36
0
أذان بلال

بقلم محمد مراح
الآذان شعيرة النداء للعبادة الأولى في الإسلام، تَخَيَّرَهُ النبي صلى الله عليه وسلم بهداية من الله تعالى بعناية بالغة من بين وسائل طُرِحَتْ بين يديه من الصحابة الكرام رضي الله عنهم. فكانت لطيفة انبثاقه رؤيتين صالحتين من صحابيين كريمين، بَصَم على مشروعيته، فدخل للتداول في النظام الروحي والاجتماعي للمجتمع المسلم عَلَمًا على صفته وميزته .
واختيار المولى تعالى هذا المسلك الروحي الغيبي اللطيف لانبثاق الوسيلة تماهيا مع سرّ أسرار الصلاة من عنوان العبودية الأول لله تعالى، واللوذ به من محب عاشق متذلل بين يديه، تضطرم عواطفه و وجدانه وأشواقه واجتماع كينونته على الاستقامة والطمأنينة والاعتدال والخشوع، وتمازج الجوارح مع كلّ ذلك في مشهد عبادة فريد.
و لعلّ في اختيار النبي صلى الله عليه وسلم بلالا مؤذنه الرئيس فضلا عن الصوت الندي، والسابقة في الإسلام هدية من الله تعالى ورسوله لِصَابِر الصخرة بأنشودة {أَحَدٌ أَحَدٌ }، ثم اختيار مؤذنه الثاني ابن أم مكتوم ترضية مبتلى صَدّقَ العتاب الرباني لنبيه فيه، مع عجز عن شهود الأثر على المُعَاتَب الطاهر صلى الله علبيه وسلم .
ولعلّ لطيفة اللطائف الخفية في شعيرة الأذان إشاعة الأُنْسِ في نفوس المسلمين والإنشراح في صدورهم ، والشوق للهرع إلى اللقاء في الكتاب الموقوت؛ فكأنما الأذان دفق من الأنوار و نهوض نشيط للإقبال على الصلاة.
فهو نوع من تحضير المسلم لها ، بما يليق بمنزلتها . هذابعض من مقال "من مآسي الأذان" المنشور في موقع "بركة نيوز " المحترم، من مآسى الأذان ! - ttps://www.barakanews.dz › posts › mn-mas-alathan @^26l11l2024
عرضنا فيه ما اعترى الأذان في كثير من مساجدنا اختلالات ، وسُقنا نماذج عنها . توجب تكوين وتوفير مؤذنين أكفاء متقنين ، وفق القواعد الشرعية، والشروط البيولوجية الصوتية على وجه الخصوص، و ملكات الصوت الجمالية كنداوته وعذوبته، وجماله الباعث على الخشوع ، بين يدي الإقبال على الصلاة.
وما ينبغي أن يُسْعى إليه بالتعاون بين الأطراف ذات الصلة ، أو ما يمكن وصفه بمجتمع المسجد والهيئات الإدارية الوصية ، ومدّ جسور التعاون والتواصل مع الهيئات الأكاديمية العلمية ، بل وأطباء النطق " orthophonistes " لتعيير سلامة جهاز النطق ، وكفاءته لدى المؤذن لخروج أحرف الآذان منه سليمة، خالية من العيوب ، والمطبات، التي تخل بالمهمة الشرعية العظيمة المقدسة .
أما اللامبالاة التي قد تلاحظ أحيانا على مجتمع المسجد إزاء الاختلالات التي تعتري بعض الأذانات ، فاستفحالها ـــــ ككل مجالات الحياة ـــــ قد يفرز "كُسَاحا شعوريا "ينتهى إلى بلادة لا تليق بالمجتمع المتحضر ، لأنها أخطر ما يهدد أمة في سلامتها الاجتماعية و النفسية والسلوكية ، وإجمالا واقعها ومستقبلها الحضاري ، كما قال الشيخ الإمام محمد الغزالي .
إذا لمسنا للمصلين عذرا ؛ قد يكون باعثه قلة علم أو عدمه، بأحكام الأذان الشرعية، ومقتضياته الصوتية والجمالية ، وقد تكون غلبة الهموم الاجتماعية اليومية ،فلا يأبهون لانتهاكات مؤذنين للأذان ؛ فما دام الصوت يرفع بنداء للصلاة ، فيلبى المستطيع منهم النداء ،لحضور الجماعة والجُمَعُ ، و ذوي الأعذار أو من لا تجب ولا تُسَنُّ في حقه الجماعة يبلغه دخول وقت الصلاة فيصلى . وقد يكون للعوامل التكنولوجيا المعلومات دورها في احتواء المشاعر والاهتمامات، والترفيه ، وإشباع المشاعر الدينية و الرغبات والحاجات النفسية والعاطفية والغريزية والتواصلية الاجتماعية والثقافية، أثر قوي جبار يشيح بالعقل عن التنبه لما يجري حوله ، ويُنَادَى به ، ويُخَاطَبُ ، في مختلف شأنه ؛ سلامة أو عطبا ، سوية أو اعوجاجا، مشروعا أو غير مشروع ، مسوغا أم غير مسوغ . وهذه بطبيعة الحال احدى معضلات التكنولوجيا الشبكية ، لا يختص بها مجال دون آخر .
