97
0
في ذكرى ثورة التحرير..مسيرة كفاح خلدت أمجاد شعب وشرف أمة

في ذكرى ثورة التحرير..مسيرة كفاح خلدت أمجاد شعب وشرف أمة
عرفت الجزائر طيلة فترة استعمارها الفرنسي الكثير من المضايقات و العديد من اعتقالات لمختلف المناضلين و المجاهدين، حيث تفننت فرنسا في تعذيبهم و نفيهم، بالرغم من تلقيها الرفض القاطع من أبناء الوطن بأساليب و أشكال عديدة بسيطة نظرا لغياب الامكانيات الحربية و السلاح الذي لطالما كان محتكرا في يد الفرنسيين.
شيماء منصور بوناب
قابل الجزائريون الاستعمار الفرنسي بمقاومات متفرقة على مستوى التراب الوطني، قادها زعماء بعض المناطق و ثوارها . كما قاموا بمظاهرات سلمية ناشدوا بها فرنسا لإعطائهم حريتهم والاستقلال . فبالرغم من محاولتهم الدؤوبة في مواجهة الاضطهاد الفرنسي، إلا أن فرنسا قابلتهم بالتعنيف و القمع الذي فتك بالعديد من المواطنين، فارتكبت في حقهم مجازرا وحشية راح ضحيتها الآلاف من المواطنين الجزائريين تاركين أرامل و أطفال مهمشين ومنكوبين.
اجتماعات سرية مفصلية
عند تأزم الأوضاع على مدار السنين، انتفض الجزائريون تحت لواء واحد بعنوان “ما أخذ بالقوة يسترد بالقوة “، إذ قرر الجزائريون لم شملهم لمواجهة الاستعمار الفرنسي بأي وسيلة. فتوالت الخطط و الاستراتيجيات لتنظيم ثورة قوية لمواجهة العدو و لفرض الاستقلال التام للجزائر و الجزائريين .
استلم ستة رجال من أبطال الجزائر المستعمرة عبء التخطيط لتحرير وطنهم، من خلال تنظيم أعظم ثورة تاريخية في وجه الاستعمار الفرنسي الذي بسط براثنه في عقر دار الجزائريين طيلة132 سنة .
فيقول السيد “محمد بوقشورة ابن المناضل الراحل مراد” اجتماع الستة لم يكن هباء إنما جاء عقب عدة لقاءات و اجتماعات كادت أن تكون بصفة يومية في منزلنا القديم ” المتواجد حاليا برايس حميدو”.
و أضاف ذات المتحدث قائلا:”فعند اقتراب آخر لقاء للأعضاء، طلب من والدي تفريغ المنزل لثلاث أيام لتحديد مصير الجزائريين و لتفجير الثورة، فحدد يوم 23 أكتوبر1954، كاجتماع رسمي للجنة الستة لتحديد و تسطير الأهداف الأساسية لتفجير الثورة واتخاذ القرارات لتهيئة مسار العمل الثوري”.
و تابع بالقول: “تقرر بعد الاجتماع تفجير الثورة يوم الاثنين 01نوفمبر 1954 تزامنا مع ولادة خير الأنام كمناسبة دينية يتفاءل بها الجزائريين. كما تقرر إنشاء جيش التحرير الوطني و جبهته كهيئة رسمية تحدد هوية الثورة وتعطي لها صدى عالميا”.
ثورة احتضنها الشعب
ختمت اللجنة الستة اجتماعها السري بإصدار بيان أول نوفمبر الذي يحدد وجهة العمل الثوري ويقر بحتمية المواجهة الحربية بالسلاح. كما تم تقسيم مناطق الجزائر إلى ستة مناطق برئاسة أحد أعضاء اللجنة الستة. ويتعلق الأمر بكل من “مصطفى بن بولعيد قائد المنطقة الأولى و ديدوش مراد قائد المنطقة الثانية و كريم بلقاسم قائد المنطقة الثالثة و رابح بطاط قائد المنطقة الرابعة إلى العربي بن مهيدي قائد المنطقة الخامسة”.
