53
0
الغش الإلكتروني يضرب "البيام" مجددًا بباتنة
تلميذان في قبضة العدالة وتقنيات ذكية في قلب الفضيحة

في واقعة جديدة تسلط الضوء على استفحال ظاهرة الغش في الامتحانات الوطنية وتحوّلها إلى ما يشبه "الجرائم التقنية"، كشفت نيابة الجمهورية لدى محكمة بريكة تفاصيل مثيرة حول محاولة تلميذ في امتحانات شهادة التعليم المتوسط تسريب موضوع امتحان مادة اللغة العربية باستعمال تقنيات اتصال متطورة.
ضياء الدين سعداوي
بيان النيابة العامة لمحكمة بريكة، الصادر في 3 جوان 2024، أشار إلى أن المشتبه فيه (ع.غ)، مترشح لإجتياز امتحان شهادة التعليم المتوسط، ضُبط بتاريخ 1 جوان متلبسًا و هو يقوم بتصفح هاتفه النقال في وقت كان يحاول تمرير موضوع إمتحان مادة العلوم الفيزيائية و التكنولوجيا و الولوج إلى صفحة مجموعة على مواقع للتواصل الاجتماعي ـ انستغرام - بهدف الحصول على الأجوبة من طرف شخص يدعى (م.ب).
محاولات منظمة ومسؤولية جماعية
هذه الواقعة تتقاطع بشكل مباشر مع ما ورد في البيان القضائي الصادر عن محكمة مروانة أمس، والذي كشف عن محاولة تلميذ آخر، بمساعدة شريك خارجي، الغش بنفس الطريقة، بإستعمال شريحة هاتف وسماعة دقيقة داخل مركز الامتحان. ت
شابه الأسلوب المستخدم في الحالتين، من حيث التكنولوجيا والتنسيق الخارجي، يعكس ما يمكن اعتباره "نمطًا متكررًا" لمحاولات منظمة تتجاوز الغش الفردي، وتطرح تساؤلات عميقة حول مدى وجود شبكات غير رسمية تسهّل هذه العمليات، مقابل المال أحيانًا أو بدافع المحاباة.
قانون واضح وعقوبات صارمة
وفقًا لبيان نيابة محكمة بريكة، فقد تم تقديم المتهمين يوم أمس 2 جوان 2025 أمام قاضي الأحداث، الذي باشر إجراءات التحقيق، مع إصدار أمر بوضع التلميذ في مركز خاص بالقُصر إلى حين استكمال الإجراءات، وتسليم شريكه إلى الجهات المختصة.
وبموجب التشريعات الجزائرية، وخصوصًا المادة 253 مكرر من قانون العقوبات، تُعدّ أفعال تسريب مواضيع الامتحانات أو الغش باستخدام وسائل الاتصال جريمة يعاقب عليها بالسجن، باعتبارها مساسًا مباشرًا بمصداقية الشهادات الوطنية وبمبدأ تكافؤ الفرص بين التلاميذ.
وزارة التربية تقود حرب مستمرة ضد الغش
ورغم الجهود التي تبذلها وزارة التربية الوطنية، من خلال الإجراءات الإستباقية مثل منع إدخال الهواتف الذكية إلى مراكز الامتحان إلا أن التحديات التقنية تزداد عامًا بعد عام، خصوصًا مع صعوبة كشف الوسائل الدقيقة التي أصبحت تُستعمل، مثل سماعات "النانو" والبطاقات المزودة بشبكات اتصال سرية.
تربويون وخبراء في الأمن السيبراني أكدوا، في تصريحات سابقة، أن الحرب ضد الغش لم تعد فقط مسؤولية المدرسة أو المراقب، بل تستدعي تنسيقًا محكمًا بين قطاعات التربية، العدالة، الأمن وحتى الأسرة، مشددين على ضرورة التربية على النزاهة بدءًا من الأقسام الأولى.
أصوات تطالب بالمراجعة والتقييم
هذه الحوادث المتكررة، لا سيما في ولايات مثل باتنة، تعيد طرح ضرورة تقييم فعالية المنظومة الحالية للتصدي للغش، فهل تكفي الإجراءات التقنية وحدها؟ أم أن هناك حاجة ملحة لإعادة النظر في طبيعة الامتحانات نفسها، وظروف تنظيمها، والضغوط النفسية التي تُمارس على التلاميذ وأوليائهم؟
يقول أحد الأساتذة في حديث لجريدة "بركة نيوز": "ما دام الامتحان يُقدَّم كتحدٍ مصيري، لا كفرصة لتقييم مكتسبات معرفية، سيبقى بعض التلاميذ يبحثون عن طرق مختصرة للنجاح، حتى ولو عبر خرق القانون."
بين ما ورد في بيان مروانة وبيان بريكة، يبدو أن امتحانات هذا العام، وإن كانت تُجرى وسط رقابة أمنية وتقنية مشددة، إلا أنها لم تسلم من محاولات تقويض نزاهتها ، وفي انتظار المحاكمات المنتظرة، تبقى العبرة لمن يعتبر لأن الغش لا يقود إلى النجاح، بل إلى أروقة العدالة.