467
0
فرحة عيد عرجاء في ديار الغربة يشوبها مذاق عذاب مضاعف في السجن
الحاجة إلى وقفة تقييم فردية صارمة لعلاقة السجين بدينه ولو خلف الجدران !!
محمد مصطفى حابس : جينيف / سويسرا
على غرار باقي بلاد الإسلام والمسلمين في مثل هذه المناسبات، استقبلت مساجد ومراكز جاليتنا المسلمة في أوروبا صبيحة يوم عيد الأضحى، على وقع أهازيج الفرح باكتمال عبادة الركن الخامس -الحج المبرور- بالتلبية والتكبير و الحمد، مرددة ما يقوله الحجاج في بيت الله الحرام في مثل هذه الأيام على بعد آلاف الكيلومترات، و المتوارثة جيلا بعد جيل :
«لبَّيكَ اللَّهمَّ لبَّيكَ، لبَّيكَ لا شَريكَ لكَ لبَّيكَ، إنَّ الحَمدَ والنِّعمةَ لكَ والمُلكَ، لا شَريكَ لكَ ..
الله أكبر، الله كبر، الله أكبر، لا إله إلا الله.. الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد .. »
حيث ركز الخطباء هذه السنة بعد تلك السنوات العجاف التي مرت عليهم أيام جائحة كورونا التي كدّرت صفو العيش والاحتفال مدة معتبرة، خروجنا منها سالمين بحفظ الله و ستره !!
وفي خطبة مشتركة في عمومها ، ذكر الخطباء بتوفيق الله للجميع للاحتفال بعيد الأضحى المبارك الذي صادف نهاية الامتحانات وبداية العطلة الدراسية والاجتماعية، كما وفقهم الله لصيام يوم عرفات والبعض من الأيام العشر لذي الحجة، على الرغم من حرارة الطقس المباغتة في بعض الجهات جنوب القارة الأوروبية، الأمر الذي ألهب حتى بعض الجبال وأتلف كما معتبرا من المحاصيل، كما ألهبت الأسعار القدرة الشرائية للمواطن المتوسط الحال، خاصة منها في مواد أساسية في الغذاء و المحروقات كالغاز والبنزين ، جراء مضاعفات الحرب الروسية الأوكرانية التي لازال وهج لهيبها يقضم أطراف أوروبا الشرقية و الغربية ..
مضاعف العيد في السجن بعد سنوات عجاف كانت بمذاق وباء كرونا
كما دعي كاتب هذه السطور - في مثل هذه المناسبات، مع ذهاب بعض خطبائنا للحج و غياب بعضهم الآخر في أسفار- ، لإلقاء خطبتي العيد، في مكانين مختلفين، صباحا باكرا لخطبة العيد في مسجد " السلام" مع جاليتنا المسلمة، و ظهرا دعينا لصلاة العيد وخطبتيها على السجناء ومعتقلي السجن الكبير " بوا ميرمي " بمدينة لوزان العاصمة الأولمبية السويسرية، أين خطبنا على عشرات الجنسيات المسلمة باللغتين الفرنسية والعربية ، علما أن السجناء جلهم شباب في عمر الزهور ، من 18 الى 40 سنة تقريبا، و فيهم من اعتنق الإسلام من الأوروبيين وهو في السجن، هذا ما عرفناه، بعد أن تناولنا معهم حلويات العيد و مشروباته التي أحضرها بعض المحسنين المسلمين للسجن مشكورين !!
فعيد الأضحى المبارك هذه السنة 1444 هـ ، جاء بعد سنوات عجاف بمذاق وباء كرونا الذي أخذ منا أحبة كثرا، وحرم بعضنا من أمور كثيرة، بحيث ألقت علينا مواعظ ودروسا بالغات قاسيات، لو وعيناها واستفدنا منها لغيرت حياتنا باتجاه المزيد من الصلاح والخيرية والبركة والرحمة الكونية العامة، تنويرا للعقول، وجمعا للطاقات، وتوحيدا للجهود، و رفعا للهمم ، فما بالك بالنسبة للسجناء والمعتقلين المساكين و في ديار الغربة الموحشة لأشهر ، بل و لسنوات لبعضهم الآخر !!