وتخليدا للذاكرة الوطنية ولاجتماع الستة “يقول “محمد بوقشورة” أن والده طلب من صديقه ديدوش مراد، ترك بصمة تاريخية، تبقى كذاكرة حية من خلال التقاط صورة للأعضاء الستة الذين فجرو الثورة”.
عقب تفجير الثورة عقدت عدة مؤتمرات و هجومات قادها المجاهدون والشهداء الأبطال في سبيل التحرر و الاستقلال، حيث عرفت الثورة التفافا شعبيا كبيرا للثوار و الفدائيين الذين شاركوا في الكفاح بأيادي عارية دون أي سلاح أو حماية، تحت راية ” المجد و الحرية ” التي شهدت انضمام العديد من أبناء الوطن الواحد إلى صفوف جيش التحرير الوطني الذي تكفل بتنظيم العمل العسكري بمقاومة شرسة، جابت أنحاء الجزائر من شمالها إلى جنوبها ومن شرقها لغربها.
الاتفاق على الحرية والاستقلال
وفي إطار الاستمرار في العمل الثوري، يقول الباحث في الحركة الوطنية “أحسن السعيد ” أن فرنسا قامت بحملة اعتقالات في حق المناضلين و الثوار لكبح مشاركتهم في الحركة الوطنية ، على رأسهم “عبان رمضان” الذي ألقي القبض عليه من طرف الحكومة الفرنسية التي زجت به في السجن لمدة خمس سنوات من 1955_1950، بالإضافة إلى لرابح بطاط قائد المنطقة الرابعة الذي سجن سنة 1955 باعتباره قائدا ثوريا و موجها عسكريا للثورة” .
و إلى جانب المناضلين ظهرت الحركة الطلابية للنخبة المثقفة في الجزائر، تطالب بإيقاف التعسف والقمع الفرنسي، عبر انضمامهم للحركة الوطنية التي قال عنها ذات المتحدث “أحسن السعيد”” أنه في 19ماي 1956، شارك خمسة مئة طالب” من داخل و خارج الجزائر” في الإضراب معبرين عن رفضهم و سخطهم من الاستعمار الفرنسي.”
إضراب واعتداءات
في السياق ذاته أكد الباحث قائلا:”تواصلت بعدها الحركة الطلابية بنشاطات داخل الجامعة عبر الدعاية و المظاهرات، إلى غاية إنشاء مكاتب جبهة التحرير الوطني التي تكفل بتحضير البيانات و إرسالها للإذاعات العربية، من خلال إبراز نضال الشعب الجزائري و بطولات جيش التحرير و كل العمليات الفدائية”.
وتقرر بعد تفاقم الأحداث، تحديد يوم انطلاق الإضراب الوطني لمدة “8 أيام” الذي شارك فيه كل الجزائريين بصوت واحد و رسالة واحدة أي الاتفاق على ” الحرية و الاستقلال الكامل”.
يقول الباحث في الحركة الوطنية: ” أن الإضراب كان صعبا جدا، لأنه شمل بتضحيات عديدة المواطنين و التجار، لأنهم على إثر ذلك تعرضوا إلى اعتداءات فرنسي،ة ترغم الجزائريين على مزاولة عملهم التجاري الذي توقف عند مباشرة الإضراب الوطني، بالإضافة إلى مواصلة فرنسا سلسلة مجازرها التي راح ضحيتها العديد من الفدائيين من بينهم مجموعة “علي عمار ” التي رفضت الاستسلام و الخضوع للحكومة الفرنسية.”
شهادات حية حتى لا ننسى
لم تسلم أي أسرة جزائرية من ذكرى أليمة، و لا تخلو ذاكرة وطنية من كفاح و بطولات أبنائها الذين أفدوا أنفسهم في سبيل الحرية ، شهادات نقلها المجاهدون و سمع عنها الحاضرون بصدى يدوي و يسرد واقع أليم و مأساة حقيقية لم تنتهي حتى بانتهاء الاستعمار الفرنسي .
