386
0
الجمعية الجزائرية لمرضى سبينا بفيدا .....جهود لتوفير الدعم ومرافقة المصابين.
أحصت الجزائر مؤخرا ،في سجلها الصحي قائمة كبيرة من الامراض النادرة و الحساسة التي أصبحت تتفاقم نتيجة لعدة اعتبارات اختلف في تحديدها و تحليلها الخبراء و المختصين ، نظرا لخلفية ظهورها و تداعياتها التي تفرض بصفة عاجلة اشراك المجتمع المدني و اطيافه للتكفل بالمصابين وتقديم الدعم الاجتماعي لهم على غرار الدعم الصحي الذي تقوم به السلطات المعنية .
شيماء منصور بوناب
ومن بين تلك الامراض التي عرفت انتشارا في المجتمع الجزائري في السنوات الأخيرة دون أي جهود توعوية قد تكشف خطورته او أسبابه ، نجد سبينا بفيدا كمرض يصيب الأطفال حديثي الولادة دون معرفة حقيقية لأسبابه التي باتت محل انشغال الجمعية الخاصة بأولياء و مرضى سبينا بفيدا الجزائرية التي تسعى لتحديد مظاهر هذا المرض من خلال تعزيز مجال الدراسات العلمية الخاصة بالمرض و كذا تقديم الدعم لعائلات المصابين .
الجمعية الجزائرية لمرضى سبينا بفيدا ....مشروع وطني متكامل الأهداف
وقبل الحديث عن خلفية مرض سبينا بفيدا وواقعه في الجزائر ، كان لقاؤنا مع رئيس الجمعية كعيبة نذير الذي شدد في مستهل حديثه على أن "المَريض يَنْتَظِر مِنا حِفْظَ حُقُوقِه و حِمِايَتها، حتَى يَتسَنَّى لَهُ أَن يكُونَ فِي المُستَقْبَل عُضْو فَعَّال وَ مُنْتِج يَسْتَطِيعُ التَّكَفُل بِنَفْسِه".٧
في هذا الصدد ، وبالرجوع للجمعية أفاد بأنها وليدة انشغال شخصي بادر إلى ذهنه ، بحكم انه أب للطفلة ايمان مصابة بمرض سبينا بفيدا ، وهو الأمر الذي جعله في احتكاك دائم مع أولياء المرضى في المستشفيات ومراكز العلاج التي استدعت منه التفكير في حل يجمع جميع انشغالا ت الاولياء ويعطي فرصة اكبر للمصابين من حيث تلقي التكفل الأمثل لهم وكذا من حيث تحقيق ادماجهم الاجتماعي .
وحسب ذات المتحدث فكان تأسيس الجمعية رسميا يوم 15 ديسمبر2022 من الجزائر العاصمة بعد ان انطلق نشاطها من بجاية سنة2013 ، أي بعد ثلاث سنوات من ولادة ابنته ايمان سنة 2010، تهدف أساسا لضمان الرعاية متعددة التخصصات للأشخاص الذين يعانون من سبينا بيفيدا مع محاولة إنشاء مركز وطني لعلاج الأمراض الناجمة عن تشوه العمود الفقري، من خلال وضع مكانيزمات وقائية على الصعيد الوطني، و إنشاء آليات رصد و متابعة متعددة التخصصات للوقاية .
يضاف إليها العمل على توفير الموارد البشرية والمادية والمالية اللازمة للمؤسسات الإستشفائية على الصعيد الوطني التي تتولى الإجراءات الجراحية الرئيسية من خلال فتح المزيد من غرف العمليات المجهزة بكل العتاد و التجهيزات اللازمة، في كل مؤسسات الصحة العمومية، والتي ستسمح للأخصائيين بالتنقل و التدخل في أقرب مؤسسة إستشفائية للمريض.
