31
0
المنيعة/ احتفال ولائي يعيد رسم مفهوم الإدماج ويمنح الأطفال مساحة لتعليم المجتمع معنى الإرادة


في الثالث من ديسمبر 2025، لم تكن المنيعة مجرّد مدينة تستقبل مناسبة وطنية؛ كانت فضاءً يحتضن الإنسان في أعمق تجلياته. صباحٌ دافئ بألوان غير مرئية، تختزن في تفاصيله قصصًا عن الشجاعة والصبر، وعن أطفال يرسمون ببراءتهم ما تعجز عنه المؤتمرات والبرامج.
لحسن الهوصاوي
تحت شعار "تعزيز المجتمعات الشاملة لذوي الاحتياجات الخاصة من أجل دفع التقدم الاجتماعي"، انطلقت الاحتفالات الولائية لتؤكد أن الإدماج لم يعد رفاهية اجتماعية، بل ضرورة تنموية تُعيد التوازن للمجتمع وتُعزز حق كل فرد في المشاركة وبناء المستقبل.

انطلاقة بمشهد رمزي… القرآن والعلم والإنسان
افتُتِح الحدث بآيات من الذكر الحكيم بصوت التلميذة عبد الستار عندة، قبل أن تعانق الراية الوطنية سماء المنيعة على أنغام النشيد الوطني. في تلك اللحظة، بدا أن الرسمي والإنساني يتداخلان ليعيدًا تعريف معنى الاحتفال: ليس مجرد بروتوكول، بل مساحة لرفع معنويات فئة تواجه تحديات استثنائية.
قدّم بعدها مدير النشاط الاجتماعي والتضامن، محمد مروش، رؤيةً واضحة تؤكد أن التكفل بذوي الاحتياجات الخاصة هو "التزام مستدام" وليس مبادرة ظرفية. كما شدد الأمين العام للولاية منون بشير، نيابة عن الوالي، على أن الاندماج ممارسة تُترجم في الميدان، لا شعارًا يُرفع في المناسبات.

حين يتحوّل العرض الفني إلى خطاب وطني
لم تكن العروض الفنية مجرد فقرات ترفيهية؛ كانت رسائل اجتماعية مكثفة بلغة يفهمها الجميع.
عرض "ورود السلام" لأطفال المركز النفسي البيداغوجي أعاد تعريف الطمأنينة بما يوازي خطابات طويلة، بينما قدمت روضات المنطقة فقرات تعبيرية أعادت صياغة العلاقة بين الفن والبراءة.
أما مسرحية "الأب الشهيد" فشكّلت لحظة فارقة؛ إذ أعاد الأطفال رسم ملامح الثورة الجزائرية بعفوية تُشعر بأن روح نوفمبر لا تزال قابلة للحياة في صدور الأجيال الجديدة، حتى أولئك الذين يتعلمون العالم بطريقة مختلفة.
وجاء النشاط البيداغوجي "الحواس الخمس" الذي قدمه تلاميذ الإعاقة الذهنية الخفيفة بابتدائية بن عمارة قويدر ليؤكد أن المدرسة هي البوابة الأولى للاندماج، وأن الذكاء لا يُقاس بمعيار واحد.

تكريم يترجم الكرامة إلى وسائل ملموسة
تميّز الاحتفال ببُعد عملي واضح، حيث وزّعت مديرية النشاط الاجتماعي تجهيزات تساعد المستفيدين على تحقيق استقلالية أكبر، من بينها:
مركبات ثلاثية العجلات مزوّدة بمحرك لفائدة أربعة أشخاص.
كراسي متحركة آلية وعادية، فراشات هوائية، وكراسي مرحاض طبية.
لم تكن هذه مجرد تجهيزات؛ كانت إعلانًا بأن الكرامة تبدأ من القدرة على الحركة ومن حق الإنسان في إدارة يومه دون انتظار إحسان الآخرين.

حضور مؤسساتي يعزز التضامن المجتمعي
شهدت الاحتفالات حضورًا واسعًا من الهيئات التنفيذية والأمنية، من الأمن الوطني والدرك الوطني إلى مديريات النقل والصناعة والاتصالات والحماية المدنية، إضافة إلى المندوب المحلي لهيئة وسيط الجمهورية.
هذا الحضور حمل رسالة واضحة مفادها أن ملف ذوي الاحتياجات الخاصة ليس ملفًا قطاعيًا، بل مسألة دولة تتقاطع فيها الأبعاد الصحية، التربوية، الاجتماعية والأمنية.
وعدٌ للمستقبل… ورسالة أكبر من الكلمات
اختتم مدير النشاط الاجتماعي كلمته بتجديد الالتزام بتطوير الخدمات وتعزيز التكفل، معلنًا عن مشاريع ستدعم هذه الفئة مستقبلاً. لكن ما بقي من اليوم لم يكن الكلمات بقدر تلك اللحظات التي اعتلى فيها الأطفال الخشبة، ليقولوا بنظراتهم قبل أصواتهم:
"نحن جزء من هذا الوطن… فقط امنحونا الفرصة لنثبت ذلك."
في نهاية هذا اليوم، خرجت المنيعة بوعد جديد:
أن الاندماج ليس برنامجًا عابرًا، بل ثقافة مجتمع، وأن بناء مجتمع شامل ليس خيارًا ترفيهيًا، بل ضرورة حضارية.