روي المجاهد “مزي صالح” لـ”بركة نيوز”، بداية نضاله في الحركة الثورية التي سرقت منه رفقاء عمره عبر السجن ثم الشنق أي” أخويه شفيق و يوسف مزي”.
بدأ حديثه قائلا:” نحن أبناء الحركة الوطنية .. شاركت رفقت إخوتي في الثورة بالرغم من التضييق التي قابلتنا من طرف فرنسا و بعض الرافضين للاستقلال”.
وكشف أنه في مسار الكفاح أسس “شفيق مزي”، فوج الكشافة الإسلامية تحت اسم ” الكفاح” في إطار تعليم الشباب و دعم الحركة الثورية التي جعلت من أخوتي يواصلون مسيرتهم النضالية، بالانضمام للحزب السري، حيث ذكر أنهم كونوا فريقا من المناضلين في “الأبيار “، متكونا من 16 مناضلا فدائيا قاموا بعمليات فدائية مختلفة في العاصمة، بالرغم من غياب السلاح الذي فرض عليهم اللجوء لعلب الطماطم و استعمالها كسلاح بدائي لمواجهة جنود الاستعمار الفرنسي كمرحلة أولى .
تعذيب وإعدام
في الجهة المقابلة، شهدت القصبة فريقا مكونا من80 فدائيا بقيادة “باسطا رزقي” الذي نظم سلسلة من العمليات الفدائية لعرقلة الحركة الفرنسية.
واستمرت بعدها العمليات المنظمة للمناضلين و الفدائيين بأسلحة بسيطة تحصلوا عليها بعد مقاومة جنود الاحتلال عبر “الكمين”و غيرها من الطرق إلى غاية إلقاء القبض عليهم و زجهم في السجن .
ويقول المجاهد “مزي”، ألقي علي القبض رفقة أخوتي و حكم علينا بالإعدام بعدما عذبونا أشذ التعذيب الذي لا يتحمله بشر، ف كم علي بالسجن سبع سنوات ذقت فيهم مرارة الحياة و عذاب الاستعمار، و بالنسبة لأخوتي فقد أعدموا مباشرة بعد صدور الحكم في حقهم.
وبالعودة إلى الذاكرة، يروي المجاهد ” صالح مزي ” حديث دار في يوم محاكمة أحد أخويه، حيث استهزأ القاضي الفرنسي بتصريحات الجزائريين قائلا:” كيف تقولون أنكم لستم ضد فرنسا، في حين تشنون الحرب علينا؟”، ليرد عليه أخ المجاهد مزي ” نعم لسنا ضد فرنسا إنما نحن ضد الاستعمار الفرنسي”.
علما أن وقع هذه الجملة الحادة بقيت إلى يومنا هذا، لتخلد بطولات شهدائنا الذين لم يكتفوا بالاستقلال و الحرية انما واصلو كفاحهم بإنشاء حكومة جزائرية مستقلة تماما عن فرنسا و شعبها.
أشرس المظاهرات
إن مواصلة الكفاح لا تقتصر على مكان الاستعمار، وإنما نقل الثورة لعقر دار المستعمر . تحت هذا الشعار عاد المجاهد “محمد غفير” ليروي رحلته النضالية إلى قلب فرنسا عام 1954 بعدما تحصل على شهادة الميكانيك التي مكنته بأن يكون مسؤولا في جبهة التحرير في باريس، حيث عمل على تنظيم المشاركين و المنظمين للحركة التحررية و عزل الوشاة عنها .
