4235
0
الطلاق العاطفي بين الزوجين ماهي أسبابه الخفية وكيف نتعامل معه؟
الجزء الأول
بقلم المستشارة التربوية والخبيرة الأسرية فاطمة نايت مسعود
شراكة تحت سقف واحد بين خصمين، أو بالأحرى متناقضين، يجمع بينهما التأسي على نفسيهما، والتأسف صمتاً ولحظياً على حظهما الذي قادهما لاختيار بعضهما البعض، والموافقة على توحيد خطاهما بالاقتران، ليعيشا لاحقا مع فقدان التوافق النفسي متباعدين من جميع الجوانب، فرغم تواجدهما في مساحة مكانية واحدة، إلا أن هناك مسافة شاسعة بينهما تمنع الاندماج النفسي، والكياني.
فالحكاية ظلامية التفاصيل لبيوت مفتوحة على خواء مشاعر، وتضاد فكري، وصمت مطبق، وإفلاس تام في المودة والرحمة اللتين ترتكز عليهما الحياة الزوجية الصحية والصحيحة، ففي تقرير لمجلة «بونته» الألمانية توضح الإحصائيات أن تسعاً من كل عشر نساء يعانين صمت الأزواج، وانعدام المشاعر بين الأزواج المرتبطين منذ أكثر من خمس سنوات، وأن 79% من حالات الانفصال تكون بسبب معاناة الزوجة من انعدام المشاعر، وعدم تعبير الزوج عن عواطفه لها، وانعدام الحوار بينهما.
وإن كان التمازج النفسي والحسي مفقوداً في الطلاق العاطفي، والانفصال الكامل في التواصل بين الشريكين ،الصمت هو سيد الموقف، فهناك تداعيات أخرى تلحق به، تشكل جرحا لا يندمل في رئة العلاقة الزوجية المشوهة التي تجمعهما، حيث قد تلجأ الزوجة إلى رفع دعوى نفقة مالية على الزوج وهى معه في بيت واحد، لامتناعه عن الإنفاق عليها، حيث يؤدي التباعد والهجران في كثير من هذه الحالات إلى رفض الزوج منح الزوجة أي مصروف، حيث يسقطها من حساباته المادية ومن حسبانه إجمالاً، مكتفياً بسد احتياجات البيت من مأكل ومشرب فقط، وإهمال أي حق لها دون ذلك، ما يضطرها إلى رفع دعوى للمطالبة بنفقة، وبالفعل – ووفقاً للقانون – تقضي المحكمة لها بها، والصورة قاتمة لهذه المطالبة الشرعية، حيث يقف الزوجان المتناحران نفسياً أمام القاضي – مدعياً ومدعى عليه – ليروي كل منهما أسباب رفض الأول الإنفاق، وحاجة الثانية للمطالبة به، وينتهي الأمر لصالح الزوجة بالنفقة، ومن ثم يخرجان من قاعة المحكمة كل في اتجاه ، ويتوجهان إلى بيتهما المقسم بينهما، ليقبعا كل في غرفته أو في مكانه المنفصل عن الآخر، داخل المساحة الواحدة!
الطلاق العاطفي وأنماطه
يمكن تعريف الطلاق العاطفي بأنه حالة غياب المشاعر والعواطف من الحياة الزوجية ، فيعيشان في مكان واحد وتحت سقف واحد وكأنهما غريبين عن بعضهما وهما مضطران الى ذلك، إما حفاظاً على شكل الأسرة أمام المجتمع الذي يستنكر الطلاق الفعلي عادة، أو حفاظاً على الأولاد من الضياع. ولا تقتصر الآثار السلبية للطلاق العاطفي على الزوجين بل إنها تمتد إلى باقي أفراد الأسرة.
والطلاق العاطفي قد يتخذ وضعاً صامتاً فعلى الرغم من انعدام المشاعر والعواطف بين الزوجين إلا أنهما هادئان كما لو تم عقد اتفاق بينهما على ذلك. وقد يتخذ وضعاً عاصفاً بحيث تشق أجواء الصمت..
والطلاق العاطفي كما يكون من جهة الزوجين معا قد يكون من جهة أحدهما فقط لسبب ما، فيعمد إلى إماتة مشاعره تجاه الطرف الآخر عمداً أو أنها قد تدخل في سبات تدريجياً من غير قصد، رغم حياة مشاعر الطرف الآخر تجاهه ورجواه بالعودة إلى سابق عهده.
أصبح صمتُ الزوج الدائم شكوى الكثير من السيدات؛ وذلك لعدم وجودِ حوارٍ بين الزوجين؛ وذلك نظرًا لِما يشعُرْن به من الأسى والمرارة بسبب العجز في التواصل مع الزوج؛ حيث تقول الكثيرات منهن: إن الزوجَ عند جلوسه مع أصدقائه أو أقاربه يكون متحدثًا ومحاورًا بدرجة ممتازة على عكس سلوكه معها، كما أنه عندما يكون في لحظات الصمت القاتلة داخل المنزل قد لا يكسِرُ هذا الصمتَ إلا جرسُ تليفونه الخاص، فعندها يتحول فجأة إلى شخص آخر، ولكن هل حاولت إحدى هؤلاء السيدات أن تحطِّم جدران الصمت التي كوَّنتها الأيامُ والزمن بينها وبين زوجها؟ هل حاولت إحداهن معرفة سبب ذلك؟
“جعل الله سبحانه وتعالى من الزواج المودة والسكينة والطمأنينة، فإذا غابت هذه الراحة حدث الخلل في المؤسسة الأسرية، ولم يبق أمام الزوجين إلا أبغض الحلال”.
