954
0
الطلاق العاطفي …موت غير معلن للزواج
الجزء الثاني
بقلم الخبيرة التربوية فاطمة نايت مسعود
والطلاق العاطفي كأي ظاهرة اجتماعية أخرى لابد من وجود أسباب قد أدت إليه، ومن أهم أسباب الطلاق العاطفي:
أسباب متعلقة بالزوج: مثل ضعف صلته بالله، وإهماله وتجاهله طلبات زوجته، ومقارنتها بالأخريات، وعدم غض بصره، والسب، والإيذاء الجسدي، والتهديد بالطلاق أو الزواج، والعصبية، واختصار الواجبات الزوجية في النفقة، وإهمال المظهر، والنشأة في بيئة جافة عاطفيّا، وسوء استخدام وسائل التواصل والتقنيات.
أسباب متعلقة بالزوجة: ضعف صلتها بالله، وجهلها بحقوق زوجها عليها، وتقصيرها في التزيّن له، والاهتمام بالأبناء على حسابه، وكثرة الشكوى، والبخل في المشاعر، والتعامل المستفز، والتغيرات النفسية الناتجة عن التقلبات الهرمونية والبيولوجية.
قد يرجع سببُ الصمت بين الزوجين إلى أن الزوجةَ لا تهتم أثناء حديثها مع زوجها إلا بالحديث عن الاحتياجات المادية للأسرة، ولا تلاحظ أن كثرةَ الأعباء المادية ترهق الزوجَ؛ مما يدفع الزوج إلى تجنُّب الحديث معها؛ لأنه أصبح يعرِفُ ما سوف تتحدث عنه الزوجة مسبقًا.
انعدام لغةِ الحوار بين الزوجين أن التطور الكبير للتكنولوجيا وزيادة وسائل الترفيه أدى إلى ضياع الوقت، كما في ظهور التليفزيون وماتبِعه من تعدُّد القنوات الفضائية، وظهور الكمبيوتر والإنترنت؛ حيث أثَّر ذلك بشكل كبير على استمرار لغة الحوار والاتصال بين الزوجين، وأدى إلى هروب الأزواجِ إلى مشاهدة التلفاز، أو إلى الجلوس أمام الإنترنت وانعدام لغةِ الحوار بين الزوجين. ويؤكد الخبراء النفسيون أن هروب الزوج إلى المكوث طويلاً أمام الإنترنت إنما هو نوعٌ من العقاب النفسي القاسي للزوجة، وهي وسيلةٌ لفرض الصمت الزواجي على الحياة الأسرية، وإغلاق نوافذ التواصل، سواء بالكلام مع الزوجة، أو بالإنصات إليها..
كذلك من أسباب الصمت بين الزوجين اختلافُ ثقافتهما واهتماماتهما. كذلك التكبُّر بين الزوجين؛ فهناك الكثير من الأزواج يرى أن زوجته لا تعرف شيئًا، ولا تستطيع أن تصل إلى مستواه العقلي والعلمي؛ فهؤلاء الأزواج يرَوْنَ أنفسَهم الأفضل دائمًا.
أصدقاء وصديقات العمل؛ فقد يكون لدى الزوج الكثير من الأصدقاء والصديقات في العمل الذين يتحدَّثُ إليهم طوال اليوم أثناء وجوده في العمل، وحين يرجع إلى المنزل يكون قد وصل إلى درجة الإشباع من الكلام، وبالتالي فهو لا يريد الحديثَ أو الكلام عن أي شيء، ولكن نجد هذا النوع من الأزواج يريد ممارسةَ نوعٍ آخر من النشاط داخل المنزل غير الكلام، فهو يريد مثلاً مشاهدة التلفاز، أو قد يريد النوم، أو يريد الجلوس على الإنترنت، وهنا نجد أن هذا الزوجَ لم يُراعِ مشاعر زوجته التي ظلت تنتظرُه طوال النهار حتى يأتيَ من العمل لتتحدثَ معه، خاصة إذا كانت هذه الزوجةُ لا تعمل.
عدم الإنصات من جانب الزوجة؛ فهناك الكثيرات اللاتي يجهَلْنَ أهمية الإنصات؛ فأغلبُ النساء يُرِدْن الحديث، ولا يعرِفْنَ مهارة الإنصات، وذلك يجعل الزوجَ يشعُر بالملل أثناء الحديث، ويحاول أن يلجَأَ إلى الهروب من الحديث معها لأي شيء آخر .
