عرفت مدينة الدار البيضاء في المغرب, وقفة احتجاجية لعمال ومتقاعدو مصفاة البترول "لاسامير",الذين وجدوا أنفسهم ضحايا الإغلاق والتجاهل, في مشهد يلخص سنوات من الصمت الرسمي والتقاعس الحكومي عن تحمل المسؤولية تجاه فئات أنهكتها السياسات الفاشلة وتخلي الدولة عن أبسط التزاماتها الاجتماعية.
كريمة بندو
الاحتجاج دعت اليه الكونفدرالية الديمقراطية للشغل, في سياق نضالي متواصل, يعكس إصرار المتضررين من اغلاق المصفاة منذ أغسطس 2015 ,على كسر جدار الصمت الرسمي, والتصدي لسياسة الإقصاء التي طالت ملفهم لسنوات.
نظمت الوقفة أمام المحكمة التجارية أمس الخميس,عرفت حضورا للعاملين والمتقاعدين,إلى جانب ممثلي عدد من الهيئات النقابية التي أكدت على أن هذا الاحتجاج,"هو امتداد طبيعي لغضب مشروع, تغذيه الخيبة من مؤسسات لم تكتف بالتقاعس, بل مارست تجاهلا ممنهجا لمعاناة مئات الأسر التي وجدت نفسها معلقة بين وعود مؤجلة و واقع مرير".
ورفع المحتجون شعارات لافتة تعكس حجم المعاناة والخذلان, من قبيل: "لاسامير في خطر","لا سلام لا استسلام",وهي شعارات تلخص بوضوح الشعور بالخذلان من طرف الدولة, التي لم تحرك ساكنا لإنقاذ هذه المنشأة ,على الرغم من التحذيرات المتكررة التي تطلقها النقابات والخبراء. وفي خضم هذه التعبئة, حمل الحسين اليماني,الأمين العام لنقابة عمال القطاع,الجهات المعنية مسؤولية الخراب الذي حل بالمصفاة, متهما الحكومات المتعاقبة بالتورط في خوصصة مشبوهة سنة 1997,وبالتقاعس بعد ذلك أمام ما سماه بـ"مخطط التفليس الممنهج" دون أي تدخل جاد أو إرادة سياسية حقيقية لحماية هذا المرفق.
وأكد على أن "لاسامير" باتت رمزا للفضيحة الوطنية و شاهدا على فشل سياسات اقتصادية تبيع المرافق الحيوية وتغض الطرف عن نهبها, دون محاسبة ولا مساءلة, مشيرا الى أن الحكومة تتعامل مع هذا الملف وكأنه "شبح" لا يعنيها, متناسية أن استمرار هذا النزيف هو طعن مباشر في الحق الدستوري للمواطنين في العيش الكريم.
واعتبر اليماني أن ما تعيشه فئة عريضة من العمال والمتقاعدين هو نتيجة مباشرة لفشل حكومي عميق,لا يمكن تغطيته بالوعود ولا بخطابات الطمأنة ,مضيفا أن الدولة بدل أن تتحمل مسؤولياتها الدستورية, فضلت أن تختبئ خلف التدابير و الاجراءات القضائية والإدارية, وكأن مصير المئات من الأسر لا يستحق أكثر من المماطلة والبيروقراطية الباردة. وأوضح اليماني أن هذا الفشل لم يكن فقط على مستوى التدبير, بل تعداه إلى غياب الإرادة السياسية, والسكوت المشين عن ممارسات التخريب الممنهج التي طالت المصفاة, موضحا أن الحكومة لم تكن فقط عاجزة, بل كانت شاهدة وشريكة في مسلسل التفكيك,بدءا من خوصصة مشبوهة, وصولا إلى صمت رسمي شارك في انهيار المنشأة و العائلات التي كانت تعمل فيها.
والأسوأ من ذلك --يضيف ذات النقابي-- هو "غياب أي قانون يضمن الحماية الحقيقية للعاملين, أو آلية قانونية فعالة تردع هذا النوع من الجرائم الاقتصادية".
وأمام هذا الانسداد الكامل, شدد على أن "استمرار هذا التواطؤ بات يولد غضبا عارما في صفوف العمال وعموم المتضررين,لأن الناس لم تعد تطالب بحلول تقنية,بل أصبحت تصرخ من أجل العدالة",مبرزا أن الدولة بمؤسساتها التشريعية والتنفيذية,أغلقت الأبواب في وجه كل المطالب, وتجاهلت النداءات, وفضلت ترك المواطنين يواجهون مصيرهم في صمت, و"كأن كرامتهم لا تعنيها في شيء".
وختم اليماني بالتأكيد على أن هذا الوضع لم يعد يحتمل, وأن المؤشرات تنذر بانفجار اجتماعي وشيك, إذا استمر هذا الاستهتار المتعمد, مضيفا أنه "حين تتحول الحكومة إلى خصم بدل أن تكون حامية,وحين يصبح القانون عاجزا عن حماية أبسط الحقوق, لا يبقى أمام المتضررين سوى النضال, بكل الأشكال المشروعة, لانتزاع الكرامة التي سلبت والعدالة التي أهينت".