750

0

بقنين محمد المهدي يغوص في الفن السريالي ويقدم لوحات مزجت بين الجمال الشكلي والعمق التعبيري

لطالما كان التعبير عن الوجدان محطة استلهام للعديد من الأفراد منذ قرون مضت ، عبر وسائل و تقنيات بدائية تطورت بتطور الانسان، سواء  من حيث الشكل أو الأسلوب دون المساس بالمضمون الذي  يضعنا في حيرة أمام فهم  "فن الرسم" بمختلف أبعاده و خفايا تقنياته التي لازمت الانسان في مواقفه و محطاته التاريخية.

شيماء منصور بوناب

وبالتالي فإن الحديث عن الرسم من منظور جمالي تصنعه أنامل شبانية يقودنا للبحث عن ما وراء  اللوحة الفنية  التي يرسمها الانسان تعبيرا عن فكرة ما  أو شعور خاص أو حتى لحظة قد مر بها، لتكون متنفس له بعيدا عن الواقع المعاش، الذي عبر عنه الفنان بقنين محمد المهدي في حديثه مع جريدة بركة نيوز في كلمة لخصت الرؤية العملية  للفن قائلا: " الفن منظور جمالي لا متناهي ... يخلق من عبق  اللوحة قوة عظيمة  في البعد الجمالي و الفكرة المصاغة و الألوان المتاحة و الاشكال المدروسة".

بين حب الرسم وشغف الفن...محطات تاريخية صقلة الموهبة 

من هذا المنطلق يعود بنا الفنان بقنين الى خلفيته الفنية التي  بدأت في سنوات طفولته الأولى عبر مسابقات مدرسية  كشفت عن ميوله الفني للرسم الحر ببصمة جديدة  تمتزج بمفاهيم حركية رياضية ، استوحاها من انضمامه لصفوف الرياضات القتالية التي اكسبته فطنة في إدارة موهبته بتقنيات دقيقة   تجمع بين الرسم والفنون القتالية في لوحة فنية موحدة تحاكي خلجاته و تصف ابداعاته في قالب فني واضح الابعاد و الأهداف ومختلف اللغات و التصاميم .

وعن تكوينه الفني يشير إلى أنه فنان عصامي اتخذ من ملكته الفطرية في الرسم المنطلق و الأساس في البحث و الدراسة المعمقة في كل ما يخص الفنون الجميلة والرسم الذي قال فيه" الموهبة وحدها لا تكفي ... انما العودة للمراجع البحثية و الدراسية هي وحدها من تثمن الأعمال الفنية و تعطيها الانطباع الحقيقي في مضمونها ".

العلوم و الدراسات ...خلفية فنية يستقى منها التجربة  

"جرب ففي التجريب تتم الحقائق" ،هي فكرة انطلق منها محمد بقنين حين انتقى  تخصصه الجامعي الذي يظهر للمرة الأولى بعيد كل البعد عن الفن و جمالياته ، في حين  أن تحصله على درجة ماستر في الهندسة البيتروكيميائية بإلحاح من والدته كان له الفضل في استنباط أسلوبه و بصمته  المستمدة من دراسة الهندسة و الرياضيات و الكمياء  التي ساعدته على تنمية معارفة الفنية  في استخراج الألوان و الإضاءة ثم تحديد الاشكال المناسبة للألوان .

ليواصل بعدها حديثه عن المدارس الفنية التي كانت الخلفية و السند الذي صاغ منه أسلوبه و اختار ملاذه  ، مشيرا بذلك لتاريخ الفن وفلسفته من حيث ادراج  الألوان و الاشكال التي تطورت بتطور الانسان وعلومه، انطلاقا من المدرسة الفنية لما قبل التاريخ حين كان الانسان يؤرخ حياته في رسومات و أشكال مختلفة نقشها على الجدران و الصخور التي توثق اهتماماته الفنية و حياته اليومية.