ومن أسباب الطلاق العاطفي أيضاً: بخل الزوج على زوجته في الأمور المادية أو المعنوية أو فيما يمنحها من وقته لغرض إشباع حاجاتها. وانغماسه أو كلاهما بالعمل لمواجهة الضغوطات المادية وسد احتياجات البيت والأولاد مهملين كل ما من شأنه أن يثير العاطفة دون انتباه منهما، الأمر الذي يتسبب في اتساع الفجوة بينهما تدريجياً، وانعدام العلاقة الحميمية بينهما أو تحولها إلى مجرد روتين أو واجب مفروض عليه. بالاضافة الى انعدام الثقة بين الطرفين أو من قبل أحدهما بسبب ممارسة الكذب أو الخيانة.
البرود الجنسي والهجر بين الأزواج، والقسوة في التعامل بين الزوجين، والخيانة الزوجية تعود لجفاف المشاعر العاطفية، إلى جانب ارتباط الطلاق العاطفي بين الأزواج بتدني أو غياب الثقافة الزوجية التي يفتقر لها الكثير من الأزواج ممن لا يجيدون مهارات التعامل مع الطرف الآخر بالصورة المطلوبة
آثـــار الطلاق العاطفي
والطلاق العاطفي لا تقل آثاره السلبية عن الطلاق الفعلي، بل قد تكون أشد في أحيان كثيرة، فأما بالنسبة للزوجين فهو ينتزع من قلبيهما الحب والود لبعضهما ويجردهما من الاهتمام ببعضهما، وأي حياةٍ هي تلك التي تخلو من الحب وتتجرد من الاهتمام؟
إنها ظاهراً حياة وأما باطنها فالجحيم عينه؛ لأنها تولد مشاعر الإحباط والحزن فضلاً عن الفراغ العاطفي، وكل ذلك يتصل اتصالاً وثيقاً على المدى البعيد بحالات الاكتئاب والقلق والاضطرابات في الصحة النفسية والجسمية على حد سواء. وعلى الرغم من أن الطلاق العاطفي يترك آثاره السلبية على الطرفين إلا أنه يكون على الزوجة أشد وأصعب، لأنها الأكثر حاجة إلى العاطفة والاهتمام من جهة، ومن جهة أخرى لأن الزوج بإمكانه أن يعوض ما قد يفتقده في حياته الزوجية هذه في حياة زوجية أخرى، وأما الزوجة فليس لها ذلك، ولذا يمكن إعتبار الطلاق العاطفي من أهم الاسباب التي تدفع الزوجة الى الخيانة والعياذ بالله وإن كان ليس مبررا لها.
وأما بالنسبة للأبناء، فهم الخاسر الأكبر، إذ تتمزق زهرة طفولتهما بأشواك هذا الداء العضال حيث يغرس أنيابه ومخالبه في جسد أسرتهم قاتلة لسعادتهم. حيث الوالدان لا يلتفتان سوى إلى الإحتياجات اليومية للأسرة، غير مكترثين لمشاعر الأبناء مما ينعكس ذلك على مرحلة المراهقة في صورة انحراف بحثاً عن الحنان الذي يفتقدونه داخل الأسرة، هذا الجفاف العاطفي يؤلم المراهق ويفقده الثقة بأسرته ومحيطه ويدفع به إلى إيجاد العاطفة في أماكن أخرى، من الممكن أن تكون خطيرة عليه في بعض الأحيان، وأن تقوده إلى الانحراف السلوكي والعاطفي فضلاً عن حالة القلق التي تلازمهم لسوء العلاقات بين والديهما وتوترها ؛ ولذا فإن أغلب الأبناء في حالة الطلاق العاطفي يعانون من الاكتئاب وعدم القدرة على مواجهة الحياة، فضلاً عن انطباع صورة سلبية مشوّهة للزواج في أذهانهم.
تقنيات عملية لتفادي الطلاق العاطفي
أن العلاقة الزوجية تحتاج من وقت لآخر إلى صيانة، واعادة تقييم، من خلال تطوير كل شريك لمشاعره وهواياته ورغباته بعيداً عن الآخر، وزيادة جرعة الاهتمام الفكري والجسدي والسلوكي والمعرفي بما يخلق للحياة نكهة وشكلاً جديدين.
