168
0
كيف زاوج علي جري بين الصحافة والفن وتفاصيل انشاء فضاء "غالري هالة"تكشفها بركة نيوز
بما أن الفن يعكس رؤية حضارية ما، فهو يفرض دراسته من حيث ابعاده و رسالته التي تختلف حسب طبيعة الفنان وميوله ومشاعره الدفينة التي تأخذ شكل لوحات ابداعية او موسيقى تعبيرية وحتى الشعر و الصورة .
ومن هذا المنطلق كان لقاؤنا مع الفنان علي جري مدير رواق الفن" غالري هالة" للتفصيل في حيثيات "علم الجمال" من حيث المقومات و الابعاد.
حاورته شيماء منصور بوناب
● قبل الحديث عن رواق الفن غالري هالة، الذي أصبح مصب الفنون وجامع الإبداع، وجب الحديث عن الفنان والإعلامي علي جري، الذي جمع بين الفن و الاعلام في قالب واحد متكامل صقل فيه الموهبة الإعلامية و الحس الفني ؟
بداية ودون الغوص في تفاصيل ذاتي التي خضت فيها العديد من الأمور المتشابكة التي رغم حدتها و صرامتها في بعض الأحيان ، إلا انها كانت القاعدة التي بنيت بها شخصي في عدة مجالات ، ولعل اقربها إلي كان في الإعلام و الفن.
فالحديث عن ذلك يعطي طابع مشترك بين العالمين الذين يلتقيان تحت مفهوم الحرية و المسؤولية ، وليس المسؤولية و الحرية ، بحكم أن السابقة و أقصد بها الحرية، هي من تكسب الفرد القناعة التامة في ممارسة ما يهواه بكل أريحية تامة.
فالتعبير المطلق في فضاء واسع هو السبيل نحو الابداع كل و مجاله و لا أقتصر الحديث عن الصحافة أو الفن فقط، لأن الابداع شيء مقدس يعكس نظرة الانسان لما يحيط به وما يقوم به من عمل أو ما يمتهنه من حرفة.
وبما أنني شخص منفتح على العالم في أفكاري ، فان ولوجي لعالم الفن كان فطريا من نبض الموهبة التي قادتني نحو اعتناق مبادئ المدرسة التجريدية التي حاولت من خلالها التعبير عن مكنوناتي و حتى عن طموحاتي من باب الاستمتاع و الهواية دون جعلها مكسبا للرزق و العيش.
ولعل ما كان دافعي نحو الغوص أكثر في هذا المجال ، هو الدعم و الاهتمام الذي كنت محاطا به في دراستي ، حين كانت المدرسة ودور الشباب الثقافية تهتم بالفن و أصوله و تسعى لتنمية قيمه و مبادئه لدى الأطفال من منظور يكسب الفرد شعورا بالرضا و الراحة النفسية كما يعزز بذاته شعور الانتماء لعالم مبهر.
ومن هذه المحطة، أعرج للموهبة التي رغم جماليتها إلا أنها بحاجة لأدوات و تقنيات مستجدة تطور من قدرات الفنان من خلال الالتحاق بالدورات التكوينية، التي تساعد على التحكم في القواعد و التقنيات من ناحية التمكين و الابداع.
أما بالنسبة للصحافة، فهي بدورها بحاجة لأساسيات تكوينية ميدانية تأصل للعمل الإعلامي نظريا و تطبيقيا ، مع شرط توفير الحرية في الممارسة لفتح المجال للعمل الإبداعي الذي من وجهتي و بحكم تجربتي في العالمين الفني و الإعلامي لا حضت تقليص في مستوى الحريات .
وفي ذلك أشير لنشاطي في جريدة الخبر كوني أحد مؤسسيها و القائمين عليها، والتي كانت في وقت مضى اكبر جريدة في الوطن العربي، كانت من بين الجرائد الجزائرية ذات مكانة و حصانة وطنيا و عربيا.
ومن مفهوم أن الصحافة هي السلطة الرابعة، أوضح أن انتقاء المعلومة ونشرها له دور كبير في توجيه الرأي العام و تغيير معتقداته، وعلى ذلك دائما ما أحاول دراسة التأثير العام ما بعد نشر الخبر الذي يفرض معرفة التوجه العام للدولة و كذا رغبات و اهتمامات الشعب بحد ذاته.
