1803
0
ذكرى يوم الشهيد …محطة لإرساء الروابط بين الأجيال والتذكير بتضحيات الأسلاف
يحل علينا ذكرى اليوم الوطني للشهيد الذي يصادف الثامن عشر من فبراير من كل عام، حيث تم احياء هذه الذكرى لأول مرة عام 1989 والتي تهدف الى ربط وتقوية العلاقات وتوطيدها بين الأجيال و تذيكر الشباب بتضحيات السلف والسير على خطاهم والاقتداء بهم.
الوقفة هي للتذكر واستخلاص الدروس والعبر والوقوف بإجلال وتقدير لما قدمه الشهيد للوطن في سبيل أن تنعم الأجيال بالحرية والكرامة و تحمل الأمانة بإعتزاز وفخر وتتكاتف الجميع لبناء جزائر جديدة تسع جميع أبنائها.
نزيهة سعودي
المجاهد العيد بن مهيريس مجاهد و عضو مكتب قسمة المجاهدين يتحدث عن اليوم الوطني الذي تم ترسيمه من طرف الحكومة اثر انعقاد المؤتمر الأول لأبناء الشهداء بقصر الأمم و اقتراحهم بجعله يوم وطني للشهيد تخليدا لما قدمه الشهداء من تضحيات جسام لتحرير الوطن من المستدمر الفرنسي.
العيد بن نهيريس يستذكر نظاله الثوري
اما بخصوص ما قام به المجاهد بن مهيريس اثناء الثورة التحريرية الكبرى منها عدة عمليات حيث اسند له القيام بعملية الاعلام ورصد تحركات القوات الفرنسية و اتجاه سيرها و اعلام المجاهدين بذلك من اجل الاحتياط و التعرف عن كيفية التصرف مع قوات العدو الفرنسي، كما كان جسرا في نقل تعليمات و أوامر المجاهدين فيما بينهم اللذين كانوا منتشرين في أماكن مختلفة ، وكلف أيضا بنشر الدعاية في وسط المواطنين من اجل تجنيدهم وتوعيتهم بأهمية مقاومة الاحتلال من أجل ذلك مارس شتى المهن تمثلت في بيع الجرائد و الخضر و الملابس المتنقلة بين الاحياء ومسح الأحذية و ممارسة حمل امتعة الفرنسيين الى منازلهم من أجل الحصول على المعلومات وكان نشاطه في الولاية الرابعة بالمنطقة السادسة.
قبل دخول فرنسا الى الجزائر يروي لنا المجاهد العيد في 5 جويلية 1830، كانت الجزائر دولة ذات سيادة تتمتع بمكانة مرموقة بين دول العالم وذلك بسبب شخصيتها القوية وموقعها الاستراتيجي وخيراتها الفلاحية ومكانة علمائها وتطورها العلمي والتعليمي، بالإضافة الى قوتها العسكرية المتمثلة في اسطولها البحري.
وقد أدى هذا يضيف محدثنا الى طمع الدول الأوروبية لها خاصة فرنسا التي استغلت حادثة المروحة التي قام بها داي الجزائر ضد قنصل فرنسا واعتبرها التماس بشرفها واتخذها ذريعة لاحتلال الجزائر وقد نزل جيش الاحتلال بشواطئ اسطاوالي وجرت معركة انتصرت فيها فرنسا نظرا لما تتمتع به من قوة عسكرية هائلة وسلم داي الجزائر البلاد بعد التوقيع على معاهدة تسليم المدينة.
شرعت فرنسا عقب ذلك في مصادرة الأراضي وتسليمها للاوروبيين الوافدين وتهجير أصحاب هذه الأراضي واستغلالهم كعبيد وطمس الهوية الوطنية من لغة وتاريخ ودين وغيرها، ونظرا لزيادة الظلم والاستبداد الذي ليس له مثيل بدا الجزائريون في الانتفاضات في مختلف مناطق الوطن بقيادة كل من الأمير عبد القادر غرب البلاد ة أحمد باي شرق البلاد، إضافة الى اندلاع ثورات وانتفاضات شعبية في مختلف مناطق الوطن وقد اخمدت فرنسا هذه الثورات نظرا لمحدودية أماكن اندلاعها.
وحدة الشعب الجزائري ضد العدو المستعمر
وبعد الحرب العالمية الأولى والى غاية ثورة اول نوفمبر 1954 تحول الشعب الجزائري من النضال الثوري الى النضال السياسي وخاصة النخبة، فقد شكلوا ثلاث تشكيلات سياسية تمثلت الأولى في حزب الشعب بقيادة ميصالي الحاج الذي طالب بالاستقلال والتيار الثاني الاندماجي بقيادة فرحات عباس الذي دعا للمساواة في الحقوق والواجبات مع الفرنسيين في إطار احترام الهوية الوطنية، اما عن التيار الثالث فهو التيار الإصلاحي الذي كان ممثلا بجمعية العلماء المسلمين بقيادة عبد الحميد بن باديس.