اعتراف الزوجين بوجود فيروس خطير قد اخترق جسم الحياة الزوجية وعمل على إعاقته وهو الطلاق العاطفي. والاتفاق على ضرورة تكاتفهما وبذل كل ما في وسعهما من جهود من أجل القضاء عليه لتستعيد حياتهما الزوجية كامل صحتها وتمام جمالها..
العمل على تأصيل سمة الصراحة والوضوح في التعامل بين الزوجين ليتمكن كل منهما من فهم الآخر وفهم مشاعره بالشكل الصحيح، والتعرف على احتياجاته وأفكاره و مشاكله و مخاوفه التي تساعد كثيراً على فهم الآخر وتعميق العلاقة بينهما وتقويتها. و كما يجب عدم تأجيل المشاكل وتركها تتراكم، بل طرحها للنقاش مع انتقاء الألفاظ التي لا تثير غضب واستياء الطرف الآخر لئلا يتحول الأمر إلى حقد وكراهية .
اعتماد لغة الحوار والتفاهم بين الزوجين والابتعاد عن الاتهام والتجريح والحرص على الخروج من الحوار بثمرة مفيدة تتمثل في الحل الذي يرتضيه الطرفان ..
تقدير كل من الزوجين الأعمال التي يقدمها الآخر وشكره عليها مهما كانت بسيطة، والاهتمام بإيجابياته ومدحه عليها والامتنان منه لغرض تعزيزها.
احترام الطرف الآخر وتجنب فعل أو قول كل ما يشعره بالإهانة مهما بدا بسيطاً. وإشعاره بأهميته البالغة في حياة شريكه وجعله من أولوياته ومنحه الاهتمام اللازم.
الاهتمام بالعلاقة الخاصة بين الزوجين والإقلاع عن إشعار الطرف الآخر بأنها مجرد تأدية واجب.
مشاركة كل طرف هوايات واهتمامات الطرف الآخر.
اعتماد اللطف والرقة في الأقوال والأفعال مع الطرف الآخر لجذب وده ومحبته.
أكثر ما يجمد العلاقات هو الروتين اليومي فمن المفيد إدخال أمور جديدة في الحياة الزوجية لكسر هذا الروتين من قبيل القيام بنزهات أسبوعية أو زيارة الأماكن التي كانا يزورانها معاً في أيام الخطوبة وبداية الزواج لإستذكار تلك الذكريات الجميلة العبقة بحب الطرف الآخر.
على كل من الطرفين أن يحاول تقبُّل الطرف الآخر وغض الطرف عما قد يشتمل عليه من عيوب، وتذكُّر أننا لسنا بمعصومين ومن الطبيعي أن تصدر منا بعض الأخطاء، ومن لا يغفر لصاحبه اليوم خطأه كيف يتوقع منه أن يغفر له أخطاءه بعدئذ؟
لا بد أن يكون لدى الزوجين النيةُ الأكيدة لتغيير الوضعِ حيث إن الحياة الزوجية شراكة بين الزوجين فقد قال تعالى: {وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [الإسراء: 53]. كما قال سبحانه وتعالى: {وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل: 125]. و على الزوجة أن تجعَلَ الابتسامةَ والهدوء عنوانَ حديثها؛ فالابتسامة والهدوء هما أحد أسرار الجاذبية
على الزوجة أن تبتعد عن كثرة الشكوى، سواء من الأولاد أو من الحياة بصفة عامة، وأن تختارَ الزوجة الوقتَ المناسب لعرض المشكلة، فلا تطرح المشكلةَ على الزوج فور عودته من العمل مثلاً.
التواضع بين الزوجين، فلا يتعالى أيٌّ منهما على الآخر.
الاعتراف بالخطأ من جانب الزوجين، وعدم إصرار كل طرف على رأيه والتمسك به، خاصة إذا اقتنع أيٌّ منهما برأي الطرف الآخر.
يجب احترام المساحة الشخصية لكل طرف.
يجب على الزوجين أخذ دورة في التأهيل الزواجي للاستعداد التام للحياة الزوجية و لمعرفة تفكير و سكولوجية الطرف الاخر.
الزواج يحتاج لرجل قوي بكل معنى الكلمة وإنسانة عاقلة واعية لمتطلبات الحياة الزوجية
وأخيراً يجب أن تعلم كل زوجة أن الحب طفل صغير، يستطيع الإنسان أن يقتله في مهده أو أن يتركه حياً ولكن بلا روح أو حراك، أو أن يوقظه فيجعل منه قوة هائلة تضفي على حياته جواً من البهجة والتفاؤل والسعادة.