465
0
برحيل العالم الرسالي الصلب العلامة إبراهيم الخولي، أركان في مكتبتنا الإسلامية تصدعت !!
محمد مصطفى حابس : جينيف / سويسرا
ها هو الشيخ الموسوعي والمفكر الكبير العلامة إبراهيم الخولي يرحل في هذا
الشهر المبارك الفضيل، تاركا وراءه ثروة علمية كبيرة متنوعة، أغنى بها المكتبة العربية الإسلامية و الانسانية، مقدما لنفسه زادا يدر عليه الحسنات والبركات في قبره !!
وبذلك يرحل فارس من فرسان القرطاس والقلم العظام من مجددي هذا القرن و الذين يعدون العملة الصعبة في تاريخ الصراع الفكري لأمة طال بالغدر ليلها !!
نعم يأفل نجم من نجوم الأصالة المعاصرة من سماء ليس العالم الإسلامي فحسب، بل العالم برمته !!
لست ادري لماذا ينصرف فكري من زمان، كلما قرأت له أو استمعت و استمتعت بحواراته، ذكرني بشقيقه في الفكر و الأصالة، زميله و ابن جيل المرحوم الشيخ الموسوعي المفكر الكبير الدكتور محمد عمارة ( 1931- 2020) الذي رحل منذ ثلاث سنوات تقريبا بتاريخ 4 رجب 1441 هـ/28 فبراير 2020 حيث كتبت يومها عن هذا المفكر الإسلامي الأصيل و عضو هيئة كبار العلماء د. محمد عماره، الذي تعرفت عليه و حاورته مطولا في تسعينات القرن الماضي، وكتبت عنه تحت عنوان " رحيل المفكر الموسوعي محمد عمارة : سيرة و مسيرة فاخرة ذهبية" مبينا " أنه ترك وراءه ثروة علمية كبيرة متنوعة، أغنى بها المكتبة العربية والإسلامية، مقدما لنفسه زادا يدر عليه الحسنات والبركات !!
صولات وجولات مشهودة محمودة، ستظل الأجيال ترتوي منها:
أو كما علق يومها - في مقالنا أنف الذكر - عن وفاته أستاذنا الكبير الشيخ الطيب برغوث الذي تعرف على الدكتور محمد عمارة عن قرب، و عمل قبل ذلك مع الشيخ الجليل العلامة محمد الغزالي، في جامعة الأمير عبد القادر بقسنطينة، بقوله :
" بالرغم من تنقل الدكتور عمارة عبر محطات وساحات فكرية عدة، إلا أن مساره الرسالي العام ظل عميق الصلة بدينه وبالقضايا الجوهرية لأمته، وقد ظهر ذلك جليا في العقود الخمسة الأخيرة من حياته خاصة، حيث انحاز بشكل حاسم وواضح وعميق إلى جوهر الهوية الحضارية للأمة، وكرس كل وقته وجهده وطاقته وملكاته، لبناء الوعي بعالمية وإنسانية وكونية وعظمة الرسالية الإسلامية في الحياة، وبحاجة الأمة والإنسانية إليها، وكانت له مواقف وصولات وجولات مشهودة محمودة، ستظل الأجيال ترتوي منها إلى ما شاء الله تعالى !!
وقد تميز على كثير من العلماء والمفكرين بهذه الموسوعية المتوازنة والمتكاملة، التي أنقذته من الازدواجية الفكرية والسلوكية المتنافرة، فهو عقلاني عميق، ولكنه ليس علمانيا حدِّيا متكلسا. كما أنه أصولي أو أصالي عميق، ولكنه ليس حرفيا منعزلا عن عصره، بل يعيش في عمق عصره بذاتيته وهويته الإسلامية المستنيرة الفاعلة في حياته.
لقد كان شعلة محمد عمارة متقدة، وقد استفدنا منه نحن الجزائريين مباشرة، من خلال مشاركته المستمرة في ملتقيات الفكر الإسلامي العتيدة، التي كانت تعقد سنويا في الجزائر لمدة أسبوع تقريبا كل سنة، ويحضرها فطاحل العلماء والمفكرين حتى من غير المسلمين، من مختلف أنحاء العالم. إذ كان الدكتور عمارة فارسا من فرسانها الكبار، متميزا بطرحه وحرارته وحيويته ورساليته، وكنا ننجذب إليه ونستمتع بأطروحاته ونستفيد منها كثيرا، خاصة فيما يتعلق برد الشبهات وإبراز قوة وعظمة الإسلام، وقوة وتميز الحضارة الإسلامية..".
