تستقبل الأمة المسلمة ، عيد الأضحى، بأيام مباركة، تحمل من الخير و الرحمة و المغفرة   ما لا يمكن أن  يعوض و لا أن  يغفل عليه، لاسيما  في عشر ذي الحجة الأولى،   التي تميزت  عن الأيام الأخرى بيوم عرفة، وهو اليوم  المنتظر للإلحاح في الدعاء و التقرب  ل الله عز وجل بمختلف الطاعات و العبادات التي تغفر فيه الزلات، وتجاب فيه الدعوات، ويباهي الله بعباده أهل السماوات.

شيماء منصور بوناب

يوم عرفة من أعظم أيام الله، ومن أجلّ وأعظم أركان الحج، وله فضائل كثيرة، وخصائص جليلة؛  ينبغي أن يعرفها المسلمون عموما، و الحجّاج على وجه الخصوص، ومن تلك الفضائل  التي  تظهر عظمة هذا اليوم  قال ، الشيخ موسى زروق ، إطار بالمركز الثقافي الإسلامي، ذكر الله له في كتابه الكريم في قوله جل جلاله :"فإذا أفضتم من عرفات... " وهذا يدل على فضله وشرفه، وأنه من أجل أعمال الحج، و أعظم شعائر الله.

مستشهدا أيضا ، بقوله  صلى الله عليه وسلم :"الحج عرفة " وهذا يدل على أنه أعظم أركان الحج، ولا حج إلا بالوقوف بعرفة؛ ولذلك فعلى الحاج أن يعظّم هذا اليوم، ويهتم به و يعرف مكانته، و ما ينبغي أن يفعل فيه.

 الدعاء في عرفة.... مستجاب 

وفي حديثه عن الدعاء في يوم عرفة،   ذكر قول نبينا صلى الله عليه وسلم: "خير الدعاء دعاء يوم عرفة، وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير."

موضحا، أن عظمة الدعاء و الالحاح فيه،  تظهر حين يستجيب رب الكون  الرحيم ،  الذي جعل يوم عرفة يوما لتعظيم الرغبة والإقبال عليه،  ومن دلالة ذلك ما قاله  العلامة ابن عبد البر: "دعاء يوم عرفة مجاب في الأغلب" .

من الدلالات الأخرى ، يشير الشيخ  زروق ، لأحاديث بعض السلف: "ما دعوت بدعوة يوم عرفة إلا رأيت الإجابة قبل الحول " ، لذلك  نجد أن  السلف  كانوا يدخرون دعواتهم لهذا اليوم العظيم. مع استحباب الإكثار من قول :" لا إله إلا الله..."

في ذات الشأن ، أوضح أن  النبي صلى الله عليه وسلم  جمع يوم عرفة بين الظهر والعصر جمع تقديم، وأفطر حتى يتقوى ويتفرغ للدعاء  لأنه على دراية و يقين تام بأن الدعاء هو الوسيلة الأعظم و الأقرب ل الله و لتحقيق الأماني و المعجزات التي طال انتظارها .

ولعل من بين أبرز و أحكم المظاهر التي تصف اجتهاد النبي المصطفى الحبيب في الدعاء في يوم عرفة، هو ما  ذكره أسامة بن زيد رضي الله عنه ، حين  قال : حرص النبي صلى الله عليه وسلم واجتهاده في الدعاء يوم عرفة   يظهر حتى وهو راكب على ناقته." يضيف الشيخ "

فضائل يوم عرفة

استطرد الشيخ زروق حديثه هن فضل بوم عرفة، بما جاء عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :" ما من يوم أكثر من يعتق فيه عبدا من النار من يوم عرفة، وإنه ليدنوا  ثم يباهي بهم الملائكة، فيقول : ما أراد هؤلاء؟" رواه مسلم.

مؤكدا، أن الانتفاع بيوم عرفة، يكون  بتحديد الهدف الرئيسي من هذا اليوم، ألا وهو  العتق من النار، خاصة وأن هذا اليوم يعد  باب يغفل عنه كثير من الناس لاشتهار أمر الدعاء والصيام عنه وانصراف الأذهان إليهما، وأصل العتق حديث مسلم المشهور عن أم عبد الله عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم: ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبدًا من النار من يوم عرفة.