فالأعياد، كما هو معروف، مناسبات هامة للفرح بالمنجزات التي حققها الإنسان أو المجتمع في حياته في سنة كاملة بحلوها ومرها. وعيد الأضحى مناسبة للفرح بتتويج شعيرة عبادية عظيمة في الدين والحياة، وهي حج بيت الله الحرام الذي يرجع منه الإنسان كيوم ولدته أمه! وهل هناك أعظم فرحة من ذلك في حياة الإنسان؟ كما ينال فيها غير الحاج ممن شارك الحجاج في عبادتهم العظيمة بإحياء العشر الأول من ذي الحجة، وختمها بصيام يوم عرفة الذي يغفر الله به ذنوب سنتين كاملتين ماضية وقادمة بإذن الله تعالى! وهل هناك أعظم فرحة من ذلك أيضا لغير الحاج، و المعتقلين منهم خاصة في بلاد المهجر لأسباب متعددة ؟؟
الأعياد مناسبات ومحطات مهمة للمحاسبة، حتى في المعتقل :
وليس هذا فحسب، بل الأعياد كذلك مناسبات ومحطات مهمة في حياة الأفراد والمجتمعات، تتيح لهم الفرصة لمحاسبة أنفسهم، وتقييم أوضاعهم، ومعرفة أين هم بالضبط مما ينبغي لهم أو يكونوا عليه في حياتهم؛ من الصلاح والاستقامة والخيرية والبركة والرحمة ؟ فمن لم يستحضر هذا المعنى أو هذا البعد في عيد الأضحى، ولم يقيم نفسه، ولم يستشرف مستقبله، ولم يجدد حياته لتحقيق المزيد من الصلاح والخيرية والبركة والرحمة لنفسه وللآخرين، فقد حرم نفسه من شيء كبير، وفوت عليها فرصة عظيمة.. جد عظيمة !! فما بالك بالسجناء و المعتقلين وهم في بلاد الغرب ، لا زيارة أقارب و لا من يواسيهم، مع عدا المحامي أو الامام الذي يزورهم كل جمعة لربطهم بالصلاة و الدعاء و الأمل في الله أولا و آخرا !!
أحسن زاد السجين القرآن الكريم كلام رب العالمين :
نقلا عن مقال شيق بعنوان :" سلسلة القرآن يتحدى"، كتب الدكتور أحمد مُحمَّد زين المنّاوي، حفظه الله ما يلي : قال المكذِّبون بالقرآن، إن مُحمَّدًا (ص) قد افتراه، فردّ عليهم القرآن بحسم: إن كان حقًا ما تقولون فأتوا أنتم بسورة واحدة من مثله وإن لم تفعلوا، ولن تفعلوا، فمعنى ذلك أن هذا القرآن ليس كما تزعمون!
إنه يتحدَّاهم، بقوله تعالى في سورة البقرة ، الآية 23: وَإِن كُنتُمْ فِى رَيْبٍۢ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَىٰ عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍۢ مِّن مِّثْلِهِۦ وَٱدْعُواْ شُهَدَآءَكُم مِّن دُونِ ٱللَّهِ إِن كُنتُمْ صَٰدِقِينَ يتحدَّاهم بسورة واحدة فقط ولا يهم طولها أو قصرها!!
ولهم أن يستعينوا على تحقيق هذا المطلب بمن شاؤوا، وبما شاؤوا
فتأمّلوا هذه الثقة المطلقة في رب العالمين، لسجين وهو يتلو القرآن، رغم ما اقترفه من أخطاء فيما سبق هذه الثقة التي لا يمكن أن تتأتى لأي أحد مهما بلغ من العلم.. سوى اللَّه عزّ وجلّ!