كذلك قد يكون السبب اتقاء الناس الفتن التي قد تنجر عن النهي عن هذا المنكر الذي يطال الأذان ، وكثير من الأوضاع المسجدية التي تحتاج إلى الجهود الحكيمة لمعالجتها والحفاظ على سمة المسجد و وقاره ، وقداسة العبادة ، ووحدة الصف الاجتماعي ،وسلاسة رسالته العظيمة ، وبسط المرجعية الدينية الوطنية على المجتمع المسجدي ، واليقظة الذكية من التسربات الخطيرة التي أعطتنا مأساتنا الوطنية درسا بليغا فيها .
إلا أنه لا يلتمس للأئمة وذوي الأحلام من مجتمع المسجد إلا الشعور بأهمية أن يكون الآذان ، آذان بلال : صيتا،، سليم المنطق، عذب النغم ، خَشُوعٌ الوقع ، مرطب الطباع ، جَذِب القلوب .
لقد سقنا في المقال " مآسي الأذان "عينات معيبة للآذان الذي يرجى له تحقق تلك الغايات .
نحب إعادة التذكير بها، متوقعين تكاتف الأطراف ذات الصلة التي ذكرنا على التكفل بها بما يمنح المجتمع أذانا يجذب القلوب ، ويؤنس النفوس .
لذا نغتم الفرصة هنا لسوق عينات يتجلى فيها الخلل والتجاوز جليا معيبا :
1/مؤذن مسجد متطوع ، تجاوز كل ما يمكن التغاضي عنه : فالتكبير في الأذان صار هكذا {{{ الله أبّر ..." والحيعلة صارت عنده هكذا " حي على صلاه" بالتنكر، وهو تجاوز فاحش .
2/ مسجد يعتمد المؤذن السرعة القصوى بصوت منفر مزعج .، وإنهائه على عجلة لا تليق بالأذان و لا ولا بالذائقة الإسلامية السليمة .
3/ مؤذن يلف :" لا إله إلا الله " حتى لا تكاد أحرف الشهادة فيها تبين
4/ ومؤذن مسجد آخر ، يميل المؤذن لفظ الجلالة ، إمالة منكرة في "الله أكبر " هكذا :" إليييه ....
5/ و مسجد آخر أيضا مؤذنه يبدو أنه من ذوي الاحتياجات الخاصة ، يعاني من صعوبة في سلاسة النطق و طلاقته ، فتأتي ألفاظ الآذان منه مضغوطة على نحو منكر .مهدر لكل قيمة صوتية للآذان.
أما عن الحلول فلا نزال نرى فيما اقترحناه ضمن مقالنا المذكور ، وضعا للأمر في موضعه، والذهاب به تطورا يؤدى دوره الشرعي منذ اختار الرسول صلى الله عليه وسلم سيدنا بلالا مؤذنه، بأعلى مواصفات الجودة والخشوع ، مع ما تراه هيئة الفتوى الشرعية الرسمية من أحكام وضوابط .أعيد ذكرها هنا :
نقترح للتعامل مع هذه المآسي والمخالفات واللامبالاة ما يأتي ذكره :
1. الرقابة : من خلال زيارات تفتيش ومعاينة و توجيه، تنفذها مديريات الشؤون الدينية. وجلال المهمة يستدعى التفكير في تطوير هذه المهمة على نحو مجدي ومثمر ، لهذا أقترح :
أ ـــ أن تتكون اللجان من إدرايين وأئمة أساتذة وعضوية مندوبين عن اللجان الدينية للمساجد، ومتطوعين من رواد المساجد المُتَّصِفين بالحكمة والعلم والاحترام .
بـــــــ إنشاء اتفاقيات تعاون بين مديريات الشؤون الدينية لتبادل الخبرات والتفتيش بين الولايات.
2. بعث وتطوير أنظمة إلكترونية رقمية للمساجد، تُمَكِّن المصلين وجيران المساجد من المشاركة في استبانات الرضى عن أداء المؤذنين . والتشجيع على ثقافة التبليغ .
3. إعتماد التقييمات المستمرة في الترقية الوظيفية .
4. اعتماد شروط لجان توظيف المؤذنين وفق المعايير التي ينص عليها المذهب المالكي، والمذهب الإباضي . و شروط لجان مسابقات التوظيف من بينها علماء القراءات و أساتذة موسيقى متخصصين في المقامات .
5. إنشاء أكاديميات ومعاهد إعداد وتدريب المؤذنين تأسيا واستفادة من نماذج راقية : فقد أنشات بعض الدول العربية الإسلامية أكاديميات ومعاهد لتدريب المؤذنين من بينها ؛ أ ــــ السعودية : استحدثت الرئاسة العامة لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي، إدارة أكاديمية التدريب على الأذان وتأهيل المؤذنين. يقوم عليها نخبة من أهل العلم لبيان الأحكام الفقهية، وكوكبة من مؤذني المسجد الحرام للتدريب على الأذان وتجويده وتأهيل المؤذنين، والعمل على نشر العلم الشرعي المختص بفقه الأذان، وحلية المؤذن، وتحسين الأداء وتطويره.
