1944

0

البروفيسور عبد الرزاق قسوم "ابن باديس هبة من هبات الله لهذا الوطن، وفي موته إحياء للامة "

 

 البروفيسور والشيخ عبد الرزاق بن عبد السلام بن محمد بن صغير قسوم شخصية بارزة من شخصيات الجزائر من مواليد 1933 ولاية الوادي، شغل عدة مناصب قبل ان يترأس جمعية العلماء المسلمين، كان عضوا في المعهد الإسلامي الأعلى وأمينا عاما للمترجمين الجزائريين كما عين مديرا للمعهد الوطني لأصول الدين بالجزائر وغيرها من المناصب التي جعلت منه شخصية مخلصة للوطن وملتزمة بثوابت الامة والقضايا الوطنية.

 في لقاء جمعنا مع العالم عبد الرزاق قسوم عشية يوم العلم حدثنا عن أهم المحطات في حياته، مشيرا الى دور جمعية العلماء المسلمين في ايقاظ الحس الوطني ومشددا على ضرورة الاقتداء بشخصية العلامة ابن باديس وأخلاقه ومبادئه النبيلة.   

 

حاورته نزيهة سعودي     

 

كشخصية عالم من علماء الجزائر له تأليفات وكتب عديدة ما هي أهم المحطات في حياة البروفيسور عبد الرزاق قسوم؟

 

المحطات متشابكة في حياتي تبدأ من النشأة الأولى وهي الجانب الديني و الإصلاحي والوطني، ثم تأتي محطة التعلم فقد حفظت كتاب الله وتعلمت في مدرسة جمعية العلماء المسلمين هذه المحطة لا يمكن إغفالها لأنها بصمتني ببصمات معينة لا أزال أستلهم منها إلى اليوم، تأتي بعد ذلك محطة معهد عبد الحميد ابن باديس هذه المحطة كذلك لها أهميتها لأنها نشأتني من جديد بعد أن كنت أعيش في إقليم ضيق محلي أصبحت أعيش في إقليم وطني إلى جانب التبسي والتلمساني والقبائلي جمعنا معهد عبد الحميد ابن باديس تحت لواء جمعية العلماء المسلمين.

 تأتي بعدها مرحلة الثورة الجزائرية أعطتنا صبغة مميزة لأنها كانت النغمة التي نمشي على وزنها هي الجهاد في سبيل إخلاص الجزائر من المستعمر الغاشم، ثم جاءت مرحلة الإستقلال وهي التي فتحت آفاقنا على العلم والثقافة وعلى الإلتزام بالقضايا الوطنية وكان لها أثر عظيم في حياتنا.

 وفي النهاية قيادة جمعية العلماء المسلمين فتحت لنا آفاق داخل وخارج الوطن وهي كلها تتكامل مع بعضها لتصنع منا الشخصية الملتزمة بثوابت الأمة وقضايا الوطن والجهاد في سبيل هذه المبادئ وهذا ما نتمنى أن تكون خاتمة حياتنا.

 هل يمكن أن تحدثنا عن رحلة التأليف وماهي أكثر الكتب التي تجد فيها نفسك؟

 المؤلفات التي كتبتها هي في حدود 9 أو 10 مؤلفات لكن آخر مؤلف هو تحت الطبع بعنوان " أيامي التي لها أيام" سأحاول أن ألخص فيه يوميات حياتي كما عشتها وكما بدت لي ويمكن أن تكون نافعة للوطن وللأمة ولكن لكل كتاب نكهة معينة ولمسة خاصة ووقع على نفسية الإنسان والمجتمع الذي يتجه إليه سواء تحدثنا على التصوف أو التاريخ أو الفكر الإسلامي أو الجهاد كل كتاب يحيلنا إلى حادثة معينة تصب في خدمة المواطن والوطن والأمة المسلمة.

 جمعية العلماء المسلمين كرمزية ووزن كبير في تكوين الفكر وإيقاظ الوعي الوطني، وقد أدت دور عظيما في تاريخ الأمة الجزائرية منذ تأسيسها عام 1931، هل ممكن أن تحدثنا عن جمعية العلماء المسلمين في الحركة الوطنية ودورها في إيقاظ الحس الوطني؟

 

أستعير من الأستاذ محمد الهادي الحسني وصفا وصف به جمعية العلماء المسلمين أنها خير جمعية أخرجت للناس وأفضل جمعية عرفتها الجزائر، هذا الكلام ليس مبالغ فيه ولكن من نوع إحقاق الحقائق لجمعية العلماء هي التي أنشأت الأمة من جديد لأنها جاءت بعد استفحال الإحتلال الأجنبي ومحاولة إفشال الأمة من ثوابتها وعقائدها ووطنيتها، فقامت جمعية العلماء المسلمين لإنقاض الوطن ووضعت الثلاثية المقدسة والتي هي ثوابت الآن "الإسلام ديننا، العربية لغتنا، الجزائر وطننا"."

