634

0

المغبون في رمضان

 

 بقلم الأستاذ سيد علي دعاس 

أَلَيْسَ مَغْبُونًا مَنْ أَضَاعَ أيّامَ رمضان وَخَيْرَهَا وَبَرَكَاتهَا فِي التنقّل بين الأسواق؟

أَلَيْسَ مَحْرُومًا مَنْ قَضَا ليالي رمضان فِي اللّهو والسَّهَر مع القِيلِ وَالقَالِ؟

إِنَّ المَسَاجِدَ فِي الجُزْءِ الأَخِيرِ مِنْ اللَّيْلِ تُنَادِينا... فَلنُقْبِلْ عَلَيْهَا لِنَعْمُرَهَا مَعَ إِخْوَانِنا بِالصَّلَاةِ وَالدُّعَاءِ وَالتَّسْبِيحِ وَالتَّهْلِيل؟

فيا أيّها الصّائمون...

تأكّدوا أنّ أولى خطوات التغيير هي الاعتراف بالتقصير؛ قُولُوا كَمَا قَالَ أَبُوكُمْ آدَمَ وأمّكم حوّاء: "قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ".[1]

واعلموا أنّ الأنبياء لم يمنعهم مقام النبوّة من الاعتراف بالتّقصير، فهذا سيّدنا مُوسَى – عليه السّلام-: "قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ، إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ".[2]

 وَكَمَا قَالَ ذُو النُّون[3]- عليه السّلام-: "وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ، فَنَادَىٰ فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَٰهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَٰلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ".[4]

فيا مَن أذنبتم قبل رمضان... لا تتردّدوا في الرّجوع إلىَ الله، حتّى وإن كثرت معاصيكم، لأنَّ الّذي سَتركم وأنتم تَحت سقف المَعصية لَن يخذلكم وأنتم تَحت جَناح التوبة...

أَكْثِرُوا إِخْوَانِي أَخَوَاتِي مِنْ شُكْرِ الله – تَعَالَى- أَنْ وَفَّقَكُمْ لِصِيَامِ رَمَضَانَ وَقِيَامِهِ، فَإِنَّ الله عَزَّ وَجَلّ قَالَ فِي آخِرِ آيَاتِ الصِّيَام: "وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ".[5]

وَالشُّكْرُ إِخْوَانِي لَيْسَ بِاللِّسَانِ، وَإِنَّمَا يكون بِالقَلْبِ وَالأَعْمَالِ، وَعَدَمِ الإِدْبَارِ بَعْدَ الإِقْبَال.

إِنَّ رَمَضَانَ يُخَاطِبُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنَّا فَيَقُولُ لَه:

" بَلِّغْ - أَيُهَا المُسْلِمُ- مَنْ وَرَاءَكَ أَنِّي رَاحِلٌ، وَعَائِدٌ إِلَيْكُمْ بَعْدَ عَامٍ... سَيُولَدُ فِيهِ أُنَاسٌ وَيَمُوتُ أَقْوَامٌ، وَيَسْعَدُ فِيهِ أَقْوَامٌ وَيَشْقَى فِيهِ آخَرُون... وَكَمْ مِنْ مُؤْمِلٍ كان يرجو بُلُوغِي فحَالَ مِنْ دُونِهِ الأَجَلْ؟!

إنّها نِعْمَةٌ سَابِغَةٌ وَرَحْمَةٌ وَاسِعَة أَنْ تَخْرُجَ مِنْ رَمَضَانَ مَغْفُورًا لَكَ... فَحَافِظوا عَلَى تِلْكَ النِّعْمَة، وَلَا تُبَدِّلُوهَا نِقْمَة، بِالعَوْدَةِ إِلَى العِصْيَانِ بَعْدَ خُرُوجِ رَمَضَانَ.

عَهِدْنَاكَ - يَا مُسْلِمُ- حَيَّا حَيِيًّا فِي شَهْرِ الصِّيَامِ، فَخُذْ عَلَى نَفْسِكَ العَهْدَ أَنْ تَبْقَى عَلَى عَهْدِ الحَيَاةِ والحَيَاءِ بَعْدَ شَهْرِ الصِّيَامِ... فَعَسَى أَنْ يَكُونَ هَذَا العَهْدُ تَوْبَةً مِنَ اللهِ عَلَيْكَ، وَتَوْفِيقًا وَذُخْرًا لَدَيْك...

فَأَمَّا المُجْتَهِدُونَ فَنَقُولُ لَهُمْ: تَقَبَّلَ الله طَاعَاتِكُمْ، وَأَثَابَكُمْ جَنَّةً وَمَغْفِرَةً، وَعِتْقًا وَرِضْوَانَا... ولَا تَتَكَاسَلُوا بعد رمضان. وأَمَّا المُقَصِّرُونَ فَنَقُولُ لَهُمْ: إنّكم مغبونون... لتضييعكم فرصة رمضان! اِنْهَضُوا مِنْ غَفْلَتِكُمْ وَادْعُوا الله أَنْ يختم عليكم رمضان بالصّالحات، وأنْ يُبَلِّغَكُمْ رَمَضَانَ آخَرَ لِتُحْسِنُوا العَمَل، وَأَحْسِنُوا الظَّنَّ بِاللهّ وَأَرُوهُ مِنْ أَنْفُسِكُمْ خَيْرَا.



[1]   سورة الأعراف / الآية: 23.

[2]   سورة القصص / الآية: 16.

[3]   ذو النون: لقبٌ لنبي الله يونس -عليه السلام-، ويُقصد بالنون الحوت، وجاءت تسميته بهذا الاسم لأنّ الحوت التقمه، وعليه فإنّ ذا النون هو صاحب الحوت؛ ويُعرف أيضاً بصاحب الحوت، قال الله عَزَّ وجَلَّ: ﴿فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَىٰ وَهُوَ مَكْظُومٌ﴾ سورة القلم: 48.

[4]   سورة الأنبياء / الآية: 87.

[5]   سورة البقرة / الآية: 185.

شارك رأيك

التعليقات

لا تعليقات حتى الآن.

رأيك يهمنا. شارك أفكارك معنا.

barakanews

اقرأ المقالات البارزة من بريدك الإلكتروني مباشرةً


للتواصل معنا:


حقوق النشر 2024.جميع الحقوق محفوظة لصحيفة بركة نيوز.

تصميم وتطويرForTera Services