تخيّل أنك تُؤلّف كتابًا ثم تتحدَّى البشر أجمعين أن يأتوا بمثل صفحة واحدة فقط من مثل ما أتيت به أنت! هيا بنا إذًا لنرى لونًا جديدًا من المنازلة، في أقصر سورة في القرآن على الاطلاق، و التي يحفظها العام والخاص منا، نعم أقصر سورة ، أي سورة الكوثر، التي لها علاقة وطيدة بعيد الأضحى المبارك، فيما يخص أمر المسلم بالصلاة و النحر، وقد عرجنا عمدا على بعض معانيها باللغتين، مع السجناء في خطبة العيد ، قال تعالى :
إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ (1) فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (2) إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ (3)
1. Nous t’avons certes donné un Fleuve d’Abondance.
Cette traduction a le mérite de rendre compte des deux sens du mot « kawthar » : abondance tout court dans ce bas monde, (dans ce cas l’expression « fleuve d’abondance » serait une hyperbole par métaphore, comme dans l’expression « un fleuve d’idées » ou l’expression « corne d’abondance »), et fleuve qui en porte le nom au Paradis.
فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَٱنۡحَرۡ
2. Observe donc la Çalât pour ton Seigneur, et sacrifie !
إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ ٱلۡأَبۡتَرُ
3. C’est celui qui te hait qui sera sans postérité.
الإعجاز العلمي و العددي في سورة الكوثر (الصلاة و النحر):
و الإعجاز العلمي و القرآني الكبير في العدد عشر، الذي تزخر به هذه السورة، ليست من إبداع البشر، بل وحي من السماء من رب البشر لسيد المخلوقات ونبي كل البشر، وهذا جزء من هذه المعاني العجيبة، نقلا عن :
عدد كلمات سورة الكوثر 10 كلمات!
الآية الأولى تضمّنت من الحروف الهجائية 10 أحرف!
(أ ث ر ط ع ك ل ن و ي)..
الآية الثانية تضمّنت من الحروف الهجائية 10 أحرف!
(أ ب ح ر ص ف ك ل ن و)..
الآية الثالثة تضمّنت من الحروف الهجائية 10 أحرف!
(أ ب ت ر ش ك ل ن هـ و)..
أكثر الحروف تكرارًا في السورة هو حرف الألف وقد تكرّر فيها 10 مرّات!
من بين الحروف الهجائية التي تضمّنتها السورة هناك 10 أحرف ورد كل منها مرّة واحدة!
الحروف غير المقطَّعة تكرّرت في السورة 10 مرّات!
جميع آيات السورة خُتمت بحرف الرّاء، وهو الحرف رقم 10 في قائمة الحروف الهجائية!
السورة تنتهي بحرف الرّاء وسور القرآن التي تنتهي بحرف الرّاء عددها 10 سور آخرها الكوثر!
ولفظ (سورة) بالمفرد والجمع ورد في القرآن 10 مرّات!
الكلمات التي تنتهي بحرف الرّاء من بداية سورة الكوثر حتى نهاية المصحف عددها 10
السورة تبدأ بكلمة (إِنَّا) وأوّل آية تبدأ بهذه الكلمة في المصحف عدد كلماتها 10
وهكذا تستمر معك سورة الكوثر، وهي أصغر سور القرآن في إيقاع عُشاري عجيب!
خيرُ الناسِ أنفعُهم للناسِ ولو بين أربعة جدران :
فالإنسان في مثل هذه الأوقات و الظروف الصعبة يحقق من النجاحات في حياته، وينال من المقامات الكبيرة في الدنيا والآخرة، بقدر ما يحققه من الصلاح والاستقامة والخيرية والبركة والرحمة في مثل هذه المحطات العابرة من العمر؛ في نفسه وفي المجتمع والعالم الذي يعيش فيه مع بني جنسه. وفي هذا المعنى جاء قول الرسول عليه الصلاة والسلام ( خيرُ الناسِ أنفعُهم للناسِ ) وفي رواية أخرى للحديث: ( أحبُّ الناسِ إلى اللهِ أنْفَعُهُمْ لِلنَّاسِ ). فمن أراد أن يحبه الله، وأن يجعله من خير الناس، فعليه أن يعمل على رفع مستوى نفعه لنفسه ولغيره من الناس في مجتمعه وفي العالم بقدر ما يستطيع ولو كان بين أربعة جدران ..