ولأن مسيرة الاستقلال فرضت على جيش التحرير وجبهته انشاء منطقة سابعة في باريس لضمان الاستقلال الشامل ، فيقول عنها المجاهد محمد كليشي إن “نقل الثورة لفرنسا و المشاركة فيها لا علاقة له بالخوف و الاختباء وراء الاستعمار الفرنسي”. على خلفية أنه شهدت المشاركات النضالية في قلب فرنسا “باريس ” التفاف الجالية الجزائرية حولها، فحسب ما أفاده المجاهد ” كليشي”، فقد شهدت أيضا مشاركات فرنسية لبعض المساهمين في مناصرة الشعب الجزائري في تقرير مصيره”. من بينهم المفكر و الفيلسوف جون بول سارتر الذي عمل على تزويد الجزائريين بمعلومات عن الحكومة الفرنسية.
استعرض المجاهد في حديثه عن الثورة، واقع الدعم المادي الذي قدمته الجالية الجزائرية في سبيل الحرية ، التي فاقت 80 بالمئة من أموال خزينة الثورة. وأشاد أيضا لأسبقية التحضير لأكبر المظاهرات وأشرسها، نظرا لما أرتكب في حقهم كمتظاهرين طالبوا بالحرية و الاستقلالية.
جاءت مظاهرات 17 أكتوبر 1961 كآخر محطة من محطات معركة الجزائر التي سبقها تنظيم محكم لمظاهرات الخمسة أيام لتحديد دقيق في اليوم و طريقة التظاهر “سلميا أو بالسلاح”. يقول فيها المجاهد غفير ” خرجت الجالية الجزائرية في أزقة عاصمة فرنسا بكل سلمية ، فقوبلت بالتعنيف و القمع الذي حصد أرواح مئات الضحايا ، أصغرهم طالبة جزائرية كتبت عنها في كتابي تخليدا لروحها و كفاحها ” الطالبة فاطمة بداري” التي قتلت بظلم العدو الفرنسي أثناء خروجها في مظاهرة سلمية لم تلق منها سوى القتل و رمي جسدها الصغير في كيس بلاستيكي لا ينصف حقها .
وخلال المظاهرات الأخيرة أبدعت فرنسا في قتل المتظاهرين بإلقائهم في نهر السين و شنقهم من الرقاب بسلاسل حديدية أو صب عليهم البزين ليموتوا حرقا . منهم أيضا حسب شهادة المجاهد كليشي من ألقي في قلب البحر بطائرة فرنسية مواجهين بأجساده الضعيفة برد البحر وخطر الغرق.
ذاكرة وطنية و فخر
إن كفاح مدة 132 سنة ،كلل بالحرية و الاستقلال ، بفضل نضال الشهداء و المجاهدين الذين أفنوا حياتهم في سبيل أن ينعم جيل اليوم بالمجد و الحرية . جزائر اليوم هي ثمرة كفاح أبطال الأمس . فتخليدا لرمزية الاستقلال يقول الأستاذ علال بيتوراستاذ جامعي في تاريخ الجزائر المعاصر “إن ثورة أول نوفمبر1954 كانت منعرجا حاسما في تاريخ الجزائر الذي أرجع التاريخ لمساره الحقيقي، بحيث أصبحت الجزائر حضارة مستقلة بحد ذاتها لا تنتسب لفرنسا.
وإن الاحتفال بستنية الاستقلال يبقى مرهونا ببطولات عظماء الثورة الذين أعلنوا عن أخويتهم و تشابكهم الواحد في ثورة عظيمة حطمت غرور المستعمر الظالم.
فبالرجوع لأحقية الذكرى التي تفرض تخليدها في ذاكرة وطنية عند شباب اليوم لابد من إعطاء الأهمية للواقع الاقتصادي و الاجتماعي.. الذي يعيشه الشباب” . وأضاف الأستاذ “علال” في هذا الصدد أن الظروف الحالية التي تواجه الشباب تجعله يبتعد قليلا عن التاريخ دون أن ينسى خلفيته التاريخية” .
من جهته تحدث السيد أحسن السعيد عن ضرورة مراجعة المنظومة التربوية لأنظمتها و سياستها لحماية الذاكرة الوطنية و لزيادة التفاف الجيل الجديد للتاريخ و حقائقه بوسائل رقمية الكترونية.