في كلمته التي ألقاها رئيس المرصد الوطني للمجتمع المدني، نور الدين بن براهم، خلال افتتاحه الرسمي لفعاليات الندوة العلمية بعنوان: "معركة الأغواط 4 ديسمبر 1852: جريمة ضد الإنسانية لا تسقط بالتقادم"بمناسبة إحياء الذكرى172 لمعركة الأغواط، أول أمس، أكد على مدى أهمية استحضار اللحظات الخالدة من تاريخ النضال الوطني.
كريمة بندو
كما شدّد بن براهم عل ضرورة ابراز ذكرى الشهداء الذين ضحّوا من أجل الوطن، والتأكيد على عظمة نساء ورجال تصدّوا للمستعمر منذ الوهلة الأولى التي وطئت فيها أقدامه أرضنا الطاهرة.
وأشار رئيس المرصد إلى محاولات الفكر النيوكولونيالي العالمي الذي يسعى للتهرب من الحقائق التاريخية وطمس الجرائم المرتكبة ضد الإنسانية، محذرًا من السياسات المزدوجة - الكيل بمكيالين - التي تنتهجها بعض القوى العالمية والتي تتجلى في قضايا مثل فلسطين والصحراء الغربية.
وأكد على أهمية مواجهة هذه التحديات بوعي وطني يعزز اللحمة الوطنية
وفي ظل التحديات المتزايدة التي تواجه الأمة، دعا رئيس المرصد فعاليات المجتمع المدني إلى تعزيز الوعي الوطني، مع التركيز على مواجهة المغالطات التي يمكن أن تنشر عبر الوسائل التكنولوجية الحديثة والتحول الرقمي. كما شدد على أهمية التنسيق بين مؤسسات الدولة والمجتمع المدني والجامعات، لما لذلك من أثر إيجابي مباشر على المواطن.
فلقاء الذكرى اليوم في الأغواط يأتي كجزء من الجهود المبذولة لتعزيز الجبهة الداخلية وتقوية اللحمة الوطنية، وهي من المهام الرئيسية للمرصد الذي يعمل على تكريس الوعي الوطني وتقوية الروابط الوطنية، مع التركيز على أهمية الحفاظ على الذاكرة الوطنية باعتبارها مصدرًا للإلهام والوحدة، في ظل التحولات الراهنة، يحمل المجتمع المدني دورًا حيويًا في مواجهة التحديات والرهانات المستقبلية، سواء من خلال التوعية الوطنية أو تعزيز الروابط بين مختلف مكونات المجتمع، مما يساهم في بناء مستقبل أكثر قوة ووحدة للأجيال القادمة.
كما سلطت الندوة الضوء على بشاعة الجرائم الاستعمارية، لا سيما محرقة الأغواط التي ارتكبها الاحتلال الفرنسي بقيادة الجنرال بيليسيي عام 1852. وقد استخدمت في هذه الجريمة أسلحة كيميائية، تمثلت في غاز الكلوروفورم، مما يجعلها أول استخدام موثق للسلاح الكيميائي في التاريخ الدولي. تعد هذه الجريمة من أبشع الجرائم ضد الإنسانية التي لا تسقط بالتقادم، رغم محاولات التعتيم عليها.
حيث تناولت بالمناسبة الأستاذة الحقوقية ورئيسة الشبكة السيدة فاطمة الزهراء بن براهم في شهاداتها جوانب تاريخية مهمة حول الجرائم ضد الإنسانية من منظور القانوني،كما دعت الى تصحيح المفاهيم وضبط المصطلحات التاريخية من أجل الوصول الى معركة قانونية ناجحة تظهر الممارسة الاجرامية للمستدمر الفرنسي،كما دعت الشباب إلى ضرورة الاهتمام بمواضيع الذاكرة الوطنية، بينما قدم الباحث محمد دومير وثائق وتحليلات معمقة حول العقيدة الإجرامية للاستعمار الفرنسي، مسلطًا الضوء على الأبعاد الكيميائية لمحرقة الأغواط، وخلال عرضه قدم الاستاذ دومير لمحة وجيزة عن الشخصية المقاومة البطل الشهيد بن ناصر بن شهرة،وفي ختام مداخلته تعهد الباحث محمد دومير بمواصلة البحث لكشف المزيد من الحقائق الموثقة.
كما شهدت الندوة حضورًا مميزًا ومداخلات نوعية من خبراء وشخصيات بارزة، من بينهم أساتذة جامعيون ومتخصصون في التاريخ والقانون الدولي. وتخلل النقاش عرض أدلة تاريخية وشهادات حية سلطت الضوء على أهمية إحياء هذا الحدث المأساوي باعتباره جزءًا لا يتجزأ من ذاكرة النضال الوطني.
شكلت الندوة فرصة لطلاب الجامعات والباحثين للاطلاع على حقائق تاريخية موثقة، وعززت الجهود الوطنية في فضح جرائم الاحتلال الفرنسي. كما أكدت أهمية العمل الجماعي بين المجتمع المدني والمؤسسات الرسمية ومراكز البحث المتخصصة لمواجهة محاولات طمس الحقائق التاريخية وتبييض الجرائم الاستعمارية، فضلاً عن التصدي لنشر الفكر النيوكولونيالي العالمي .
للتذكير تهدف هذه المبادرات إلى ترسيخ الوعي بتاريخ الجزائر، وتعزيز الفخر الوطني، وتسليط الضوء على الجرائم المرتكبة ضد الإنسانية التي يجب أن تبقى حاضرة في الذاكرة الجماعية كوسيلة فعالة للتصدي لأي محاولات لإعادة إنتاج الفكر الاستعماري في صوره الحديث.