●حب الفن يولد إنسانا شغوفا بعالمه ينسج من لاشيئ شيئ ومن العدم ابداعا ، من هذا المنطلق كيف كانت بدايتكم في هذا المجال وما علاقتها اليوم بدوركم في تثمين المنجزات الفنية في رواق الفن غالري؟
ارتباطي بالفن لم يكن امر عبثا، انما كان وليد الشعور بالانتماء نحو فضاء واسع الأطر يهوى التنفس بحرية بين تفاصيل اللوحات و أبعادها، وعلى ذلك جاءت الفكرة بالتنسيق و التعاون مع صديق قديم من مجال الصحافة لتأسيس فضاء فني يثمن الأفكار الفنية و الإبداعية و يعطيها حقها وذلك قبل سنتين من الآن.
وانوه بأن عدم وجود اسواق للفن في الجزائر هو الدافع وراء تأسيس رواق الفن هالة، لأن الجزائر رغم جهودها في سبيل ترقية الفنون الا انها تعجز عن احتوائه كما ينبغي، لان اهتمامها به مقتصر في جانب البيع فقط دون الاهتمام بالفضاءات التي تخدمه بنشاطات و عروض إبداعية تساهم في بناء قواعده و الترصيص لها بشكل أفضل.
●استنادا على ما سبق عرضه في تجربتكم الفنية، التي كان الدافع نحو تأسيس مشروع رواق الفن غالري هالة الذي جمع في اركانه نخبة من الفنانين و محبي الابداع، في هذا الصدد ماهي خلفية بناء وتأسيس غالري هالة، مبرزا أهم اهدافها ومهامها وإنجازاتها كرواق يحتضن الأعمال الفنية و يوثق منجزات أصحابها في إطار ترقية الفنون الجميلة؟
إن تأسيس فضاء غالري هالة، أين يجتمع فيه محبي التشكيلي، كان سانحة لعرض النشاطات الإبداعية التي تخدم الفن و الفنانين، من فالمبدأ " الرواق فضاء مفتوح على العالم وللجميع" .
فالغاية من تأسيسه، تكمن في خلق مساحة فنية تجمع أفكار الفنانين و مشاريعهم بنظرة تفاعلية يحظى فيها الفن بالاهتمام الكامل ، على اختلاف الآراء و التوجهات و المناهج.
وتبعا لذلك، وبما أننا في البداية فقد سطرنا برنامج فني خاص بالمعارض الجماعية و الموضوعاتية، بجانب معارض أخرى تثمن ابعاد الصورة الفوتوغرافية الفنية التي تطرقنا من خلالها للقضية الفلسطينية أين سجلنا ردود كبيرة حولها من حيث المرافعة و الاهتمام بها ثوريا و ثقافيا و اجتماعيا.
ذلك على غرار إقامة معرض خاص بفن التدوير والرسكلة تحت عنوان "عندما تصبح النفايات تحفة فنية"، مع التحضير لمعرض الشباب الموهوبين، الذين نجدهم بحاجة للاحتواء خاصة بعد تخرجهم، من معهد التكوين، حين يصطدمون بالواقع، أين لا يجدون فرصة لعرض منجزاتهم و أعمالهم الفنية.
ولتقليل حجم الاصطدام ، فتحنا باب غالري امام الشباب من جهة اعطائهم فرصة و دفعة تشجيعية تؤهلهم من الاستمرار في عالم الفن، بجانب ذلك دعمنا المعرض الشبابي بنشاطات ابتكارية أخرى من نصيب المصممين و الأطفال ليبدعوا في مشاريعهم.
ومنه أؤكد أن المعارض المسطرة في برنامج غالري دائما ما يتم ربطها بالتاريخ و الثقافة ، ايمانا منا بدور الخلفية التاريخية و الثقافية في بناء الواقع الفنين دون نسيان الموسيقى والمسرح التي نحاول من خلالهم اعطاء بصمة جديدة لمجال الابداع البشري الراقي.
سبق و ان تحدثتم عن إقامة معرض خاص بفن التدوير تحت عنوان 'عندما تصبح النفايات تحفة فنية".....من وجهتكم كيف تصفون واقع هذا الطابع الفني في الجزائر من حية البنية و النشأة
معرض فن التدوير يعد خامس معرض لغالري ، تم تنظيمه في ظرف وجيز استجابة للتطلعات الفنية للمجتمع ، خاصة وأنه يأخذ الطابع الموضوعاتي الذي يجمع بين الثقافة الفنية و الوعي البيئي من خلال استغلال بعض المقتنيات و اللوازم اليومية في تشكيل ابداع فني من وحي الإلهام الذاتي.
