بقلم آسيا  يحياوي

في زمنٍ تتساقط فيه الأقنعة، وتُستبدل فيه المبادئ بالمصالح، يبقى بعض الرجال ثابتين كالجذور، يحملون أوطانهم حيثما ارتحلوا، ويزرعون الكلمة الحرة في كل أرض يطأونها. من بين هؤلاء، يبرز اسم الدكتور رائد ناجي، الكاتب والمفكر الفلسطيني المقيم في الجزائر، الذي استطاع أن يصنع لنفسه مكانة بين القامات الفكرية العربية، ويُسجّل حضورًا عميقًا في المشهد الثقافي والإعلامي.

الدكتور ناجي ليس مجرد قلم يكتب، بل عقل يُفكّر، وصوت يعبّر، ورسالة تُضيء. في كتاباته ومداخلاته الفكرية، يمزج بين الوعي السياسي والعمق الثقافي، وبين التحليل الأكاديمي والرؤية الاستراتيجية.

وهو بذلك يشكّل نموذجًا للمثقف الملتزم بقضايا شعبه، والوفيّ لهموم أمته، خصوصًا في ظل التحديات الكبرى التي يعيشها الفلسطيني أينما كان.

من الجزائر، أرض الثورة والمليون ونصف المليون شهيد، وجد الدكتور ناجي بيئةً حاضنة تُشبه فلسطين في نضالها وصمودها. فكان امتدادًا طبيعيًا للعلاقة التاريخية التي جمعت الشعبين الجزائري والفلسطيني، واستطاع أن يجعل من قلمه منبرًا للتلاقي بين التجربتين: تجربة المقاومة الجزائرية، وتجربة النضال الفلسطيني المستمرة.

إن ما يميّز الدكتور رائد ناجي هو أنه لا يكتب فقط للذاكرة، بل يكتب للحاضر والمستقبل. يحلّل الواقع السياسي برؤية ثاقبة، ويفضح الخداع الذي يمارسه الاحتلال، ويؤكد أن الثقافة والمعرفة ليستا ترفًا، بل سلاحًا مكمّلًا للبندقية، وركيزة أساسية في معركة التحرير.

ولذلك، فإن حضور الدكتور ناجي في الجزائر ليس حضورًا عابرًا، بل هو حضور مؤثر، يترك بصماته في العقول والقلوب، ويعطي صورة مشرقة عن المثقف الفلسطيني الحرّ، الذي لم يساوم يومًا على قضيته، ولم يبدّل ولاءه مهما تغيّرت الظروف.

إن القامات الفكرية الحقيقية لا تُقاس بعدد الكتب التي كتبوها فقط، ولا بعدد المنابر التي صعدوا إليها، بل بمدى قدرتهم على صناعة الوعي، وإيقاظ الضمير، وشحذ الإرادة. وفي هذا الميدان، يظل الدكتور رائد ناجي واحدًا من أبرز الأسماء التي تستحق التقدير والاحتفاء، لا في الجزائر وحدها، بل في كل مكان يسمع فيه الفلسطيني صدى قضيته.