و لذلك فإن أهم ما ينبغي أن يقيِّم به الإنسان نفسه بهذه المناسبات العظيمة، هو علاقته بدينه؛ هل هي علاقة صحيحة وصحيَّة ومتنامية وناجحة ؟ أم أنها علاقة مضطربة ومرتبكة ومقلقة وغير سوية ؟ فالعلاقة الصحيحة بالدين هي طريق وشرط نيل محبة الله تعالى، والفوز بمقام الأخيار من عباد الله الصالحين، وهي شحنة ربانية تجعل السجين معلق بربه و هو بين أربعة جدران، ينتظر فرج الله عليه، و هو عازم على تصحيحه مساره و استدراك تقصيره في حق نفسه و عائلته !!..
في المناسبة العظيمة تقييم العلاقة بالدين هي القضية الأساسية و الجوهرية:
وقد يتساءل بعضنا بقوله : ولماذا تقييم العلاقة بالدين هي القضية الأساسية و الجوهرية في هذه المناسبة العظيمة والتي يجب علينا ان نعتني بها؟
و الجواب: لأنه بصلاح العلاقة بالدين تصلح العلاقة بالله، ومن صلحت علاقته بالله فقد صلحت علاقته بنفسه وصلح تبعا لذلك أمره كله؛ الدنيوي منه و الأخروي على حد سواء.. أما من اختلت وفسدت علاقته بالله فقد فسدت علاقته بنفسه وبالناس وبالطبيعة، وأصبحت حياته الدنيوية والأخروية معا في خطر عظيم أو في مهب الريح ، كما يقول العرب - لا قدر الله-، لأن الدين بما فيه عقيدة وشريعة وأخلاق وقيم مطابقة لحقائق الفطرة الكونية والإنسانية، وحقائق الوجود الإلهي، هو المركز الذي تدور حوله الحياة الإنسانية، وتنشدُّ إليه، وتحافظ به على توازنها وخيريتها وبركتها ورحمتها الكونية، فإذا اهتزت العلاقة به أو ضعفت، اهتزت واخلت وضعفت الحياة كلها تبعا لذلك
ولهذا كان الرسول (ص) يكثر من هذا الدعاء العظيم لتضمنه صلاح الدين الذي به يصلح كل شيء: كانَ رَسولُ اللهِ (ص) يقولُ: اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لي دِينِي الذي هو عِصْمَةُ أَمْرِي، وَأَصْلِحْ لي دُنْيَايَ الَّتي فِيهَا معاشِي، وَأَصْلِحْ لي آخِرَتي الَّتي فِيهَا معادِي، وَاجْعَلِ الحَيَاةَ زِيَادَةً لي في كُلِّ خَيْرٍ، وَاجْعَلِ المَوْتَ رَاحَةً لي مِن كُلِّ شَرٍّ )( رواه مسلم).
فمن أراد صلاح نفسه، وصلاح أهله، وصلاح محيطه، وصلاح دنياه، وصلاح آخرته، فعليه بإصلاح دينه، وتوثيق صلته به، والعض على ذلك بالنواجذ..