  مرورا بعد ذلك للمدرسة  الكلاسيكية التي  تضم نخبة من كبار الفنانين الذين حفظهم التاريخ بما قدموه و اضافوه للفن من لمسات إبداعية  تدرس لغاية اليوم ، أما عن المدرسة الانطباعية  فيوضح انها مدرسة تصور الطبيعة وتنقل جماليتها في مفاهيم حية تعكس معجزات الخالق في الكون ،  ثم المدرسة التجريدية التي تعني تجريد الواقع من واقعه  على مستويين أو تصنيفين أولها التجريد الهندسي الذي يرتكز على المربعات الهندسية ثلاثية الابعاد ، ثم  التجريد التعبيري الذي يخص الرسم السطحي ثنائي الابعاد استنادا لفلسفة الأشكال التي تولي الأهمية الكبرى  لقوة التناظر و التوازي ثم الفراغ.

وعلى ضوء ذلك يشير بقنين لكون هذا النوع من الرسم بالذات قد  لاقى رواجا كبيرا وذاع صيته عند كبار رجال الاعمال و المهتمين به حتى باتت لوحاته تباع بمبالغ طائلة تعتبر ثروة حقيقية تصل لملايين  الدولارات .

وتابع مركزا على المدرسة الوحشية التي تأسست بعد الحرب العالمية ، فنجدها  تشترك في عدة نقاط مع  الشعر و تفرض معرفة مسبقة عن نزعة الفنان و حالته النفسية التي تتحكم في أبعاد رسمه و مضمون فنه الذي نجده مميزا على سبيل المثال في لوحات بيكاسو الذي  يعمل في مجال التكعيب المركز على قوة الزوايا  .

أما من وجهته الخاصة يعرج ذات المتحدث للمدرسة السريالية التي تضم في كنفها مجمل لوحاته باعتبارها توجه ثقافي فني وجد فيه الهامه و شغفه كونه فن يهدف عمومًا إلى التعبير عن الأفكار والمشاعر التي تدور في العقل الباطن للإنسان بطريقة عفوية بعيدة عن النظام المسطر و المنطق المحدد،  فتترك للفنان مساحة حرة يطلق العنان فيها ويجمع شظايا أفكاره عليها .

اللوحات الفنية ... منظور جمالي يحاكي الفكر و الواقع  

وبعد الغوص أكثر في عالم الفن و الرسم ينوه محدثنا أنه حاليا بات يربط المجال الفكري لقراءة الكتب بالفكرة المصاغة في لوحاته لتعطيها بعد علمي و فكري جديد لم يعهد من قبل ، فعلى سبيل الذكر يعرفنا  على لوحته المعنونة "باللعبة 24" التي تجمع أفكار أهم الكتب في إدارة الذات ، منها كتاب   "قوة الآن" الذي يوضح أن اكثر من 80 بالمئة من الناس نادمين على الماضي و خائفين من المستقبل و لا يعيشون فعليا  الحاضر، يضاف اليه كتاب " قوة العادة "الذي يؤكد أن  اليوم العادي للإنسان 60 بالمئة منه هو عادة تتكرر نتيجة بعدين  اولهما التحفيز ثم  المكافئة .

وكتعريف دقيق للعبة 24 يقول بقنين أنها لوحة فنية تصف مبتغى الإنسان في يوم كامل على مدار 24ساعة بالتمام و التفصيل  صورها في شكل العاب معروفة كالدومينو و البطاقات و كرة السلة ثم  الجوكر كشخصية مشهورة في عالم الألعاب و الكرتون يضاف اليه الضامة التي تبين أن اليوم لعبة تفرض تخطيط استراتيجي للتخلص من العادات السلبية عبر تحديد الأهداف و الغايات.

وبالتالي يقر بقنين انطلاقا من لوحته  "ان الغاية المسطرة هي وحدها من تمكن اللاعب او الانسان من تسيير يومه وفق خطة لعب محكمة تتمحور غالبيتها حول مفهوم تأسيس الاسرة المصورة في عدة  أشكال عاكسة  للمنزل و الجيران و الحي الذي يضم في كنفه طموحات الانسان العادي فيجعله محكوم بضوابط و أسس مجتمعية تبعده عن الغريزة الحيوانية و تصون انسانيته ".

 وفي حديثه عن لوحة "الجزائر و البحر" يقول انها  تصور ثقافي لأهم و أبرز المعالم الجزائرية العظيمة مثل المسجد الأعظم والقصبة و الشباك أي "باخرة العثمانيين  "التي  كانت تعد من احدث التقنيات في فترة الحكم العثماني و مفخرة لأسطولهم في وقت مضى  إلى غاية تحطمه  في معركة نافرين.