وفي  مسألة ،  هل العتق خاص بأهل الموقف "عرفات"  أم للناس كافة، لفت محدثنا  لما لمحه  ابن رجب - رحمه الله - إلى عموم العتق وتصور وقوعه لغير حاج .. وعمومًا لعل هذا من الفقه الحسن، ومنه لابد من جعل غاية المغفرة والعتق  نصب أعيننا منذ بزوغ فجر هذا اليوم العظيم دون التغافل أو الاستهتار .

و طريق تحصيل العتق من النار  تكون  بالاجتهاد والعمل الصالح بأنواعه والإخلاص ورجاء ما عند الله وحسن الظن به والإلحاح في الدعاء.

 كما يكون الانتفاع من خلال تكفير سنة ماضية وأخرى قابلة، و الأصل في ذلك حديث مسلم النيسابوري المشتهر: أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والتي بعده .. قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم في صيام يوم عرفة." حسب ذات المتحدث".

يكون التكفير بالصيام؛ " بالقلب و الجوارح" بنية خالصة ل الله وحده ، ومن ثم كان اجتهاد المرء في تجويد صيامه باجتناب المحرمات ظاهرًا وباطنًا والإتيان بالواجبات والمستحبات أثناء صومه وتجديد توبته بكل صدق و نقاء.

ومن محور تحقيق الحاجات وتفريج الكربات ، التي تخص " الدين و الدنيا و الآخرة"،  نوه بأصل ذلك في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: اللهم أصلح لي ديني الذي هو عصمة أمري، وأصلح لي دنياي التي فيها معاشي، وأصلح لي آخرتي التي فيها معادي .. أخرجه مسلم  الإمام، شرك الالحاح في الدعاء.

    البدء بالتوبة الصادقة منذ فجر يوم عرفة، له من الفضائل ما يجهله الكثير أو قد يغفل عنه، فالتوبة و الاستسلام لأمر الله و الالحاح في الدعاء هو أحد أعظم أعمال اليوم التي تشترط  الطهارة والوضوء واستقبال قبلة وحضور قلب وبداءة بحمد الله والصلاة على رسوله والتماس الوارد والأثرة.

  ومن جانب الذكر في يوم عرفة،  قال زروق "الذي أفهمه من ظاهر كلام الأئمة أن القرآن أعلى الذكر وأفضله بإطلاق سواء يوم عرفة أو غيره وأن هذا لا يتعارض مع ما ورد من أذكار مخصوصة بيوم عرفة.

وتابع ، وعن مجاهد أنه سُئل عن قراءة القرآن أهي أفضل يوم عرفة أم الذكر، فقال: لا بل قراءة القرآن. وقد يحتمل أن الانشغال بالذكر أولى في المأثور بوقت أو حال معين كما نبه عليه النووي بعد حكاية تفضيل قراءة القرآن كأصل عام. وعمومًا لعل الجمع بين القرآن والذكر هو أقوم الطرق.

ومن الذكر في هذا اليوم: التكبير المطلق والمقيد بأدبار الصلوات من فجر يوم عرفة، الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد. وفيه الباقيات الصالحات: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر.

وفيه سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم وفيه الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وكذا أذكار الصباح والمساء والصلوات والتسبيح والتحميد والتهليل والتكبير والاستغفار وعموم الذكر، وكل ذكر يُتعبد الله به.

ما  عن  العمل الصالح كافة،  ذكر أن أعظمه التوحيد ومقتضياته من ولاء وبراءة وموالاة للمستضعفين وتوليهم ونصرتهم بكل سبيل ممكن والبراءة من الظلم وإنكار القلب للجور، ثم الصلوات الفرائض والسنن، ومن جملة العمل كذلك، الصدقة والبر والصلة والإحسان إلى الخلائق، وكل عمل صالح .. وركائز العمل ومبانيه تدور حول محورين:- إخلاص الدين لله وإرادة وجه الله عز وجل بالعمل. بالإضافة، لمتابعة النبي صلى الله عليه وسلم والتماس طرائقه وسننه في كل عمل.

وختم حديثه، "ومن أعظم الأعمال ؛ عمل القلب من انكسار لله عز وجل واستحضار الإنسان فجراته وغدراته وانكساره بها بين يدي ربه، ثم سلامة قلبه من الحقد والحسد، ثم سلامة قلبه للمسلمين واشتهاء الخير لهم. وكذا استحضار حسن الظن بالله ورجاء رحمته ومعاني التوكل واليقين والاستبشار بالله والرضا به.