56

0

الخبير الدولي عبد الرحمان مبتول يرصد تداعيات الحرب..  ثلاثة سيناريوهات لمستقبل الشرق الأوسط

حاوره: سعيد بن عياد

 

أوضح الخبير الدولي الجزائري عبد الرحمان مبتول أن للنزاع المسلح القائم حاليا بين إيران واسرائيل (الكيان الصهيوني) تداعيات على كامل منطقة الشرق الأوسط، كما يعني كل العالم ذلك أنه بين تصاعد جيوسياسي ومناورات إستراتيجية فان الأسواق تلتهب، فيما يلجأ المحلّلون إلى مراجعة تقديراتهم على المديين المتوسط والطويل، ويدخل هذا في إطار إعادة تشكيل عميق جيوسياسي لهذه المنطقة وتأثير ذلك على منطقة شمال إفريقيا وقارة إفريقيا عموما عبر منطقة الساحل والصحراء.

 

سيناريوهات في الأفق

ويتوقع الخبير مبتول ثلاثة سيناريوهات:

الأول: في حالة حرب طويلة بين إيران والكيان الإسرائيلي يمكن أن تقود إلى حدوث اضطراب للأسواق الطاقوية والطرق التجارية بالمنطقة، حيث توجد بعض أكبر الاحتياطيات البترولية والغازية في العالم ذات مردودية مالية مما يكون له تداعيات عالمية.

ثانيا: ينبغي الأخذ في الاعتبار أنه خارج هذا الفضاء فان الاحتياطيات والإنتاج من الغاز والبترول للولايات المتحدة وروسيا، أول أكبر المنتجين مع السعودية، فنزويلا نيجيريا موزمبيق وفي إفريقيا احتياطي جزيرة توتي للسينغال وموريتانيا، وبالخصوص ليبيا (التي قد يترتب عن استقرارها قلب الحسابات في الفضاء الأورومتوسطي بتوفرها على أكبر خزان بترول في إفريقيا بأكثر من 44ملبيار برميل وأكثر من 1500 مليار متر مكعب من الغاز المستغل منها حوالي 10 بالمائة فقط والهيدروجين الأخضر والأزرق والأبيض مقابل أقل من 7 ملايين نسمة) يمكنها أن تصبح أول مُمَون لأوروبا ومنافسا مباشرا للجزائر، كما لا يُستبعد  تزايد الإنتاج في البلدان أعضاء أو غير أعضاء منظمة أوبيب.

ثالثا: والسيناريو الأكثر واقعية، خلافا لبعض المواقع التي تعلن عن ارتفاع أسعار النفط إلى 150دولار للبرميل، فهو احتمال التوصل إلى حل لتفادي حدوث ركود للاقتصاد العالمي، بحيث يتوقع أن يكون سعر البرميل في 2025 بين 63/65 دولار و 60 دولار في 2026 ومن 30 إلى 33 دولار ميغاوات ساعي للغاز.

ويُذَكّر الخبير في تحليله أن إيران بلد صاحب حضارة عريقة مبرزا طبيعة النظام السياسي والمؤسساتي بإيران، فحسب دستور 1979 يرتكز النظام على شرعيتين، الأولى ديمقراطية نابعة من انتخابات شعبية وأخرى دينية يمثلها مرشد الثورة وبالتالي هو نظام شبه ديمقراطي بحيث لمجلس حراس الثورة حق الفيتو لكل ترشح للانتخابات.

 

مؤشرات تحت المجهر

ويسلط الخبير الضوء على الوضع الاقتصادي الإيراني بحيث يبلغ تعداد السكان 91,5 مليون نسمة إحصاء 2024. وتبلغ نسبة التعلم حوالي 87 بالمائة. تتربع مساحة إيران على 1648000 كلم مربع وأبرز المدن فيها طهران العاصمة ومشهد، أصفهان، تبريز وغيرها.