بـــــ البحرين : بدء خطتها لرفع كفاءة أداء المؤذنين على مدار العام، من عناية مجلس الأوقاف السنية بشعيرة الأذان، وتجويده وتطوير كادر مميز من المؤذنين، لأداء هذه الشعيرة بأداء متميز، وفق الأحكام الشرعية .
يقوم البرنامج التدريبي على محورين أساسين، الأول (عملي) وهو تحسين أداء الصوتي والمحور الثاني (نظري) وهو أحكام الأذان وأخطاء المؤذنين، وتضم لجنة المدربين نخبة من المشايخ البحرينيين المتقنين للعلوم الشرعية والمختصين في مجال الأداء الصوتي، ويهدف البرنامج التدريبي إلى تصحيح مخارج الحروف وحسن الأداء الصوتي و جماليته. "الأوقاف السنية: بدء المرحلة الأولى لتدريب وتأهيل المؤذنين"، https://akhbar-alkhaleej.com › e07/08/2023
جـــ تونس : استعانت السلطات الدينية في تونس بتدريبات موجهة إلى المؤذنين من أجل تطوير قدراتهم الصوتية عند أداء ورفع الأذان، بالاستعانة بـ"معهد الرشيدية" وهو أعرق المعاهد الموسيقية في تونس، لتدريب الأئمة والمؤذنين في عام 2018، وذلك بعد سنوات من الانتقادات التي يواجهها المؤذنون حول أصواتهم." تونس تطلق تدريبات لمؤذنيها لتطوير قدراتهم الصوتيةhttps://www.independentarabia.com 26/03/2024
د ـــ تركيا :عنايتها بالأذان وإعداد المؤذنين فريدة في نوعها : إذ أنشات مؤسسة تدريس الأذان، نجحت في تحويله إلى علم يدرس ومنصب يفتخر به أصحابه، فهيئة الشؤون الدينية تشترط مجموعة من التعليمات على من يريد أن يكون مؤذنًا، ومنها: التحاقه بمدرسة الأئمة والخطباء، وأن يكون متخرجًا من الثانوية ولديه صوت جميل ومرونة، والأهم من ذلك، أن يكون حافظَا للقرآن الكريم كاملًا، ومخارج حروفه سليمة ودقيقة، وعند اكتمال هذه المتطلبات، يجرى امتحانًا لتقييم القدرات، خاصة لمن يجري تعيينهم في المساجد المزدحمة والتي تحمل أهمية تاريخية كبيرة مثل مسجد السلطان أحمد والسليمانية والفاتح.
كما أسست مدرسة “الحفاظ الأنديرون” التي تختص بتدريس المقامات الموسيقية المستخدمة في قراءة القرآن والأذان، إذ تعد هذه المقامات مذهبًا عثمانيًا خالصًا، ويصل عدد المقامات المستخدمة إلى خمسة عشر مقاما، ولكل أذان مقامه الخاص، فمثلًا يستخدم:
أذان الفجر مقام الصبا في لتميزه بالهدوء وما يتركه من خشوع لدى السامع، أما وقت أذان صلاة الظهر مقام البيات أو العشاق، لإيقاعه السريع والحركي الذي يوافق حركة الناس في الأسواق وأعمالهم، وحين يأتي وقت العصر، مقام الراست هو الأنسب لوقاره وفخامته ولنغمة البهجة والسرور التي تطلقها إيقاعاته، ويطلق عليه أبو المقامات، أما أذان المغرب فيتماشى مع مقام السيكا الذي يتناسب مع مدة فترة المغرب القصيرة والسريعة، وأخيرًا يرفع أذان العشاء على مقام الحجاز لهدوء نغمته والذي يتوافق مع سكون الليل، فيخفف عن الناس تعبهم وارهاقهم طوال اليوم. وتتسم جميع المقامات بالوقار والرصانة والتي استخدمت أيضًا في إيران والمملكة السعودية ومصر . "كيف تحول الأذان إلى علم يدرّس في تركيا؟ https://www.noonpost.com 19/1/2018 حقا :" النُّفُوسُ تَخْشَعُ لِلصَّوْتِ الْحَسَنِ كَمَا تَخْشَعُ لِلْوَجْهِ ا.لْحَسَنِ
6/أضيف ضرورة بعث لجان تفتيش شبيهة بمفتشي التعليم لتفقد ومراقبة وتوجيه المؤذنين، وتقييم أدائهم بصرامة ، لا تسامح فيها؛ لأن الآذان رآه كثير من الكسالى والأميين أيسر السبل للحصول على وظيف في المساجد، أو إتمام العمر بقربة كيفما اتفق .