وبما أن معرض التدوير الفني أو الرسكلة في طبعته الرابعة ، احتضن سبعة عشر فنان في مختلف الطبوع سواء التجريدية أو السريالية وغيرها من الطبوع التي تعكس ابداعات الفنان بحد ذاته .
ومنه أوضح ان فن التدوير رغم قدم ظهوره إلا ان نشأته في الجزائر لم تعرف صداها إلا مؤخرا، كونه يقوم على خلق من لا شيئ شيئ في غاية الابداع عبر بث الروح الفنية في مجسمات ولوحات كانت في يوم ما عبارة عن مخلفات غير صالحة للاستهلاك ومضرة بالبيئة مثل علب البلاستيك و الحطب و حتى كبسولات القهوة التي تم الاستفادة منها في صنع بعض من الحلي وكذا لوحات فنية بدلالات عميقة تعبر عن الوجدان .
تماشيا مع سياسة غالري هالة التي تخدم الفن والفنانين و تأصل الابداع بنظرة وجدانية عالمية، في رأيكم ما هو واقع الفن في الجزائر من حيث اللمسة و الرسالة ؟
حقيقة....الحديث عن واقع الفن في الجزائر مؤسف، خاصة وان ما وصل اليه اليوم من حالة تدهور راجع لعدة اطراف و جهات لا يمكن اقتصارها تحت مسؤولية جهة فقط، لأن المسؤولية مشتركة على المسؤولين و على أبناء المجال أيضا من فنانين و مثقفين.
فالفعل الثقافي الجزائري بحاجة لتقنين و حكامة أكثر، من ما هو بحاجة لدعم مادي، لأن الجهود المرسومة في هذا المجال لا تزال في مهدها الأول لا تعرف الأساسيات التي تساعد على ابراز الجمالية الثقافية و الفنية للأعمال الجزائرية.
إضافة إلى أن المورد الثقافي الذي تزخر به الجزائر على غرار مثلا الزربية الغر داوية أو النسيج موجود و نلتمسه واقعيا لكن المعارض و الفضاءات المروجة له أصبحت موسمية لا توفيه حقه.
تبعا لذلك، فإن دراسة الواقع الفني يفرض البحث في اسباب تنمية الحركة الثقافية في الجزائر و التي ترتبط ارتباطا وثيقا بميادين الفنون ، رايكم في ذلك وماهي نظرتكم الاستطلاعية للثقافة و الفنون" مبرزا في ذلك اهم استراتيجيات النهوض بهذا القطاع ؟
بصراحة يعني النوعية الفنية و الثقافية للمنجزات الوطنية، تعرف ديناميكية معينة لكن المشكلة في كيفية بلورتها و إعطائها قيمتها الحقيقية التي تفرض تغيير الاستراتيجيات المحلية بالاستعانة بمقاربات جديدة متطورة يمكن استقاؤها من التجارب العالمية.
ومع ذلك نأمل مستقبلا، تطور نوعي في الفن بمختلف اشكاله لان عماد الامة وحضارتها قائم على تاريخها و مقوماتها الثقافية و الفنية التي تفرض بدورها الاهتمام بتفاصيلها و التجديد في استراتيجيات حمايتها و صونها في ظل ما يشهده العالم من حداثة و عصرنة .
ختاما، ما هي تطلعاتكم و آفاقكم المستقبلية التي تبنى المنظور الفني في الجزائر من خلال رواق غالري هالة ؟
في الأخير ما يسعني ان أقول إلا أنني أطمح من خلال غالري هالة، لتحقيق الانصاف لمحبي الفن و المهتمين به، عبر توفير فضاء مفتوح لهم يكن قطب جامعا لميولاتهم و رغباتهم و مشاريعهم دون قيود أو واسطة.
كما اسعى من خلال الرؤية الفنية إلى تسطير استراتيجية جديدة تمس كل المحاور الأساسية في الثقافة و الفن ، ادمج فيها التاريخ و الحضارة و القضايا الكبرى المتعلقة بالأمة و شبابها ، تحت عنوان "غالري هالة".