كما نجد اهم محور من الأهداف يركز حسب كعيبة على على المتابعة الشخصية لكل حديثي الولادة المصابين بهذا المرض، مع وضع بطاقة تقنية لتقييد كل التطورات مع تقدم المريض في العمر. دون نسيان نقطة تحسين الخدمة و جودة الأجهزة الخاصة بأمراض العظام، و توفيرها على المستوى المحلي و الوطني ومن الجانب الاجتماعي شدد على تعزيز المناهج المتعددة التخصصات في عملية التنشئة الاجتماعية للأطفال الذين يعانون من سبينا بيفيدا مع انشاء آليات و مكانيزمات شاملة لصالح الأفراد المصابين لتذليل العقبات التي تواجههم في التعليم ، العمل، الرياضة و السياحة.
أما بخصوص العمل التطوعي و التبرع للجمعية قال كعيبة أن المساعدات التي تصلهم يتم توجيهها لتمويل البحوث الأساسية حول تعقيدات سبينا بيفيدا من خلال صياغة السياسات العامة بشأن القضايا الحاسمة التي تؤثر على تلك الفئة المتضررة من مجتمعنا. إضافة لتوفير التعليم الحيوي للأفراد والأسر ومهنيي الصحة العمومية في جميع أنحاء البلاد من أجل ضمان تغطية صحية ذات جودة للمصابين مع تقديم الدعم للمحتاجين (من الأولياء و المرضى) الذين يعانون بسبب سبينا بيفيدا."حسب ذات المتحدث"
أما ما تعلق بالرعاية والمرافقة الاجتماعية التي تقدمها السلطات الرسمية تحت لواء الضمان الاجتماعي ، لفت كعيبة الانتباه للوضعية التي ينتسب اليها مرضى سبينا بفيدا كأفراد معاقين من ذوي الاحتياجات الخاصة يتم تطبيق عليهم قوانين المعاقين دون مراعاة احتياجاتهم و مستلزماتهم الصحية التي تفوق حجم الخدمة المادية المقدمة لهم شهريا.
إضافة للنقص الكبير في الجانب البيداغوجي الذي تعاني منه المؤسسات التعليمية الوطنية التي تضم في كنفها طفل مصاب او معاق ، دون وجود مرافق مدرسي يعيله داخل القسم ، وهوما يفرض على الوالدين رسوم أخرى تضاف لهم في سياق البحث عن مرافق لطفلهم يتم الدفع له من مالهم الخاص دون وجود تكفل رسمي من الجهات المعنية.
و بالوقوف على النقاط الحساسة التي تقف عليها الجمعية في استراتيجياتها مع اطياف المجتمع المدني عامة ومع المرصد الوطني بصفة خاصة في اطار تغطية كل احتياجاتها ، أشار رئيس الجمعية لمحورمرافقة المرصد لحملاتها التحسيسية و التوعوية التي تجسد رؤيتها الواعدة بالنهوض بالجانب الصحي الوطني الخاص بمرضى سبينا بفيدا.
كما تعمل الجمعية حسب ما أشار اليه كعيبة ، لتشكيل شبكات رعاية متعددة التخصصات للمرضى وذلك بمساعدة مختلف الأخصائيين في إطار تعزيز حقوق الأطفال المعاقين واسرهم وضمان التكفل الأمثل لهم على المدى البعيد.
سبينا بفيدا...بين الأسباب و التداعيات
وفي تعريفه لسبينا بفيدا، وضح أنه تشوه خلقي يصيب الاطفال حديثي الولادة بعد إصابة النخاع الشوكي في العمود الفقري، وهوما يؤدي بصورة نمطية لمشاكل حركية و حيوية تسبب الإعاقة بتداعيات مختلفة أهمها ، الاستسقاء الدماغي و المثانة العصبية التي تختلف خطورتها من شخص لآخر حسب نوع المرض الذي نجد في شكل قيلة مشقوقة مخفية أو قيْلَةٌ نُخاعِيَّةٌ سَحائِيَّة والقيلة السحائية وهو ما يؤكد أن أكثر الأماكن تعرضاً للإصابة هي المنطقة القطنية والعجزية من العمود الفقري. ويذلك يظهر التشوه على شكل كيس خارج من النخاع الشوكي مملوء بسائل أحياناً يكون مغطى وأحياناً أخرى يكون مكشوف اعتبارا لعدة عوامل ترجع بالأساس لأسباب جينية، غذائية وبيئية وكذا لنقص الفوليك اسيد أحد أشكال فيتامين ب.