وقد ردت فرنسا على هذه المطالب الشعبية بالقيام بعدة مجازر منها مجزرة 8 ماي 1945 التي كان ضحيتها أكثر من 45 ألف مليون جزائري مما عجل باندلاع ثورة اول نوفمبر 1954 التي كان ثمنها مليون ونصف مليون من الجزائريين وتدمير القرى وتخريب المزارع ونهب ثروات البلاد واجراء التجارب النووية في الصحراء وغيرها، رغم كل هذا اضطرت فرنسا الى التفاوض مع جبهة التحرير الوطني حيث نالت الجزائر استقلالها في 5 جويليا 1962 .
وبهذه المناسب وجه المجاهد العيد بن مهيريس كلمة لشباب اليوم بضرورة المحافظة على تضحيات آبائهم واجدادهم في الدفاع عن المصالح الوطنية وترقية الوطن والنهوض به في كافة المجالات الخاصة بالتنمية الشاملة وذلك من خلال مواصلة العمل الدؤوب والتعايش السلمي بين افراد المجتمع الواحد والتحلي باليقظة لتعزيز الوحدة الوطنية من أجل الجزائر الجديدة مزدهرة وعزيزة بين شعوب العالم وقوية بشبابها.
المغزى من يوم الشهيد هو الوفاء لتضحياتهم وتأكيد نضالهم لمواصلة رسالتهم
ومن جانب آخر أكد محمد عباد رئيس جمعية مشعل الشهيد بان أول أمر وجب معرفته هو لماذا 18يوم من فيفري بالضبط اختير كيوم للشهيد و الكثير من المغالطات في هذا الشأن ولكن بطريقة رسمية اليوم الوطني للشهيد 1989 جاء بعد احداث 5 أكتوبر 1988، مع العلم ان دستور الجمعيات و الأحزاب جاء في 23 فيفري 1989 و أبناء الشهداء اجتمعوا في 18 فيفري 1989 أي 5 أيام قبل الدستور اعلان التعددية الحزبية، ليكون تنظيم يرمز للثورة ، وفي هذا اليوم التقى أولاد الشهداء في نادي الصنوبر وتحدث أحدهم في القاعة عن الغرض من الاجتماع لكي يكون 18 فيفري كيوم وطني للشهيد ومن ثم تأسست منظمة أولاد الشهداء حيث نقل الملف للبرلمان وتم المصادقة عليه ليكون يوم وطني للشهيد كباقي الأعياد الوطني.
اما عن المغزى من هذا اليوم يقول عباد “هو ان نبقى اوفياء للشهداء و احياء ذكرى الشهيد ليس الإحتفال فقط بل لإبراز و التأكيد على تضحيات ونضال الشهداء و المجاهدين من أجل تبليغ رسالة الشهداء، وجمعية مشعل الشهيد في كل سنة تقوم بأسبوع ثقافي تاريخي وهذه السنة في طبعته ال23 سيتم تكريم ” أصدقاء الثورة التحريرية الأجانب بقلوب ودماء جزائرية ” وهي وقفة لأصدقاء الثورة مهما كانوا من جنسيات مختلفة سواء من أوروبا و الدول العربية الشقيقة و أمريكا اللاتينية التي كانت تدعم الجزائر ، اليوم بعد 60 سنة من الاستقلال نقف وقفة عرفان وتقدير لمجهوداتهم و نضالهم.
الوفاء للشهداء والاقتداء بخطاهم
و عن ضرورة توطيد العلاقة بين الشباب و الذاكرة نوه عباد ان الذاكرة ذاكرة ام وذاكرة شعب لا بد لكل الشعب الجزائري ان يساهم فيها، فقد نختلف في أمور عديدة الا عائلة الشهداء فكل فرد من افراد الجزائر انتمائه الى الثورة الجزائرية من العائلة ومرتبطة بالشهيد باي طريقة، ضروري ان تبقى متواصلة للأجيال القادمة وذلك بفضل هذه النشاطات والتعاون لنكون أوفياء للشهيد ، كما دعا في كل الاحياء المسماة بأسماء شهداء للبحث عن عائلاتهم والقيام بدورات رياضية و ندوات ثقافية او غيرها تخليدا للشهيد ويكون تكريم من أصحاب الحي لعائلة الشهيد او المجاهد بطريقة سهلة لا تتطلب جهد كبير مشيرا انها الثورة الجزائرية الوحيدة التي ساهمت فيها كل الفئات من مواطن بسيط و عالم و مثقف وامي و امرأة المدينة و الريف و لهذا نجحت الثورة.
