194
0
التجربة الروائية لعزمي بشارة محور رسالة ماجستير في جامعة النجاح

شهدت جامعة النجاح الوطنية الفلسطينية ، اليوم، إنجازاً أكاديمياً لافتاً، تمثل في مناقشة رسالة الماجستير المقدمة من الطالبة رجاء رشيد محمود الحلبي في برنامج اللغة العربية وآدابها، جاءت الرسالة تحت عنوان: "روايتا "الحاجز" و"حب في منطقة الظل" للكاتب عزمي بشارة دراسة تحليلية في المضمون والفن"، وقد أعلنت اللجنة نجاح الطالبة وحصولها على درجة الماجستير في اللغة العربية وآدابها.
هدفت الدراسة إلى تقديم تحليل شمولي للروايتين اللتين صدرتا تباعاً عامي 2004 و2005، بالجمع بين التحليل الموضوعي الفكري والتحليل الفني السردي، وتكمن أهميتها في دراسة التجربة الروائية لشخصية ذات ثقل سياسي وأكاديمي مثل عزمي بشارة، والكشف عن الجانب الوجداني في كتاباته، وقد سعت الدراسة للإجابة على تساؤلات حول كيفية تصوير الروايتين للحياة الاجتماعية والاقتصادية للفلسطينيين، ومدى ارتباطهما بالإيديولوجيا السياسية للكاتب، والجديد الذي أضافتاه في التقنيات السردية.
وتكونت لجنة المناقشة من قامات أكاديمية فلسطينية مرموقة، وضمت كلاً من د. نادر القاسم، مشرفاً ورئيساً للجنة، وأ.د. زاهر حنني، عضواً؛ ممتحناً خارجياً، وأ.د. غانم مزعل، عضواً، وممتحناً داخلياً.
اعتمدت الدراسة المنهج الوصفي التحليلي لتطبيق نظريات التحليل السردي الروائي، والكشف عن جماليات الرواية الفنية وأفكارها، وقد انتظمت الرسالة في تمهيد وثلاثة فصول وخاتمة.
عالجت الباحثة في التمهيد ثلاثة محاور رئيسية، وهي: علاقة الرواية بقضايا التحرر الوطني والحديث عن الرواية المقاومة، ومفهوم السيرة الذاتية وعلاقته بالرواية، وتقديم جانب من سيرة عزمي بشارة.
في حين توقف الفصل الأول عند الأفكار السياسية والاجتماعية في الروايتين، ففي رواية "الحاجز"، رصدت الباحثة معاناة الناس اليومية، وتعامل الجنود على الحواجز، وتداعيات سياسة الحواجز التي تتعدى الأثر السياسي لتصبح حرباً على مفردات حياة الشعب الفلسطيني، كما ناقش الفصل انتقاد الرواية لبعض تصرفات الفلسطينيين السلبية، والطرق الالتفافية والممرات الفرعية التي فرضها الواقع، وأما رواية "حب في منطقة الظل" فقد تناول التحليل موضوعات مثل المرأة وعالم الجمال، ومسألة الهوية، والديمقراطية، وتأثير الصحافة والإعلام في تشكيل الرأي العام، ونقد بنية المجتمع العربي وتفكيره.
وبحث الفصل الثاني مظاهر الإبداع الأدبي وجماليات التشكيل في الروايتين، فدرست الباحثة، جماليات التشكيل، فتطرقت إلى تجنيس الروايتين ودلالاته، حيث صنفت "الحاجز" بكونها شظايا رواية تعكس تشظي الناس وتفرقهم على الحواجز، وكذلك درست التقنيات السردية، فتناولت المشهديات السردية في "الحاجز"، وبناء "حب في منطقة الظل" على تقنية المونولوج الذاتي والاستعارات السردية الكبرى فيها، ودرست مدى ارتباط الروايتين بالسيرة الذاتية لعزمي بشارة وحضور المؤلف فيهما.
في حين ركز الفصل الثالث على تحليل العناصر الفنية بالتفصيل، مبيناً افتراقاً فنياً بين العملين في توظيفها العتبات، حيث تحليل العناوين الداخلية والعنوان الخارجي والاقتباسات الاستهلالية، مثل توظيف مقطع غنائي يهودي في "الحاجز"، يتحدث عن "جسر ضيق جداً"، ليرتبط بموضوع الهوية والعلاقة مع الآخر، وفي موضوعة اللغة بينت الباحثة طبيعة اللغة الروائية في الروايتين، فتم تحليل استخدام اللغة الفصيحة، والعامية، والألفاظ العبرية والأجنبية.
وأوضحت الدراسة أن رواية "الحاجز" لم تعتمد على الحبكة الروائية التقليدية، بينما اعتمدت رواية "حب في منطقة الظل" على تقنية التشات في الفضاء الإلكتروني، مما انعكس على الحركات السردية الأربعة (الوقفة والحذف والمشهد والخلاصة)، كما درست طبيعة الشخصيات التي اتسمت بـ"الناسية" في "الحاجز" أي التركيز على كونها تمثل "الناس" ككتلة بشرية، وتمثيل الشخصيات الواقعية في "حب في منطقة الظل".
وفي الخاتمة أكدت الدراسة أن المنجز الروائي لعزمي بشارة لا يقل أهمية عن منجز الروائيين الفلسطينيين والعرب.
توصلت الباحثة إلى أن الروايتين تشكلان إضافة نوعية إلى الشكل الفني للرواية العربية عامة، بفضل بنيتهما الشكلية المختلفة والمغامرة.
فقد بنيت رواية "الحاجز" بعيداً عن الحدث الروائي التقليدي وعن الشخصيات المضيئة اجتماعياً، كما ابتعدت عن الحبكة الكلاسيكية، في حين تميّزت رواية "حب في منطقة الظل" بوجود الحدث وتطور الحبكة وتمثيل الشخصيات الواقعية، واعتمادها بشكل أساسي على تقنية المونولوج الذاتي. وأبرزت الدراسة كيف يسهم الشكل الروائي في خدمة قضايا التحرر والمقاومة من خلال طرائق التعبير عن الأفكار وتجسيدها في البنية الفنية للعمل الروائي.
كما شددت الباحثة على ضرورة توسيع دائرة الدراسات النقدية المخصّصة لأعمال عزمي بشارة الأخرى، وأهمية إدراج الرواية الفلسطينية الحديثة، ومن ضمنها أعماله، ضمن المقررات والمساقات الأكاديمية.
ويمثل هذا البحث إضافة نوعية للمكتبة النقدية والأدب الفلسطيني؛ وقد أثنت لجنة المناقشة على المنهجية الرصينة التي اعتمدتها الطالبة رجاء الحلبي، وقدرتها على التحليل العميق والموازنة بين عملين مختلفين في الشكل ومتكاملين في الفكرة.
ومن خلال تسليط الضوء على أعمال مفكر بحجم عزمي بشارة، نجحت الرسالة في تقديم قراءة نقدية تجمع بين التعبير الفني وخدمة قضايا التحرر والمقاومة.
وأوصت اللجنة بضرورة أخذ الملاحظات المقدمة بعين الاعتبار لإثراء البحث، مؤكدة أصالة الموضوع وأهميته.