شهادات حية من أولياء مرضى سبينا بفيدا
وبالعودة لواقع تعايش أولياء مرضى السبينا بفيدا مع المرض ، قالت خرباشي سماح عضو في الجمعية وأم لطفلة سبينا بفيدا، أن فكرة تقبل المرض تختلف من شخص لآخر نظرا لقلة الوعي به ، لذلك غالبا ما نصادف أولياء في حالة صدمة وذعر من هذه الحالة التي يكتشفها البعض في وقت الولادة بينما البعض الاخر يكتشفها في فترة الحمل .
و بالنسبة لها ، أفادت أن" تقبل المرض كان بنفس مؤمنة راضية رغم قلب الأم المتعطش لرؤية صورة الطفل بأبهى حلته الصحية ، ومع ذلك كان القضاء الرباني فوق الجميع لحكمة ما ، تطلبت منى الأيمان بالعلاج و الحياة بعد أن أغلقت في وجهى عدة أبواب ومنافذ الحياة."
وتابعت موضحة أن تشخيص ابنتها بحالة الاستسقاء الدماغي، غرس في قرارة نفسها قناعة بضرورة العلاج متحدية كل العراقيل و الصعوبات التي قد تواجها ، وأولها نظرة المجتمع واحتقاره للمرضى تحت مسمى "معاقين".
ومن هذا المنطلق أوضحت ان رحلة العلاج بدأت بالبحث عن أخصائيين في جراحة المخ و الأعصاب وما تبعها من عمليات أخرى باعتبار المرض له تداعيات كثيرة من بينها الإصابة بالعمى مثل حالة ابنتها التي أصبحت معاقة حركيا و بصريا ، ولعل ذلك ما زاد تشعب الوضع وجعله أكثر تعقيدا في ناحية العلاج والتكفل الاجتماعي بحكم ان العديد من المدارس الوطنية تقبل المعاقين حركيا فقط دون بصريا وهو ما أخر عملية تلقى التعليم او استمراره مع الأسف .
من جانبه تطرق وليد برباش نائب رئيس الجمعية لتجربته مع مرض سبينا بيفيدا ، بحكم انه والد لطفل مصاب ، ففي البداية قال ان التجربة صعبة جدا تبعا لتعقيدات المرض الذي يؤثر على مستويات عديدة من أعضاء الجسم وحسب درجات معينة تختلف من شخص الى آخر ،إضافة لمشكل التنقل للحصول على الرعاية الطبية في عدة تخصصات وهو ما يحتاج جهد ووقت و مادة لتحقيق التكفل الامثل.
ثقافة المرض في الجزائر... وعي لم يتبلور بعد
من منظور آخر كان الحديث عن الثقافة الصحية الاسرية للمجتمع الجزائري ، كأهم عصب متحكم في لحمة الأسرة التي نجدها مع الأسف حسب ما وضحته خرباشي أنها تلقى اللوم دائما على الأم كأنها المسؤولة على التشوه الخلقي للأطفال ... وهو تعبير واضح عن التهرب من المسؤولية والقائها على الأم دون احتساب دور الاب كسند مهم ومعيل أساسي في الاسرة.
ومن جملة "الأسرة الجزائرية بدون فرد معاق تعاني في صمت " اشارت لأهم مشكل كانت تعاني منه في جانب توفير القسطرة البولية لابنتها بحكم سعرها ووفرتها ، وهو الحال عند جميع الاولياء ، اذ في وقت مضى كان يتم اقتناؤها و استعمالها ثم غسلها ليتم استعمالها مرة أخرى نظرا للحاجة الماسة اليها رغم غلائها. لكن بفضل جهود الجمعية أصبحت القسطرة متوفرة لدى جميع المرضى باعتبارها من اهم احتياجات المصاب .
