101232
2
مذكرات شاهد على سنوات الجمر الحلقة 117
بقلم اسماعين تماووست
في الواقع، عندما فرض علينا وضع أمني شبيه بحرب أهلية، من قِبَل أعداء خطرين، لم يكن لدينا خيار سوى مواجهتهم أو الاستسلام لعنفهم الشرس، ولكن اخترنا مواجهة الشر بأشكاله المختلفة، بما يتماشى مع قيمي وشرفي.
تجندت لحماية وطني بوعي وضمير وواجهت الإرهاب بكل قوتي وأفكاري، ولم أسمح بأن يسيطر هذا السرطان على بلدي، بالتنسيق مع زملائي، تدارسنا وضع استراتيجية متكاملة بمساعدة قادة الاستخبارات، حيث كانوا على علم بالدور الواسع الذي أوكل إلي كضابط في جهاز الشرطة.
كان العدو الذي نواجهه أكثر من مجرد مجموعة تحمل السلاح؛ كان يمثل أفكارا فاسدة تهدف إلى زعزعة الاستقرار وزرع الفتنة بين أبناء الشعب الواحد، هذه الجماعات الإرهابية، التي ادعت الانتماء إلى الدين، كانت تستغل تعاليمه المقدسة لتحقيق أهدافهم الشريرة، مما جعلها أكثر خطرًا، لقد كانوا يتسللون بين صفوف المجتمع، متخفين تحت ستار التعاليم الزائفة، مما أدى إلى تضليل الكثيرين...
لقد اتبعت هذه الجماعات استراتيجيات معقدة لجذب الشباب، حيث زعمت أنها تسعى لنصرة قضايا مقدسة، في حين كانت تسعى في الواقع إلى تحقيق أجندات سياسية ونزوات شخصية، وكان من بين الأساليب الأكثر بشاعة التي استخدموها هو استغلال الفتيات، حيث تعرضت العديد من النساء للاعتداءات الجنسية المروعة، مما ترك آثارًا عميقة في النفوس.
وفي الوقت نفسه، كانت هذه الجماعات تقوم بتفجير الأماكن العامة، مثل الأسواق والمحلات، حيث كانت تعمد إلى زرع الرعب والفوضى بين المواطنين، في حين أن الأبرياء كانوا يدفعون الثمن، نذكر أيضًا الأكاديمية التي تم استهدافها، والتي كانت تمثل رمزًا للسلطة والتعليم، حيث تعرضت لتفجير وحشي، كنوع من التحدي للدولة وتأكيد على نواياهم الخبيثة.
في تلك اللحظات، تعالت أصوات الألم والصراخ، حيث فقدنا الكثير من الأرواح الزكية، كانت هذه الأحداث تعكس مدى قسوة قلوبهم وخبث نواياهم، حيث استغلوا الوضع لنشر الفوضى وزرع الكراهية، لم يكن لديهم أدنى احترام للعدالة، حيث لم يسلم منهم الأطفال والنساء، بل لم تتردد أيديهم في تدنيس القيم وتدمير كل ما يقف أمام أطماعهم، بما في ذلك مقدسات الوطن والشعب.
في خضم هذا الصراع، تذكرت حكمة عميقة تقول: "لا يمكن للظلام أن يزيح الظلام، فقط النور هو ما يمكنه ذلك"، لا يمكن للكراهية أن تزيح الكراهية، فقط الحب هو ما يمكنه ذلك"، كان يجب علينا أن نكون النور في زمن الظلام، وأن نواجه هذا الشر بحكمة وقوة...
وعندما كان المجتمع يتأرجح بين الخوف واليأس، كنت أشعر بعبىء المسؤولية يتزايد على كاهلي، كانت رغبتي في الدفاع عن بلدي وقيمه تتجلى في كل قرار اتخذته وكل خطوة قمت بها، كنت أعي أنني لست وحدي في هذه المعركة، بل كنت جزءًا من جماعة أكبر، جماعة تسعى للحفاظ على النسيج الاجتماعي ووقف نزيف الدماء، في قلب كل مجتمع يسعى إلى النماء، تجسد السلطة القضائية قيم الحق والإنصاف التي تسعى البشرية لتحقيقها، إنها ليست مجرد مؤسسة فحسب، بل تعبر عن أمل الناس في تحقيق العدالة والحفاظ على الحقوق، لذلك يجب أن تكون هذه السلطة دائمًا الدرع الواقي الذي يحمي الأفراد ويكافح الظلم.
خلال العشرية السوداء، عندما كانت الإذاعة والتلفزيون هما المصدرين الرئيسيين للمعلومات، كان تاثيرهذين الجهازين كبيرا على وعي المجتمع، في تلك الفترة، لم تكن وسائل التواصل الاجتماعي متاحة لتكون منصة بديلة تعكس واقع الأحداث، مما أدى إلى صعوبة الوصول إلى معلومات دقيقة وشاملة.
في ظل هذه الظروف، استغل البعض نقص المعلومات لنشر أفكار مغلوطة تهدف إلى تفكيك النسيج الاجتماعي وزعزعة استقراره، أحد أبرز الأساليب التي استخدمها الأعداء كان تخدير الشباب من خلال ترويج مفاهيم دينية مشوهة، فقد استغل الأشرار التعاليم الدينية لتوجيه الشباب نحو أهدافهم الخاصة، مما جعلهم يعتقدون أنهم ينفذون "واجبًا مقدسًا" في ظل الأوهام التي زُرعت في عقولهم، وبذلك، تمكنوا من تجنيد هؤلاء الشباب ليكونوا أداة في يدهم لتحقيق مآربهم السياسية، مما أدى إلى تفشي التطرف وزيادة الانقسامات في المجتمع، تعكس الآية الكريمة في سورة البقرة: "يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا ۖ وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ" (البقرة: 9)، كيف يمكن للبعض أن يتلاعبوا بكلمات الله لتحقيق أغراضهم الدنيئة، فيتظاهرون بالإيمان بينما هم في واقعهم يسعون إلى الفتنة، لذلك للأسف أصبح العديد من الشباب ضحايا لتلك الأيديولوجيات المغلوطة، حيث وجدوا أنفسهم محاطين بفكر يدعو إلى العنف والتطرف، كانت عقولهم مشغولة بأفكار مفبركة تدعو إلى الكراهية، دون أن يدركوا أنهم كانوا يُستغلون كأدوات لتوسيع نفوذ أولئك الذين يسعون إلى السلطة على حساب استقرار البلاد، وهكذا، غدا مفهوم الدين بالنسبة لهم وسيلة للهيمنة، بدلاً من أن يكون مصدرًا للسلام والتسامح.
في ظل هذه الظروف، اتخذت قرارًا حاسمًا لمواجهة التحديات، أدركت أن المعركة الحقيقية لا تكمن فقط في التصدي للأعداء، بل في تعزيز الوعي والثقافة الإيجابية، فالحروب والنزاعات، بغض النظر عن دوافعها، لا يمكن حلها بالكلمات الفارغة أو الخطابات غير المجدية، بل يجب أن نعمل على أسس قوية من النزاهة والإرادة.
من خلال تجربتي في مجال مكافحة الإرهاب، تعلمت أن الحلول تحتاج إلى نظرة شاملة، مواجهة التطرف تتطلب فهمًا عميقًا للأسباب والدوافع، واستثمار الجهود في التعليم والتوعية، لذلك علينا يجب أن نغرس قيم التسامح والاحترام في نفوس الأجيال القادمة، لضمان عدم تكرار الأخطاء.