الهجر في العلاقة الزوجية
الهجر هو الاسم الشرعي للطلاق العاطفي، حيث يلجأ له البعض للتأديب، وللهجر أو الطلاق العاطفي في الشرع مدة زمنية محددة، لأن الشرع معنِي بعدم توسيع دائرة الخلاف الأسري، فيبدأ بالهجر في الكلام، بشرط ألا يتجاوز ثلاثة أيام، ومن ثم الهجر في المضاجع، ووفق أهل العلم لا يجوز أن يتجاوز الشهر، ويمكن قطع المدة قبل انتهائها على أمل أن تعود الزوجة لرشدها.
مراحل الطلاق العاطفي:
- المقاومة: حيث يبدأ أحد الأطراف بالانزعاج من تصرفات معينة.
- الغيظ: عند عدم معالجة المقاومة السابقة؛ ستتحول إلى غيظ وغضب.
- الرفض: بعد أن يتنامى الغيظ، وتعددت المواقف؛ تبدأ المهاجمة اللفظية أو العملية.
- الكبت: بعد التعب من الهجوم المتكرر، يلجأ الشريك إلى تخفيف الألم بتجاهله.
المظاهر والمؤشرات الدالة على وجود الطلاق العاطفي:
- الصمت وغياب الحوار.
- الانسحاب من المعاشرة الزوجية.
- جمود العواطف.
- غياب البهجة والفرح والمودة.
- النفور من الطرف الآخر.
- الشعور بالندم على الارتباط بالطرف الآخر.
- التفكير في الطلاق.
- رمي المسؤوليات على الطرف الآخر.
- الإهمال والأنانية واللامبالاة.
- البحث عن بدائل.
تشخيص للواقع..
في ظل لامبالاة كل واحد منهما تجاه ديمومة الحياة الزوجية، والثورة التكنولوجية، والاختلاط المبالغ فيه، وعدم اهتمام الرجل برجولته، والأنثى بأنوثتها، ظهرت قنوات اخرى للتواصل الاجتماعي سرقت الحياة من دفء وحميمية الشريكين.
هناك مجموعة من المخاطر والمحاذير التي يجب أن تنتبه لها وتعرف بها أنك دخلت في مرحلة الطلاق العاطفي وتسعى للعلاج في حينها ومن هذه المحاذير:
فقدان الثقة: يمر الزوجان بعدة مراحل قبل حدوث علامات الهجران والطلاق العاطفي تبدأ بزعزعة الثقة وفقدانها، حيث إن الثقة تكون دائما المرتكز الرئيسي في العلاقة الزوجية ولا يمكن أن يعيش الزوجان في سعادة في حالة انعدام الثقة، وفي تلك المرحلة يفقد أحد الأطراف الشعور بالأمان وتهتز صورة الطرف الثاني في نظره.
الفتور: أما المرحلة الثانية هي مرحلة فتور الحب وفقدانه، وفي تلك المرحلة يزيد العتاب واللوم في كافة التفاصيل مع الشعور بفقدان الأمل في الطرف الآخر، وتزيد الاتهامات المتبادلة بعدم المسؤولية.
الأنانية: المرحلة الثالثة تتمثل في الأنانية، وفي تلك المرحلة يبدأ الطرفان في التفكير في أنفسهما ومصلحتهما فقط بشكل شخصي دون الالتفات للطرف الآخر، وفي تلك المرحلة تتدمر قواعد الحياة المشتركة والسعادة الأسرية.
ما هي علامات الطلاق العاطفي؟
الصمت: والمرحلة الرابعة هي الصمت الزوجي، وفي تلك المرحلة تزيد نسبة الفتور بشكل كبير بعد التوقف عن التحدث تماما بين الزوجين وتنتهي فيها المشاعر الودية ويرى حينها الطرفان أو أحد الأطراف أنه لا جدوى من الآخر إطلاقا.
البرود والجدية: المرحلة الخامسة والأخيرة هي مرحلة الطلاق العاطفي، التي يكون فيها الجدية والرسمية والبرود هي السمات الرائدة في العلاقة بين الزوجين وتغيب العفوية والتعامل الودي وتنتهي العاطفة بين الزوجين تماما وقد ينتهي الأمر بالطلاق الحقيقي والانفصال.
غياب الحميمية: الشعور بغياب الحميمية وفيها تكون غير مهتم ولا تتذكر أخر مرة شعرت فيها بالحميمية مع شريك حياتك إذا شعرت بذلك فتلك مشكلة يجب أن تنتبه لها.
التوقف عن المشاركة: ومن المحاذير أيضا الشعور بالحاجة للتوقف عن المشاركة حيث تشعر أنك لا تريد التحدث في الهاتف أو وسائل التواصل معا أو السماع عن يوم شريكك أو حياته بشكل عام، فذلك يعني وجود مشكلة، وأيضا إذا شعرت أنك نسيت الأيام المميزة مع شريك حياتك، فيعني ذلك فتورا كبيرا في العلاقة وعدم اهتمام بالطرف الآخر بشكل تام.
التوقف عن طلب المساعدة: ومن محاذير ومخاطر الطلاق العاطفي، إذا وجدت شريك حياتك لا يطلب منك شيئا أو لا يعتمد عليك في مساعدته إطلاقا وتوقف عن اللجوء إليك أو طلب مساعدتك في أموره الخاصة، فمعنى ذلك شعوره بالوحدة، وبأنك أصبحت غريبا لديه، وذلك يعني أن هناك مشكلة حقيقة بينكما يجب الانتباه إليها
يتبع…