العالم الرسالي الصلب العلامة إبراهيم الخولي يترجل:
وبموت الدكتور عمارة، يكون قد أفل نجم من نجوم الأصالة من سماء ليس العالم الإسلامي فحسب، بل العالم الانساني برمته"، وها هو اليوم يأفل نجم آخر، كثير الشبه بالعلامة الدكتور محمد عمارة و العلامة الشيخ محمد الغزالي - رحمهم الله- ، في شراسة دفاعه عن الحق مرابطا من أجل بيضة الإسلام مهما كانت عواقبه ومهما كانت عدة وعتاد القمع المتسلط المعروف للعام و الخاص المسلط منذ عقود على عالمنا العربي والإسلامي من طرف قوى البغي و الغدر، لا يخشى - العلامة الخولي - في الله لومة لائم، منافحا ومجاهدا داخل مصر أرض الكنانة أو خارجها، عملا بابتهال الشيخ سيد النقشبندى، القائل :
مصر الكنانة ما هانت على أحد الله يحرسها عطفا ويرعاها
ندعوك يارب أن تحمى مرابعها فالشمس عين لها والليل نجواها
والسنبلات تصلى في مزارعها والعطر تسبيحها والقلب مرعاها.
و اليوم ها هو يترجل شقيقهم الأزهري بن مصر الكنانة، الفارس العلامة الدكتور إبراهيم الخولي (14 مايو 1929 م - 8 أبريل 2023م)؛ أحد علماء الأزهر، وعضو جبهة علماء الأزهر، عمل أستاذا للبلاغة والأدب والنقد، بكلية اللغة العربية في جامعة الأزهر. شارك في العديد من المؤتمرات الإسلامية في بلده مصر والبلدان العربية والإسلامية، وكان له العديد من الأعمال و المواقف البطولية، كما أثرى المكتبة الاسلامية بالمؤلفات و المراجع النفيسة، التي أنجزها على الصعيدين المحلي والدولي..
تلك أثارنا تدل علينا ** فانظروا بعدنا إلى الأثار ..
تخرج إبراهيم الخولي من كلية اللغة العربية جامعة الأزهر بالقاهرة سنة 1956 م، وقد حصل على دبلوم عام في التربية وعلم النفس سنة 1957 م، وبعده بسنوات قليلة، حصل على دبلوم خاص في التربية سنة 1961 م.
عمل الخولي في وزارة التربية والتعليم المصرية منذ العام 1956 م حتى 1968 م، وبعدها عين معيدا بكلية اللغة العربية في جامعة الأزهر سنة 1968 م. تدرج في وظائف هيئة التدريس بالكلية (معيدا، فمدرسا مساعدا، فمدرسا، فأستاذا مساعدا، فأستاذا). يعمل حاليا أستاذا للنقد والبلاغة، المتفرع من كلية اللغة العربية في جامعة الأزهر. كان للدكتور إبراهيم الخولي نشاطات على الصعيد الدولي، حيث أوفد لمدة عامين إلى الجامعة الإسلامية العالمية في إسلام آباد. أعد وثيقة «البيان العالمي لحقوق الإنسان في الإسلام»، الذي أعلن في سبتمبر 1981 م، بمقر اليونسكو في باريس. بعدها بسنتين؛ قام بوضع «مشروع دستور إسلامي» بالمشاركة مع المستشار حمدي عزام، نائب رئيس مجلة الدولة المصري، والذي قد أعلن في إسلام آباد سنة 1983 م. كذلك؛ أعد وثيقة «بيان وحدة الأمة»، الذي أعلن في أحد المؤتمرات الإسلامية في إسلام آباد سنة 1988 م. كان للدكتور إبراهيم الخولي مؤلفات عديدة في مجال الدراسات الإسلامية من بلاغة ونقد؛ من أهمها:
- كتاب «السنة بيانا للقرآن». كتاب «التعريض في القرآن الكريم». كتاب «التكرار بلاغة». كتاب «لزوميات أبي العلاء (رؤية بلاغية نقدية)». كتاب «منهج الإسلام في الحياة من الكتاب والسنة». كتاب «الجانب النفسي من التفسير البلاغي عند عبد القاهر الجرجاني». كتاب «مكان النحو من نظرية النظم عند عبد القاهر الجرجاني». كتاب «مقتضى الحال بين البلاغة القديمة والنقد الحديث»..