نماذج تطبيقية حية عن دور صلاح الدين في رفع مقامات الإنسان الدنيوية والأخروية :
و في سير الأنبياء والرسل والتابعين الصالحين نماذج تطبيقية حية عن دور صلاح الدين في رفع مقامات الإنسان الدنيوية والأخروية الى أرقى المقامات وأسعدها، مثال ذلك النبي العظيم الذي ارتبطت مناسبة عيد الأضحى به، وهو سيدنا إبراهيم الخليل عليه السلام، الذي اختاره الله تعالى خليلا له! وكفى به مقاما أولا عظيما! وجعله إماما للناس، وكفى به مقاما ثانيا عظيما! وجعله أبا للأنبياء، وكفى به مقاما ثالثا عظيما! وخصه مع سيدنا محمد - (عليه الصلاة والسلام)- بالصلاة والتبريك عليهما في أعظم شعيرة من شعائر الإسلام وهي الصلاة! وكفى به مقاما رابعا آخر عظيما! حيث يدعو له ملايير المسلمين عبر القرون بالمزيد من الثناء عليه، وطلب رفع مقاماته في عالمي الإنس والجن، استجابة لدعائه عليه السلام الذي جاء فيه: ( رَبِّ هَبْ لِي حُكْماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ (83) وَاجْعَل لِّي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ (84) واجعلني من ورثة جنة النعيم (85)( الشعراء ). أي تفضل علي بثناء حسن، وذكر جميل، وقبول عام في الأمم التي تجيء من بعدي، فأعطاه الله ذلك فجعل كل أهل الأديان يتولونه ويثنون عليه، وفي مقدمتهم نحن المسلمين الذين يحتل مكانة عظيمة في صلاتنا كما سبق بيان ذلك.
لما يكون للحياة طعم يصير للأسماء معنى :
لما يكون للحياة طعم يصير للأسماء معنى ، أسماء ترددها الأجيال عالية الصدح قوية الرنين ، فإذا كان ارتباط اسم سيدنا إبراهيم الخليل بالحج ومناسكه هذه الايام، وارتباط اسم زوجته السيدة هاجر المصرية أم سيدنا إسماعيل بماء زمزم، وارتباط ميقات " بيار علي" ، بعلي بن دينار من دارفور بالسودان و ليس بسيدنا علي بن ابي طالب كما يظن بعضنا، فهناك أيضا من التابعين الكبار الذين ارتبطت حياتهم بالعدل والخيرية للناس جميعا، اذ لم يكن الا نموذجا للحاكم الراشد الصالح في مدة حكمه وهو لا يزال شاب، وفي هذا المقام استوقفتني هذه القصة الرائعة، تحكيها لنا كتب التاريخ و السير بأسلوب شيق مشوق، مبتدئة بقول الراوي :
بينما يتجول المنادي في الشوارع وهو ينادي بأعلى صوته ويقول:
من يريد الزواج .. زوجناه !!!
من يريد أن يبني بيتا .. بنيناه له !!!
من عليه دين قضيناه له !!!
من يريد أن يذهب إلى الحج أو يعتمر أخذناه !!!
هذه العبارات .. لم تقل في عصرنا الحالي ولا في عصر النهضة الأوروبية !! ولم تقل في دولنا النفطية الإسلامية الغنية !!!
الذي أمر بها أن تقال هو: الخليفة الذي مات وعمره 40 عاما فقط إن
إنه الخليفة الأموي الراشد : سيدنا عمر بن عبد العزيز ، رضي الله عنه و أرضاه.
و القصة تقول أنه لما جاؤوا إليه بأموال الزكاة الكثيرة في أحد الأعوام ..
قال للمشرفين على خزينة بيت مال المسلمين: أنفقوها على الفقراء، فقالوا : لم يعد في أمة الإسلام فقراء !!
قال لهم : جهزوا بها الجيوش، قالوا : جيوش الإسلام تجوب الدنيا !!
قال لهم : زوجوا بها الشباب ، فقالوا: من كان يريد الزواج زُوِجناه، وبقي مال كثير !!
فقال لهم : اقضوا الديون عن المدينين فقالوا : قضيناها وبقي مال !!
فقال لهم : انظروا إلى ( النصارى واليهود ) من كان عليه دين فسددوا عنه .. ففعلوا وبقي مال !!
فقال لهم : أعطوا أهل العلم .. فأعطوهم وبقي مال !!
فقال لهم : اشتروا قمحاً وانثروه على رؤوس الجبال حتى لا يقال : جاع طير في بلاد المسلمين
المقامات العظيمة لرجال أمة عظيمة تهاب نزالها الشجعان:
يا سبحان الله أي حاكم هذا و أي نموذج من الحكم و التسيير!!
