90
0
واقع الفنان الإفريقي بين التحديات المحلية والاعتراف الدولي
محور نقاش المنتدى الدولي للفن التشكيلي المعاصر

احتضنت المدرسة العليا للفنون الجميلة بالجزائر العاصمة، اليوم الأحد، فعاليات اليوم الثاني من المنتدى الدولي للفن التشكيلي المعاصر ضمن الطبعة التاسعة للمهرجان، المنظم تحت شعار "ما وراء الحدود".
شروق طالب
ويشارك في هذه النسخة فنانون ومختصون من 34 دولة ضمن برنامج يمتد أسبوعا كاملا ويشمل معارض فنية، وورشات تدريبية، ومحاضرات تناقش واقع الفن التشكيلي ومراحل تطوره.
رسالة المنتدى...نحو فن يتجاوز الحدود

وفي هذا الصدد، أشاد محافظ المهرجان، حمزة بونوة، بالنجاح الذي شهدته فعالية الافتتاح بقصر الثقافة تحت رعاية وزيرة الثقافة والفنون مليكة بن دودة.
وأوضح أن شعار "ما وراء الحدود" يحمل رسالة واضحة مفادها أن الفن قادر على لعب دور إيجابي خارج القيود الواقعية التي يواجهها الفنانون حول العالم، خاصة فيما يتعلق بتسويق أعمالهم وشحنها والتنقل للمشاركة في الفعاليات الدولية.
وأشار بونوة إلى أنّ المنتدى يسعى إلى تحرير الإبداع من القيود، وتسهيل عمل الفنانين، باعتبارهم سفراء لبلدانهم.
كما دعا إلى تبني سياسات تشجع الإبداع وتيسر مشاركة الفنانين في الفعاليات الدولية، مؤكدا أنّ الفن هو رافد حضاري وهوية وطنية ينبغي دعمه.
الحضور الإفريقي: تأكيد لدور الفن في تجاوز الأزمات
شهد المنتدى حضورا إفريقيا بارزا، من دول بينها الكاميرون، نيجيريا، تونس، ليبيا، أوغندا، سيراليون والسنغال، وهو حضور يعكس تصاعد مكانة الفن الإفريقي في الأسواق العالمية.
وقال بونوة بهذا الخصوص إنّ الفنانين الأفارقة باتوا يسجلون حضورا قويا في أهم المعارض، رغم التحديات التي تواجههم داخل بلدانهم، خاصة في مجال الدعم والتمويل.
وأضاف أنّ كثيرا من الفنانين الأفارقة يهاجرون إلى أوروبا نتيجة ضعف الدعم المحلي، داعيا إلى تعاون ثقافي على مستوى الاتحاد الإفريقي يضمن للفنانين ظروفا ملائمة للإبداع، باعتبارهم الواجهة المشرقة للقارة.
دعم المواهب الناشئة وتجديد الأسماء المشاركة
أكد محافظ المهرجان أن الدورة الحالية أولت اهتماما خاصا للمواهب الشابة والناشئة، من خلال ورشات خاصة بالفنانين الناشئين، إضافة إلى مشاركة شباب يعرضون أعمالهم للمرة الأولى. وكشف بونوة عن قرار اتخذته إدارة المهرجان منذ العام الماضي يقضي بعدم تكرار الأسماء المشاركة، بهدف إتاحة الفرصة لأكبر عدد من المواهب الجديدة.
وأوضح أن مصطلح "الناشئين" يعبّر عن فنانين غير مشهورين بعد، وهو ما يعكس رغبة المهرجان في اكتشاف طاقات جديدة ودمجها في الساحة الفنية.
رؤية مستقبلية لتطوير السوق الفنية الجزائرية
وفي ختام حديثه، شدد بونوة على أنّ تطوير الفن في الجزائر يحتاج إلى استراتيجية بعيدة المدى، وسياسات ثقافية واضحة، وتمويل مستدام، مشيرا إلى أن المهرجان يمكن أن يتحول تدريجيا إلى منصة فنية وسوق دولية تتيح للفنانين الجزائريين فرصة الاندماج في السوق العالمية.
وأكد أن السوق الفنية في الجزائر قادرة على الازدهار شريطة وضع سياسات مدروسة، ودعم الدولة، والعمل على تنمية الوعي الثقافي والفني داخل المجتمع.
الفن الإفريقي المعاصر بين الاعتراف الدولي والتحديات المحلية
شهد برنامج اليوم الثاني من المنتدى الدولي للفن التشكيلي المعاصر عدة جلسات حوارية، حيث تطرقت الجلسة الأولى إلى واقع الفن الإفريقي المعاصر، بين صعوده في الساحة العالمية وتحديات ترسيخه داخل القارة.
وفي هذا الشأن، أكدت الفنانة الكاميرونية لوريان يوغانغ أنّ أكبر تحدٍ يواجه الفنان الإفريقي هو غياب الفهم الحقيقي للفن داخل بلده الأم، إضافة إلى ضعف الدعم المؤسسي من الجهات الرسمية. وقالت إن العديد من الفنانين لا يحصلون حتى على "شهادة استغلال أعمالهم" من وزارات الثقافة، ما يعكس هشاشة الإطار القانوني لحماية الفنانين.
وأشارت يوغانغ إلى أنّ الفنان الإفريقي يواجه صعوبات مشتركة في عدة بلدان، تتعلق بنقص فضاءات العرض والدعم المالي، وضعف الاعتراف المحلي مقارنة بالاهتمام الدولي، بجانب غياب التربية الفنية داخل المجتمعات، وكذا محدودية سوق الفن داخل القارة.
وشددت على أنه لا يمكن نشر الثقافة الفنية خارجيا دون بناء بيئة فنية قوية محليا، معتبرة أنّ الجمهور الإفريقي مطالبٌ بأن يستهلك الفن الذي ينتجه فنانو بلده، لأنه الأساس لقيام سوق فنية حقيقية.
التحديات التي تواجه الفن التشكيلي الجزائري
من جهتها، قدّمت الفنانة الجزائرية المقيمة في باريس ياسمينة عزي مداخلة ركزت فيها على الصعوبات التي تواجه عرض الفن الجزائري في الخارج.
وأوضحت أنّ نقل الأعمال الفنية بين الجزائر وفرنسا يشكل عائقا حقيقيا، حيث قالت "النقل من باريس إلى الجزائر سهل نسبيا، أما نقل الأعمال من الجزائر إلى فرنسا فهو معقد ويتطلب إجراءات طويلة.
وأكدت عزي أنها ناقشت هذه الإشكاليات مع وزارة الثقافة الجزائرية سعيا لإيجاد حلول عملية للفنانين الذين يرغبون في عرض أعمالهم بالخارج.
وأضافت أنّ الفن الجزائري يحظى باهتمام من قبل المؤسسات الفنية العالمية، لكن التحدي يكمن في توفير دعم أكبر داخل الجزائر حتى لا تبقى القيمة الحقيقية للفنان الجزائري معترفا بها خارج حدوده فقط.
مستقبل الفن التشكيلي في عصر الذكاء الاصطناعي