يحدُها من الشمال بحر قزوين ومن الجنوب الشرقي خليج عُمان ومن الجنوب الخليج وتتقاسم الحدود مع تركمنستان من الشمال الشرقي وأفغانستان شرقا وباكستان من الجنوب الشرقي والعراق غربا وتركيا وأرمينيا وأذربيجان من الشمال الغربي. في سنة 2024 بلغ الناتج الداخلي الخام لإيران حوالي 401 مليار دولار لتحتل المركز 40 في الترتيب الاقتصاد العالمي. وفي ذات السنة سجلت نسبة نمو بلغت 2,8 بالمائة حسب مركز البحث للبرلمان الإيراني. وحسب تقديرات سنة 2025 فان المؤشرات تبدو محتشمة بنسبة نمو  0,3 بالمائة إلى 1,1 بالمائة بسبب الضغوطات الاقتصادية الأمريكية وانكماش الطلب. وارتفعت صادرات إيران إلى 97,4 مليار دولار منها  6,53 مليار دولار في الخدمات بينما بلغت الواردات 66,1 مليار دولار بميزان تجاري ايجابي وديناميكية للصادرات خارج المحروقات حققت زيادة بنسبة 4 بالمائة، تلتها نسبة 3,8 بالمائة في 2024 لمبلغ 42,246 مليار دولار. ومن أهم زبائن إيران التجاريين في الاستيراد والتصدير توجد الصين أول شريك تليها الإمارات، تركيا،العراق، وبدرجة أقل روسيا في الجانب العسكري. ويبلغ احتياطي الصرف بالعملة الصعبة في إيران من 30 إلى 40 مليار دولار وربما أكثر حسب مصادر. ويتشكل الاحتياطي من العملات الأجنبية ، الذهب، وأصول أخرى، لكن ينبغي الإشارة إلى أن جزءا من هذا الاحتياطي تم تجميده في بنوك أجنبية بفعل العقوبات  الدولية المفروضة على إيران مما يحدّ من وفرة السيولة. أما المديونية الخارجية، يضيف الخبير عبد الرحمان مبتول، مستندا لمصادر متخصصة في التجارة الدولية، فقد بلغت الذروة في  مارس 2008 بمبلغ  28,6 مليار دولار لتنخفض  في مارس 2023 إلى 6,3 مليار دولار وتقدر في 2024 بحوالي 4,412 مليار دولار وهي نسبة مديونية ضعيفة نسبيا. أما المديونية الداخلية بالنسبة للناتج الداخلي الخام فقد سجلت 48,27 بالمائة في 2020 لتنخفض إلى 30,55 بالمائة في 2023 وبمعدل 28,63  بالمائة بين 1996 إلى 2024. أما بالنسبة لمعدل التضخم فتشير مصادر متخصصة أنه بلغ حوالي 40,70 بالمائة في 2023 ليتراجع نسبيا إلى 38,9 بالمائة في شهر ماي 2025  مع توقُع معدل سنوي بحوالي 32,5 بالمائة للثلاثي الأول 2025. وبلغت البطالة في 2024 نسبة 8,9 بالمائة مقابل 9 بالمائة بين 2022/2023 . وحسب تحقيق أُجري في جانفي 2025 فان متوسط الأجر في إيران يقدر بحوالي 252,16 أورو، مع فوارق تتمُّ معالجتها عن طريق الدعم الهام الذي تسخره الحكومة. وفي إيران يلعب القطاع العام دورًا مُهَيمنا في الاقتصاد خاصة في قطاعات المحروقات والصناعة والخدمات، بحيث تتجسد هذه الهيمنة بحضور الدولة في قطاعات الصناعة والبنوك ومراقبة الموارد الطبيعية خاصة منها البترول والغاز. ويُمثل قطاع الخدمات حوالي 54,3 بالمائة من الناتج الداخلي الخام بحيث يعتبر القطاع الأكثر مساهمة في الاقتصاد الإيراني متقدما على الصناعة بنسبة 35,9 بالمائة ويمثل الإنتاج البترولي 23 بالمائة من إجمالي الثروة في إيران.

 

"مضيق هرمز" في قلب المعادلة

وبخصوص تداعيات التوترات الجيواستراتيجية في الشرق الأوسط على الطاقة رصد الخبير مبتول بعض المؤشرات ذات الدلالات وقراءة مستقبلية للتطورات، من بينها أن منطقة الشرق الأوسط تمثل 32,7 بالمائة من الإنتاج العالمي من البترول و20 بالمائة من الغاز الطبيعي أما الاحتياطي فيقدر بحوالي 60 بالمائة من النفط و40 بالمائة من الغاز. وتتوفر إيران على احتياطي 30.000 مليار متر مكعب غاز وراء روسيا بـ34.000 وتسبق قطر (20.000) مع احتياطي من البترول يقدر بحوالي 160 مليار برميل. وبحوزة إيران، التي تواجه مثل روسيا عقوبات تفرضها الدول  الغربية، 11,5 بالمائة من الاحتياطي العالمي من البترول وهي الثانية في المنطقة وراء المملكة العربية السعودية (فنزويلا الأولى عالميا لكن ببترول من النوع الثقيل) ورابع منتج عالمي بين 3,5 و4 مليون برميل/يومي وثاني صاحب أكبر احتياطي عالمي من الغاز وراء روسيا بنسبة 15 بالمائة، ولديها طاقة إنتاج الغاز بأكثر من مليار متر مكعب يومي مع نسبة عالية موجهة للاستهلاك الداخلي بسعر أدنى من سعر السوق الدولية. غير أن إيران لديها ثقل جيواستراتيجي بحيث تراقب مضيق هرمز الذي يعبر منه بين 25/30 بالمائة من المحروقات، ويعتبر هذا المضيق (المعبر البحري) أحد أهم النقاط الحساسة للتجارة العالمية مما يعطيه أهمية إستراتيجية قصوى. كما أن أكثر من ثلاثة أرباع هذه الصادرات توجه إلى بلدان آسيا، أولها الصين، الهند واليابان، وحتى إذا قامت السعودية والإمارات ببناء أنبوب لتفادي المضيق وتجاوزه فان هذا الطريق البديل ينقل في الواقع كميات محدودة، وفي مواجهة العقوبات المفروضة من الغرب على بترولها فقد هددت إيران بغلق هذا الممر البحري.

