10
0
المنيعة تدخل عصر الريادة الرقمية: الجنوب يقتحم واجهة الإعلام الجديد ويصنع هويّته بيده

في مؤشر واضح على تحوّل استراتيجي في مسار الرقمنة الوطنية، شهدت ولاية المنيعة صباح امس حدثًا نوعيًا احتضنته دار الشباب المجاهد دحماني محمد، حيث جرى إطلاق مشروعين تكوينيين رائدين ضمن برنامج دعم المشاريع الجمعوية لسنة 2025 بإشراف وزارة الشباب.
لحسن الهوصاوي
الحدث لم يكن مجرد نشاط محلي، بل مثّل خطوة مدروسة لإدماج شباب الريف في مهن الإعلام الرقمي، وتجسيد رؤية الدولة في جعل التحول الرقمي ورشة مفتوحة أمام كل فئات المجتمع بما فيها المناطق الصحراوية.

حضور رسمي يُترجم ثقة الدولة في قدرات الشباب
أعطى مدير الشباب والرياضة زنقط عبد القادر إشارة الانطلاق الرسمي، وسط حضور مؤسّساتي بارز ضمّ:
مدير ديوان مؤسسات الشباب: محمد نفنوف . نائبي المجلس الشعبي الولائي: قندور سليمان وبن جيلالي مبروك . ممثل الأمن الوطني . ممثل قطاع التربية: جقاوة مهدي . رئيس الرابطة الولائية للنشاطات الثقافية والعلمية: بدر الدين مولاي . رئيسة جمعية نشاطات الشباب: فاضلي مليكة.

هذا الحضور الكثيف لم يكن بروتوكوليًا فحسب، بل حمل دلالات واضحة على دعم الدولة لهذه المبادرات، وعلى إدراكها لأهمية الاستثمار في قدرات شباب الجنوب كمكوّن أساسي في بناء المشهد الإعلامي الجديد.
ورشات متخصصة… من مستهلكين للمحتوى إلى صُنّاع له
البرنامج التكويني تضمّن أربع ورشات عملية مكثفة تشرف عليها جمعية نشاطات دار الشباب، جاءت لتزويد الشباب بمهارات مهنية تتطابق مع المعايير الحديثة لصناعة المحتوى:
ورشة إدارة صفحات التواصل وصناعة المحتوى الصحفي تأطير: الهوصاوي لحسن وبلخير شمس الدين تركز على تقنيات التحرير الإلكتروني، صياغة الأخبار، استراتيجية النشر، وتحليل الجمهور.

ورشة التصوير والتركيب والمونتاج تأطير: لعرج عبد المولى وأوصيف تركي
تدريب ميداني على التقاط الصورة، تحرير الفيديو، وإنتاج مواد بصرية احترافية باستعمال الهاتف والأدوات الرقمية.
ورشة التصميم الغرافيكي تأطير: عماد ولحاج
تشمل تقنيات بناء الهوية البصرية، الألوان، العلامة الاتصالية، وإنتاج صور تواصلية مؤثرة.
ورشة الرقمنة
بإشراف الفريق التقني للمؤسسات الشبانية
تعرّف الشباب بأدوات الرقمنة الحديثة والذكاء الاصطناعي وتقنيات إدارة البيانات.
اللافت في الورش أنها اعتمدت إنتاج نماذج حقيقية من فيديوهات وتقارير وتصاميم سيتم رفعها للوزارة، ما يؤكد أن المشروع يتجاوز حدّ التكوين إلى مساحة فعلية للإنتاج الإعلامي.
الجنوب يكتب روايته الرقمية… من الهامش إلى مركز المشهد الوطني
الملفت في هذه المبادرة أنها تعيد رسم الخريطة الإعلامية داخل الجزائر. فلطالما ظلّت المناطق الصحراوية خارج دينامية الإنتاج الرقمي، قبل أن تتحوّل اليوم إلى بيئة خصبة لصناعة محتوى أصيل يعكس الواقع المحلي بعيدًا عن التصوير النمطي الذي يقدّمه الإعلام التجاري.
هنا تتغير المعادلة:
لم يعد شباب الجنوب متلقّين للمحتوى، بل باتوا صُنّاعه، ورواة قصصه، وحملة هويته.
وهم بذلك يقدمون نموذجًا إعلاميًا يتصف بالصدق، العمق، والانطلاق من تفاصيل الحياة الصحراوية الغنية بالإنسانية والتنوع الثقافي.
هذا التحوّل يفتح الباب أمام ميلاد نخبة إعلامية جديدة من أبناء الريف، قادرة على المنافسة، وعلى تقديم محتوى يُغني المشهد الوطني ويمنحه بعدًا جغرافيًا وثقافيًا أكثر شمولًا.

المنيعة… نحو قطب رقمي صاعد في الجنوب الجزائري
الإقبال الكبير الذي شهده البرنامج يكشف عن تعطّش شباب المنطقة للمعرفة الرقمية، واستعدادهم لاعتناق مهن المستقبل.
وتشير هذه الديناميكية إلى أن المنيعة تتجه لتكون:
مركزًا شبابيًا للإبداع الرقمي
فضاءً لخلق فرص عمل جديدة في مجال الإعلام
منصة لتوثيق التراث المحلي ونشره
نموذجًا وطنيًا لدمج المناطق الريفية في التحول الرقمي
مصدرًا لمحتوى وطني يحمل بصمة الجنوب
وبذلك تنتقل المنيعة من منطقة صحراوية هادئة إلى مختبر مفتوح للإبداع الإعلامي، يسهم في إعادة تشكيل توازن المشهد الرقمي في الجزائر.
الريادة تبدأ من الأطراف
ما شهدته المنيعة ليس مجرد حدث عابر، بل خطوة تأسيسية لمرحلة جديدة يتقدّم فيها الريف نحو صناعة إعلامه بنفسه، ويشارك في بناء الهوية الرقمية للوطن.
إنها رسالة واضحة مفادها أن الرقمنة لا تبدأ من المركز، بل من الأماكن التي تمتلك روايات صادقة تحتاج فقط إلى أدوات لتُروى.