الأمة تفقد قامة وقمة شامخة من قمم الوعي الرسالي فيها :
وبوفاته - كما جاء في تأبينية "منتدى دراسات النهضة الحضارية "- تكون الأمة قد فقدت قامة وقمة شامخة من قمم الوعي الرسالي فيها، - العلامة الخولي- الذي ظل منافحا عن الإسلام ومتصديا لمخططات تزييف وعي الأجيال، ودافعا باتجاه بناء شروط النهضة الحضارية المتوازنة للأمة، بمنطق سنني متوازن، تتكامل فيه معطيات سنن الله تعالى في الآفاق والأنفس والهداية والتأييد، لتحرِّك المسلم نحو تحقيق المزيد من الانسجام مع مقاصد ومقتضيات التوحيد الخالص لله تعالى، والقيام بمسئوليات الخلافة في الأرض، وتحقيق العبودية الشاملة لله تعالى، وإنجاز العمران الحضاري المتوازن في الأرض، وتحضير الحياة الأخروية لكل مسلم، ولم تلن له قناة، و لم يركع و لم يجبن ، بل و لم يساوم على ذلك، ليستبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير!!
.. بقلوب يعتصرها الحزن ويملؤها الرضا بقضاء الله، ركن في الإسلام تصدع
من جهته علق الدكتور جمال سعدي، بقوله حول هذا الفقد و هذه الرزية:
" فقدت الأمة اليوم علما من أعلام الأزهر الشريف وأحد أساطين اللغة العربية فضيلة أ. د. إبراهيم الخولي الذي اشتهر بمناظراته القوية وردوده المسكتة مع العلمانيين وإفحام المتطاولين على أحكام الشريعة.."
من جهتها نعت كلية اللغة العربية بالقاهرة، جامعة الأزهر، أستاذ البلاغة والنقد المتفرغ بكلية اللغة العربية بالقاهرة، والمفكر الإسلامي الدكتور الخولي ،
وكتبت عبر حسابها على موقع التواصل الاجتماعي فيس بوك، هذه الكلمة المؤثرة : " بقلوب يعتصرها الحزن ويملؤها الرضا بقضاء الله وقدره تنعى كلية اللغة العربية بالقاهرة علمًا من أعلامها البارزين؛ فضيلة الأستاذ الدكتور إبراهيم محمد عبد الله الخولي، أستاذ البلاغة والنقد المتفرغ بالكلية، والمفكر الإسلامي المعروف"، متابعة:" رحم الله الأستاذ الكريم، وغفر له، وأسكنه واسع الجنات، وجزاه عن طلاب العلم خيرًا عميمًا، وإنا لله وإنا إليه راجعون..".
وفي نفس السياق، نعى الدكتور غانم السعيد أستاذ الأدب والنقد جامعة الأزهـر، الدكتور إبراهيم الخولي، وكتب عبر حسابه على فيس بوك: البقاء لله.. ركن في الإسلام تصدع، مضيفا، بقوله: بقلوب يعتصرها الحزن ويؤزها الألم، أنعي إلى نفسي وإلى الشعب المصري، والأمتين العربية والإسلامية العالم الجليل، والمربي الفاضل، الذي فتق البلاغة القرآنية من أكنانها، وعاش حياته صداعا بالحق لا يخاف في الله لومة لائم، أستاذي وأستاذ الأجيال الدكتور إبراهيم الخولي أستاذ البلاغة والنقد بكليتنا العريقة، غفر الله له ورحمه وتقبله في الصالحين.
وتابع بقوله: اللهم بحق هذا الشهر الفضيل الذي لقيك فيه، أسألك اللهم أن تحسن استقباله، وأن ترحمه وتتجاوز عن سيئاته، وأن تجافي القبر عن جنبيه، وأن توسع له فيه امتداد بصره، وأن تجعله عليه روضة من رياض..
في موكب عباد الله الصالحين من النبيين والصديقين والشهداء ..
فاللهم تغمده برحمتك التي وسعت كل شيء، وألحقه بعبادك الصالحين من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا، ولا تحرمنا اللهم أجره، ولا تفتنا بعده، وأعنا وثبتنا على المضي قدما على طريق الرسالية الشريفة التي مضى عليها وأمثاله لا مبدلين ولا مغيرين.. و أرفع اللهم درجته في عليين واغفر اللهم له وأخلف الأمة خيرا منه.
اللهم اغفر له وارحمه، وعافه واعف عنه وأكرم نزله ووسع مدخله، واغسله بالماء والثلج والبرد ونقه من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، اللهم جازه بالحسنات إحسانا وبالسيئات عفوا وغفرانا، اللهم افتح أبواب السماء لروحه وأبواب رحمتك وأبواب جنتك أجمعين برحمتك يا أرحم الراحمين !!