دور المجتمع المدني في التعريف ببطولات الامجاد والوقوف عند المحطات التاريخية
ومن جهته قال مقراني محمد نائب رئيس جمعية الشهيد الرائد مقراني السعيد بالبويرة أن الهدف من هذه الذكرى الى ترسيخ مسيرة الشهداء ومسار الكفاح الوطني ضد الاستعمار الفرنسي وكل التضحيات التي قدمها شهداء الوطن كما نستشف منها دروس التضحية من أجل الوطن واعلاء كلمة الحق والوقوف في وجه الظلم حتى وان كانت الإمكانيات تكاد تكون منعدمة، مضيفا بان توطيد العلاقة بين الشباب و الذاكرة من خلال الجانب الوجداني للتاريخ و إرساء مبادئ الوطن و الامة في جيل الجزائر الجديدة و رفع رايتها في المحافل الدولية من خلال استلهام من تضحيات الشهداء في الداخل ورفع راية جبهة التحرير الوطني كما فعل قادة الثورة في باندونغ و الأمم المتحدة.
وبخصوص دور المجتمع المدني في ترسيخ الذاكرة يقول محدثنا” يكمن في تمجيد من صنعوا ملحمة الجزائر من خلال الوقوف عند مختلف المحطات التاريخية الحاسمة للثورة الجزائرية والتعريف بسير وبطولات الامجاد مع الإشارة الى دور التاريخ في إرساء رسالة نوفمبر واكمال مسيرة البناء والتشيد.
أعداء الجزائر يوظفون وسائل التواصل لإذكاء حروب الذاكرة
وعن العبر التي يمكن استخلاصها من يوم 18 فيفري اعرب رابح لونيسي باحث وأستاذ في التاريخ بجامعة وهران بأن كل الأمم تمجد ابطالها وشهدائها وتقيم لهم النصب والتماثيل ويكتب عنهم ليس فقط للإستلهام منهم ومن تضحياتهم بل كي لا يأتي جيل مستقبلا فيرفض أي تضحية لأنه يرى ما وقع لهؤلاء الابطال من اهمال وعدم اهتمام ،وممكن حتى تخوين واهانات، هذا ما يستهدفه أعداء الجزائر اليوم في الداخل والخارج عندما يوظفون وسائط التواصل الاجتماعي لإثارة حروب الذاكرة بين الجزائريين الهدف منها تخوين واهانة الكثير من شهدائنا ورموزنا على أسس جهوية وايديولوجية وسياسية في اطار فعل ورد فعل.
وهو ما سيؤدي في الأخير الى شعور المواطن البسيط الغير مستوعب بحروب الجيل الرابع والخامس للقول” انظر كيف خون واهين البطل الفلاني الذي ضحى بحياته فيصبح يفكر الف مرة عند الاقدام على أي تضحية، وهو اخطر ما يصيب الأمم والشعوب، كما يهدف من ذلك ضرب الأسس التاريخية للدولة لتحطيمها من الداخل، ولهذا على الدولة محاربة كل هؤلاء اللذين ركبوا مواقع التواصل الاجتماعي، وانخرطوا في هذه الحرب الخطيرة على مستقبل الجزائر.
لهذا يجب ان نحيي يوم الشهيد وغيرها من المناسبات الوطنية في الجزائر كي نستذكر ونذكر الأجيال بالتضحيات الكبرى التي قدمها اجدادهم من اجل إقامة الدولة الجزائرية، مما يتطلب الحفاظ عليها باي ثمن كان، سيدفع هذا لاستحضار ما ذكره ابن خلدون عن عوامل سقوط الدول عندما قال ان أحد أسباب ذلك هو عندما بآتي جيل يجهل التضحيات التي قدمت من اجل اقامتها.
للسينما والفنون الأخرى دور كبير في توطيد العلاقة بين الشباب والذاكرة
ويذكر لونيسي أن عملية توطيد علاقة الشباب بالذاكرة هي عملية يومية ودائمة تستغل فيها المناسبات الوطنية كيوم الشهيد او غيره، وكذلك الاعلام والمدرسة والمسجد، لكن الأداة الأكثر فعالية في نظره هي الفنون، خاصة السينما التي لها تأثير كبير في ربط هؤلاء الشباب بالذاكرة.
السينما اليوم يتابع الباحث لونيسي بالقول ومختلف الفنون الأخرى مؤثرة جدا ولا تتوقف دورها في تحقيق هذه الرابطة بين الشباب والذاكرة بل بإمكانها ان تلعب دورا في انشاء قوة ناعمة جزائرية من خلال انتاج أفلام عن تاريخنا يتم تصديرها الى الخارج تعرف العالم عن بطولات وتضحيات شعبنا، فنعيد بذلك لتاريخنا بكل مراحله ومنها ثورتنا التحريرية دورها في العالم فتخدم دبلوماسيتنا كما خدمت هذه الثورة بعد نيل اعجاب العالم بها قوة لدبلوماسيتنا في السنوات الأولى لاسترجاع الاستقلال قبل ان يخبوا هذا التأثير فيما بعد لأسباب عديدة، وبآتي على راسها إرهاب التسعينيات.
“