413

1

غذاء الروح في رمضان ...مَا عَلاَقَةُ الامتناعِ عن الشُّرْبِ وَالأَكْلِ بِالتّقْوَى؟

بقلم الاستاذ سيد علي دعاس 

الأَكْلُ وَالشُّرْبُ لِلْبَطْنِ، وَالتَّقْوَى مَكَانُه القَلْبُ. فَمَا دَخْلُ هَذَا بِهَذَا؟

أَلَيْسَ كَثْرَةُ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ لَهَا أَثَرٌ كَبِيرُ عَلَى فَسَادِ القَلْبِ وَغَفْلَتِهِ؟ فالبِطنة تُذهب الفِطْنَة... والشَّبَعُ يُقَسِّي القَلْبَ وَيَعْمِيهِ، وَالرَّسُولُ ﷺ يَقُول: "مَا مَلأَ ابْنُ آدَمَ وِعَاءً شَرَّا مِنْ بَطْنِهِ.[1]

والمَثَلُ الشّعبي عِنْدَنَا يقول: "إِذَا تْعَمْرَتْ الكَرْشْ تْقُولْ لَلْرَّاسْ غَنِّي".

لَكِنْ... ولِلْأَسَفِ... النَّاظِرُ لِوَاقِعِ المُسْلِمِينَ فِي رَمَضَانَ يَرَى العَجَبَ العُجَابَ... فَقَدْ تَغَيَّر الهَدَفُ مِنَ الصِّيَامِ، إذْ بَدَلاً مِنْ أَنْ يَكُونَ عِبَادَةً أَصْبَحَ عِنْدَ الكَثِير من المسلمين عَادَةً!

لَوْ كَانَ الأَمْرُ تَرْكُ الطَّعَامِ وَالشَّرَاب، فَمَا أَهْوَنَ الصِّيَامَ!

فَلْنَنْتبه وَلْنَحْذَر، حتّى لا نَدخل فِي قَوْلِه ﷺ: "رُبَّ صَائِمٍ حَظُّهُ مِنْ صِيَامِهِ الْجُوعُ وَالْعَطَشُ، وَرُبَّ قَائِمٍ حَظُّهُ مِنْ قِيَامِهِ السَّهَرُ".[2] ونَعُوذُ بِاللهِ أَنْ نَكُونَ مِنْ هَؤُلَاءِ.

يُحَذِّرُ النَّبيُّ - صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- في هذا الحَديثِ مَن يَقتَصِرُ صِيامُه على الامتِناعِ عنِ الأكلِ والشُّربِ، دون أن يَترُكَ الكَذِبَ والفُحش في القول... وليس مَعنى هذا أنْ يُؤمَرَ الصَّائمُ الَّذي تَلبَّسَ بمَعصيةٍ أنْ يَترُكَ صِيامَه ويُفطِرَ، وإنَّما المقصود هو التَّحذيرُ مِن قَولِ الزُّورِ أو العَمَلِ به، وتَعظيمُ الوقوع في هذه المَعاصي حالَ الصَّومِ، لأنّ ذلك سَببٌ في نُقصانِ أَجرِ عِبادَةٍ مِن أفضَلِ العِباداتِ.

وصدق أبو بكر غالب بن عبد الرحمن بن عطية المحاربي[3] القائل:

إذا لم يكن في السّمع منّي تصاون

              وفي بصري غض وفي منطقي صمت

فحظّي إذن من صومي الجوع والظما

                وإن قلت إنّي صمت يوماً فما صمت

فلنحرص... إخواني أخواتي... على ألاّ يَدْخُلُ رَمَضَان وَيخْرُج ونفوسنا لَمْ تَتَغَيَّرْ، نَجُوعُ وَنعْطَشُ وَقلوبنا لاهية غافلة عن استشعار روحانية الصّوم...

لَوْ قِيلَ لِأَهْلِ القُبُورِ: "تَمَنَّوا"... لَتَمَنَّوْا أن يرجعوا للدّنيا لِيصوموا يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ...

إنّنا فِي رَمَضَانَ شَهْرُ التَّوْبَةِ وَالغُفْرَانِ... فِيهِ تُغْلَقُ أَبْوَابُ النِّيرَانْ وَتُفْتَحُ الجَنّات، وَتُصَفَّدُ الجَانُّ...

لقَدْ آنَ الرَّحِيلُ وَنحن عَلىَ خَطَر... وعِنْدَ المَمَاتِ يَأْتيِنا الخَبَر... نَعُوذُ بِاللهِ مِنْ طُولِ الأَمَل...

وَقَدْ يِقُولُ قَائِلٌ: كَيْفَ تَحْصُلُ ثَمْرَةُ الصِّيَامْ التِّي هِيَ تْقَوى الله؟



[1]  عن أَبي كَريمَةَ المِقْدامِ بن مَعْدِ يكَرِب رضي الله عنه قالَ: سمِعتُ رَسُولَ اللَّه ﷺ يقولُ: مَا ملأَ آدمِيٌّ وِعَاءً شَرًّا مِنْ بَطنٍ، بِحَسْبِ ابنِ آدمَ أُكُلاتٌ يُقِمْنَ صُلْبَهُ، فإِنْ كَانَ لا مَحالَةَ فَثلُثٌ لطَعَامِهِ، وثُلُثٌ لِشرابِهِ، وَثُلُثٌ لِنَفَسِهِ". رواه الترمذي وقال: حديثٌ حسنٌ.

[2]  حديث صحيح رواه أحمد وغيره عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه.

[3]  الإمام الحافظ، الناقد المجوّد أبو بكر غالب بن عبد الرحمن بن غالب بن تمام بن عطية المحاربي الأندلسي، الغرناطي المالكي.

شارك رأيك

التعليقات

لا تعليقات حتى الآن.

رأيك يهمنا. شارك أفكارك معنا.

barakanews

اقرأ المقالات البارزة من بريدك الإلكتروني مباشرةً


للتواصل معنا:


حقوق النشر 2024.جميع الحقوق محفوظة لصحيفة بركة نيوز.

تصميم وتطويرForTera Services

barakanews

اقرأ المقالات البارزة من بريدك الإلكتروني مباشرةً


للتواصل معنا:


حقوق النشر 2024.جميع الحقوق محفوظة لصحيفة بركة نيوز.

تصميم وتطويرForTera Services