لقد وفى و كفى هذا الحاكم الراشد، لم يخدم الإنسان فحسب، بل حتى الحيوان وبهيمة الانعام !!
أين نحن من ذاك الزمن الجميل؟؟ أين كنا و كيف أصبحنا ..؟؟
كنا أمة عظيمة تهاب نزالها الشجعان، بل أقوى أمم المعمورة لما كان الحاكم المسلم رباني، يسير الراكب من صنعاء إلى حضر موت، لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه، كما جاء في الحديث، أما اليوم فنحن لسنا فقط في ذيل ترتيب الأمم، بل يقتل بعضنا بعضاً.
فبماذا نال سيدنا عمر بن عبد العزيز هذه المقامات العظيمة الرفيعة وكل مفاتيح ثراء الدنيا وخيراتها بين يديه ؟ وبماذا نال سيدنا إبراهيم الخليل هذه المقامات قبله وغيرهما كثر؟؟
لقد نالوها بفضل صلاح دينهم، واستقامتهم عليه، واعتزازهم به، وحرصهم على أن يستفيد الناس من بركاته ورحمته، واستعدادهم للتضحية من أجله بكل غالي ونفيس، حتى ولو تعلق الأمر بأعز الناس إلى سيدنا ابراهيم فلذة كبده ابنه إسماعيل عليه السلام، بل وحتى بنفسه هو عليه السلام كما حدث له مع النمرود حينما ألقاه في النار، فلم يتزعزع أو يضعف أو يهتز إيمانه بدينه، أو يخامره أي هاجس للمساومة فيه، بل ازداد ثقة في الله واعتزازا بدينه، وإصرارا على الالتزام به، والدعوة إليه، والعمل على التمكين له في عقول الناس ونفوسهم وواقع حياتهم المعيش!!
ضرورة بذل الجهد الفردي لإصلاح وترميم البنيان
بذل الجهد في العمل على إصلاح وترميم البنيان المتهاوي جراء كثرة المعاصي خاصة قبل أن يأتي يَوْمَ لَا يَنفَعُ فيه مَالٌ وَلَا بَنُون- إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ.
فمن أراد نيل هذه المقامات الدنيوية والأخروية الرفيعة، فعليه بإصلاح علاقته بدينه، بالمزيد من التعلم له، والتفقه فيه، والإلتزام به، والدعوة إليه، والعمل على إيصال هداياته إلى جميع الناس، بلسان حاله ومقاله معا، وبدعم كل جهد يعزز مكانة الإسلام في الحياة، يقوم به غيره من إخوانه المسلمين.. قال تعالى:
يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ - إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ - الَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (سورة فاطر: 5-7).
:خدمة ديننا بكل ما نستطيع ولو داخل أربعة جدران
فلنحرص على خدمة ديننا بكل ما نستطيع، وبكل ما نملك من جهد ووقت وذكاء وخبرة وتجربة وإمكانات وعلاقات، ولو داخل أربعة جدران.. فإن في الدين مصلحتنا الدنيوية والأخروية، وفيه عزنا الدنيوي والأخروي، وفيه نجاتنا من ابتلاءات الدنيا وعظائم الآخرة ... فلنحرص جميعا على الإسلام خاصة في ديار الغربة الموحشة وملهياتها الفانية، فلنعش بالإسلام وللإسلام ولنمت على الإسلام، امتثالا لقوله تعالى:" قل: إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين، لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين (الأنعام 162-163). حافزنا في ذلك القاعدة الذهبية السننية التي جعلها شاهد القرن وفيلسوف العصر المفكر مالك بن نبي- رحمه الله- شعار دعوته وعنوان كتبه والتي يقول فيه رب العزة "انَّ اللَّـهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَومٍ حَتّى يُغَيِّروا ما بِأَنفُسِهِم"( الرعد:11)، فتغيير ما بالأنفس للأحسن والأغلى والأرقى، هو بيت القصيد!!
وعيدكم مبارك سعيد وكل عام وأنتم الى الله أقرب .. والله يقول الحق وهو يهدي السبيل.