وفي الجلسة الحوارية الثانية، أوضح الأستاذ وسام عبد المولى، أستاذ محاضر في نظريات الفن بالمعهد العالي للفنون الجميلة بتونس – جامعة تونس، خلال مداخلته، أن الذكاء الاصطناعي أصبح اليوم عنصرا أساسيا في العملية الإبداعية، ولم يعد بالإمكان تجاهل حضوره في علاقة الفن بالإنتاج الفني والأعمال الفنية. وأضاف أن الإنتاج الفني، منذ نشأة الحضارات الإنسانية، كان دائما عنصرا يرتقي بالذوق والجمال ويعبّر عن روح الحضارة، وأن الذكاء الاصطناعي يمثل اليوم امتدادا طبيعيا لمسار تطور هذا الإنتاج.
وبيّن أن العملية الإبداعية تقوم على ثلاث ركائز أساسية:
• الفكرة أو المشروع الفنّي الذي يضعه الفنان.
• الاشتغال الفني وتحويل الفكرة إلى عمل ملموس عبر مواد وتقنيات مختلفة.
• لحظة التلقي، حيث يغادر العمل فضاء الفنان ليواجه الجمهور ويتفاعل معه.
وتابع موضحا أن دخول الذكاء الاصطناعي في الفن لا يُسقط هذه الركائز، بل يعيد توظيفها؛ فالفكرة يظلّ مصدرها الفنان، والذكاء الاصطناعي مجرد أداة ضمن المحامل الرقمية، ثم يأتي دور الفنان مجددا في توجيه العمل وصياغته، وصولا إلى لحظة التلقي التي تبقى جوهرية في مسار العمل الفني.
وختم بالقول إن الذكاء الاصطناعي لا يمكنه الإبداع بمفرده، فالفنان يظل المحرك الأساسي للعملية الإبداعية، والانسجام بينهما يفتح آفاقا جديدة للفن المعاصر دون أن يمسّ جوهر الإبداع.