 

 عواقب جيواستراتيجية ثقيلة

ويوضح الخبير مبتول في سياق تشخيص الوضع وقراءة استشرافية للمؤشرات الجيواستراتيجية للوضع السائد في المنطقة في حالة  امتد النزاع بين إيران والكيان الإسرائيلي إلى بلدان مجاورة بأن العواقب الجيواستراتيجية تكون ثقيلة على الاقتصاد العالمي، أبرزها كأثر مباشر، توقف التموين بالمحروقات وارتفاع كلفة الطاقة وكلفة سلاسل الإمداد والإنتاج مع سعر يتجاوز حينها 100 دولار للبرميل، مع ضغوطات تغذي التضخم وركود اقتصادي يكون أول ضحاياه البلدان الهشة وبالأخص البلدان المنتجة للبترول  بفعل انخفاض الطلب. ويضيف الخبير مشيرا إلى أنه ينبغي الأخذ في الحسبان أيضا التوترات في منطقة البحر الأحمر حيث  تَعبُر بين 12/15 بالمائة من التجارة العالمية للبضائع مؤديا دورا جد هام في المبادلات بين أوروبا وآسيا (40 بالمائة من حجم المبادلات) حيث يشير معهد "كيال" إلى أن كلفة حاوية تبحر من الصين إلى أوروبا انتقلت من 1500 دولار إلى 4000 دولار.

وتمثل المحروقات بالنسبة لإيران 85 إلى 90 بالمائة من مداخيل الصادرات و40 إلى 50 بالمائة من موارد الميزانية ولتغطية حاجياتها، وأمام عدم القدرة على التموُّن بالمنتجات من الغرب تعمل إيران على تعزيز شراكاتها مع البلدان المجاورة وآسيا تتقدمها الصين وغالبا بأسعار تفضيلية كما هو الشأن أيضا لروسيا باتجاه الهند والصين، علما أن أغلب مواقع إنتاج النفط في إيران مركزة وهشة كونها تتواجد أساسا قرب الحدود مع العراق أو في البحر (الخليج العربي الفارسي). وتوجد منطقتان في إيران (لورستان وخوزستان للبترول وساوث بارس للغاز) تكتنزان 90 بالمائة من بترولها و60 بالمائة من غازها.

ويَخلُص الخبير عبد الرحمان مبتول من خلال قراءته للمشهد إلى أن علاقة إيران مع أهم جيرانها تتقدمهم السعودية، الكيان، مصر، روسيا، عُمان والإمارات تواصل رسم ملامح المشهد الخارجي وكذا مستقبل العراق ولبنان وسوريا وجنوب القوقاز، بينما يُشكل مصير فلسطين والنزاعات الحالية والتنافس من أجل التأثير والصراع الإقليمي للقوى الكبرى ومقاوليهم عوامل يمكن أن  تضاعف من حدّة التوترات والعنف ويحتمل أن تقود إلى تغيير شامل لخارطة المنطقة.

 

    

شارك رأيك

التعليقات

لا تعليقات حتى الآن.

رأيك يهمنا. شارك أفكارك معنا.

barakanews

اقرأ المقالات البارزة من بريدك الإلكتروني مباشرةً


للتواصل معنا:


حقوق النشر 2025.جميع الحقوق محفوظة لصحيفة بركة نيوز.

تصميم وتطويرForTera Services

barakanews

اقرأ المقالات البارزة من بريدك الإلكتروني مباشرةً


للتواصل معنا:


حقوق النشر 2025.جميع الحقوق محفوظة لصحيفة بركة نيوز.

تصميم وتطويرForTera Services