وتجسيدا لرمزيته  نجد ه اليوم في رسومات الأوراق النقدية أو الكراريس المدرسية  تعبيرا عن قيمته التاريخية، يضاف اليه البحرالذي يرمز للثروة الطبيعية التي تزخر بها الجزائر وتجعل منها بلد استراتيجي .

 أما عن المدفع فيشير الى انه  وسيلة حربية  من اقوى التكنولوجيات الحربية الخاص بالجزائر اثناء الحكم العثماني ، حاول تصويرها  في تفاصيل لوحته لإعطائها  بعد أثري يحيي الحضارة و الثقافة، التي ختمها بالحديث عن أركان القصبة بزليجها الملون الذي يحيط  بالأطراف الأربعة للوحة .

واثناء وصفه للوحة "الاختيار" يقول انه قد اعتمد على منظور متضاد  بين  اللون الأزرق و البرتقالي  بدلالة واضحة  لحياة الانسان  و مسار رحلته التي يقضيها بين الحلال و الحرام.

لينتقل مباشرة بعدها إلى  لوحة "القهوة"  التي  تصف حبه لاحتساء القهوة التي تطرب فكره بما يحفز اشعارات الابداع لديه و يحرك عزيمته في إضفاء لمسته الفنية في كل لوحة يرسمها  مؤكدا بذلك على ما يميز لوحته الأخيرة "القهوة " المصنوعة بمادتها العضوية دون إضافات بارزة .

وعن تقييم اللوحات يعرب الفنان الى نقطة استنبطه من دراسة اجنبية تحسم في الفكرة و المصادر و الوقت و المواد المستعملة التي تتحكم في سعر اللوحة و تعطيها القيمة المادية التي تستحقها.

  بين مساعي الابداع وتطوير الذات ....عراقيل وصعوبات

في هذا المسعى يوضح بقنين أن "الابداع عضلة تحتاج تنمية و تطوير مستمر بما يساعد على  فتح باب التفكير و التأمل  بممارسات فنية تشحن قدرات المخ  من خلال أنشطة تدريبة يقوم بها الفنان شخصيا داخل غرفة  بإضاءة خافتة أو منعدمة يضاف اليها بعض الحواجز لتداركها  و معرفة موقعها بمحاولات عدة تحفز ذهنه و تجعله ذو قابلية للاستمتاع بخلوة الذات  في صمت يفتح افق التفكير على مصرعيه.

وعلى صدى مقولة " لو تعلقت همة المرء بالجوزاء لنالها"  يشير ذات المتحدث  للصعوبات و العراقيل التي تجوب  عالم الفن انطلاقا من  تستر أشباه الفنانين وراء بضع لوحات فقط لا تحمل رؤية و لا غاية، يضاف الى ذلك نقطة  الترويج للفن الحقيقي لا يزال  ناقص في الجزائر .

إذ  نجد أسماء كبيرة و ذات يد ذهبية تبدع عند ما تخطوا صوب لوحة صماء غير أن  الأضواء و الشهرة قد طغت  وراء أسماء محددة لا جديد فيها.

من ناحية أخرى يضيف أن الحديث عن الفن وعراقيله في الجزائر يعود بنا دائما إلى نقطة رفاهية المجتمعات التي تحدد متى تهتم الدولة بالفن ومتى تلغي دوره بسبب الأولويات المجتمعية التي تجعل من المواد الأولوية للرسم غالية الثمن وأغلبيتها مستوردة .

في الأخيرأشارمحدثنا إلى طموحاته وآفاقه وتخصصه بالفن الذي يرتكز على دراسات وابحاث  في شتى المجالات بما يسمح له بالتفرد في لوحات خاصة تميزه ولا تتكرر مع الآخرين. 

 

شارك رأيك

التعليقات

لا تعليقات حتى الآن.

رأيك يهمنا. شارك أفكارك معنا.

barakanews

اقرأ المقالات البارزة من بريدك الإلكتروني مباشرةً


للتواصل معنا:


حقوق النشر 2024.جميع الحقوق محفوظة لصحيفة بركة نيوز.

تصميم وتطويرForTera Services

barakanews

اقرأ المقالات البارزة من بريدك الإلكتروني مباشرةً


للتواصل معنا:


حقوق النشر 2024.جميع الحقوق محفوظة لصحيفة بركة نيوز.

تصميم وتطويرForTera Services