الرعاية الصحية مشروع اسري اجتماعي
وكما سبق الذكر ، قال برباش ان الرعاية الصحية بحد ذاتها مشروع كبير يستوفي تضافر الجهود من الاسرة أولا ثم الطاقم الطبي وكذا السلطات التي يقع على عاتقها مسؤولية توفير كل الاحتياجات لتذليل العراقيل و الصعوبات امام أسرة المصاب الذي يحتاج علاج مستعجل تفاديا لأي تداعيات قد تهدد سلامة حياته.
مؤكدا ان أي تأخير في العلاج قد يؤدى لمسار علاج اخر اكثر تعقيد خاصة وأن الرضيع المصاب بالاستسقاء الدماغي في حالة تلقيه اهمال بسيط قد يؤدي الامر به للوفاة دون احتساب التشوهات الجسمية التي يتعرض لها .
اما من ناحية تقبل المصاب لحالته الصحية قال برباش أن فكرة التقبل بصفة عامة امر ثقيل على الوالدين قبل الطفل ومع ذلك يبقى الأمر مرهون بالاستعداد الإيماني و النفسي و الذهني لتفادي أي انعكاسات أخرى على المريض ، خاصة الأطفال الصغار حسب معتقداته الأولى انهم في مرحلة عابرة فقط من الإصابة التي لن تدوم وأن نموهم مثل أقرانهم مرهون بتحسن قريب .
وعلى ذلك شدد على أهمية الاحتضان الاسري و الاستعداد المسبق لتحضير الأطفال على ما سيعيشنه لتفادي أي اضرار نفسية أخرى قد تأزم حالتهم أكثر ، باعتبار الوضعية النفسية التي يكون فيها الطفل هي من تحدد فعالية العلاج ومدى نجاعته.
وللتخلص من العقد النفسية أشار لدور الانفتاح على العالم الخارجي في محيط يجمع الطفل بأقرانه دون خوف من التنمر او السخرية منه ، وذلك بعد تحضيره ذهنيا و روحيا ليواجه أي تداخلات خارجية من محيطه ومجتمعه.
رسالة للسطات من أولياء مرضى سبينا بفيدا
استنادا على ما تم عرضه آنفا ، قال كعيبة " نتمنى من السلطات دراسة مشروع انشاء مراكز علاجية في العديد من الولايات لتسهيل الامر على الاسرة المعيلة بمرضى سبينا بفيدا".
وهو ما ثمنته خرباشي في رسالتها للسلطات، التي طالبت فيها برد الاعتبار للجمعيات الناشطة في المجال الصحي على غرار جمعية سبينا بفيدا ، وذلك من حيث تقديم الدعم و المرافقة الحقيقية التي تزيد من وتيرة العمليات التحسيسية و التوعية في إطار خلق مجتمع واعي صحيا قادر على تحمل مسؤولياته العلاجية من خلال تعزيز آليات الإرشاد و الوقاية وحتى العلاج.
منوهة بأهمية انشاء مراكز علاجية في مختلف المناطق و الولايات ، الداخلية و المهمشة ، لضمان التغطية الصحية الازمة ، خاصة وأن أغلب المواطنين يعانون من صعوبة التنقل لتلقى العلاج ، نظرا لعدة عوامل أولها ضعف القدرة المعيشية و الحالة الصحية للمريض التي تعرقل مسار تلقيه للعلاج ناهيك عن التأخيرات التي تصادفه في المستشفيات بسبب التنقل من مختص لآخر أو بسبب غياب الأخصائيين الذين يتمركزون في الغالب في المستشفيات الكبرى بالعاصمة و ضواحيها ، وهو ما يأزم الوضع بالنسبة للمريض و أسرته .
الامر ذاته بالنسبة لنائب رئيس الجمعية ، حين طالب في رسالته للسلطات العليا للبلاد مرافقة مشروع الجمعية من خلال تقديم الدم المادي لتسهيل الامر على الاسرة الجزائرية وضمان حقها في العلاج من مكان اقامتها اين ما كانت في مختلف ربوع الوطن .والامر ينطبق أيضا بالنسبة للأمراض الأخرى النادرة التي تستدعي تقديم الدعم و المرافقة أيضا في اطار تعميم الوعي الصحي بها كأمراض حساسة بحاجة لخلفية داعمة من الدولة و المجتمع.