوطني بشكل مباشر يُعطي للعملية بعداً أمنياً ويضمن التنفيذ الصارم والمستمر، بعيداً عن التساهل الذي قد تشهده القرارات التي تعتمد على المصالح البلدية وحدها.
ومع ذلك، تبرز تحديات تنفيذية أبرزها:
الاستدامة: ضمان استمرار تطبيق القرار بنفس الصرامة بعد مرور فترة الحملة الأولية.
القبول الاجتماعي: تحقيق التزام من قبل شرائح الشباب والمواطنين الذين يعتمدون على الدراجات النارية كوسيلة نقل.
إدارة المحشر: الحاجة لتوفير مساحة كافية وإدارة محكمة لعملية حجز وتحرير الدراجات.
نحو تعميم التجربة: حاجة وطنية لتنظيم محيط المدارس
يُعد قرار حاسي القارة نموذجاً رائداً يُضاف إلى جهود بلديات أخرى تسعى لتنظيم محيط مؤسساتها التعليمية. الأخطار المرورية حول المدارس هي مشكلة وطنية تتطلب تفاعلاً على مستوى الإدارة المركزية والمحلية.
إنّ التحول من مجرد إصدار التوجيهات إلى اتخاذ إجراءات حجز وعقاب صارمة يُشير إلى مرحلة جديدة من الإدارة المحلية التي تضع الأمن البيئي والاجتماعي في صلب أولوياتها. النجاح في حاسي القارة يمكن أن يمثل خارطة طريق للبلديات الأخرى، حيث يُثبت أن الإرادة السياسية المحلية يمكن أن تكون الأداة الأقوى في مواجهة الفوضى المرورية وصيانة حق الطفل في بيئة تعليمية آمنة.