 هذه الثوابت أحيت الجمعية بها واقع الأمة فأخضعت الواقع الوطني الذي كان يعاني من الجفاف والقحط العقلي والديني والثقافي أخضعت هذا الواقع للتحليل والتعليل ثم وضعت له الدواء بعد أن شخصت الداء وذلك عن طريق التعليم الشمولي للأطفال والبنات والكهول والشيوخ، كل واحد في المجال الذي يستحقه وكل وسيلة إستخدمتها جمعية العلماء المسلمين  لإحياء الوعي وإيقاظ الأمة من سباتها وتوعيتها بالعودة إلى الذات، الأمر الثاني جمعية العلماء وفقت في جمع كلمة العلماء التي كانت مختلفة ومتناثرة بين هذا وذاك.

 جاءت جمعية العلماء المسلمين فقالت يجب أن نوحد صفوفنا لإحياء الوطن، ويعود الفضل لجمعية العلماء في أنها وضعت لبنة الإعلام الوطني الملتزم صحيفة "البصائر" أنشأت سنة 1935 ولازالت موجودة وتحمل لواء الدفاع عن القضايا الوطنية وكل ما من شأنه أن يعيد للإنسان المواطن شخصيته الدينية والأخلاقية والوطنية والإجتماعية.

 إن نعّم جمعية العلماء المسلمين على الجزائر لا تعد ولا تحصى يبقى على الأمة أن تقوم بواجبها نحوها فهي بحاجة لمؤسسات وميزانيات ومختلف الوسائل التي تمكنها من آداء واجبها، نوجه نداء إلى القائمين على الشأن الوطني أن يعملوا على دعم جمعية العلماء المسلمين بما تستحقه لتتمكن من آداء دورها بامتياز وتكون أحسن من يقدم للوطن المبادئ والثوابت والقيم الأخلاقية.

 

لو نتحدث عن شخصية العلامة عبد الحميد إبن باديس من أشهر علماء ومن رواد الحركة الإصلاحية والعلمية في الجزائر، له أبعاد تجاوزت عصره وله آفاق كبيرة، هل يمكن أن تحدثنا أكثر عن هذه الشخصية الفذة؟ 

 

 يوم العلم وهو اليوم الذي توفي فيه الشيخ عبد الحميد ابن باديس في موته إحياء للأمة و نحن نقول أن الموت نهاية، بل موت ابن باديس بداية لإحياء الأمة الوطنية بمقوماتها، فهو يكاد أن يكون معجزة أو هبة من هبات الله لهذا الوطن ، لأنه يذكرنا بأخلاق الصحابة ولكن دون وحي و تنزيل فبعد قرون يولد عبد الحميد ابن باديس في بلد ليس فيه ثقافة التنزيل ولا ثقافة النبوة ومع ذلك يسبق عصره في كل الأصعدة سواء الإنساني أو الأخلاقي أو الديني أو العقلي تميز عبد الحميد ابن باديس في كل هذه الميادين بشيء لم يسبقه إليه أحد.

 

كان في سلوكه ومعاملته أشبه بالملائكة وكان يعمل 13 أو 14 ساعة في اليوم، كما كان سليل عائلته الغنية ولكن اكتفى بالقليل،  يحكي أخاه في النضال المجاهد والشهيد "أحمد بوشبال" قال أشفقت عليه من هذا الجهد الذي يبذله فأحضرت له القليل من الكباب القسنطيني وقلت يجب أن تعوض هذا الجهد لتواصل، قال ابن باديس وهل التلاميذ يأكلون من هذا الكباب؟ قلت لا فقال والله لن أذوقه، وهذه أمانة لا نجدها إلا في عهد النبوة.

 ومعالجته للقضايا الوطنية بحكمة ولا يأخذ أي وسيلة إلا ويستغلها لخدمة الوطن فالآية القرآنية "قالت نملة يا أيها النمل أدخلوا مساكنكم ليحطمنكم سليمان وجنوده" فلما تحدث عنها ابن باديس أعطانا أسباب النزول والعلاقة بين سليمان وفهمه للغة الطير ووصل لنتيجة قال أنه ينبغي أن يكون لكل مواطن من أبناء وطني الوعي الذي تملكه هذه النملة بأصحابها.

 بعض الناس الغير متعمقين في التاريخ يقولون أن جمعية العلماء المسلمين لم تلتحق بالثورة إلا بعد 1954 وهذه مغالطة، فالثورة الجزائرية هي من التحقت بجمعية العلماء المسلمين و ابن باديس عندما قال في 1937 "كونوا  جبهة متحدة لا يمكن التفاهم مع العدو إلا معها"، و اللذين فجروا ثورة نوفمبر معظمهم من جمعية العلماء المسلمين مثل بن مهيدي و ديدوش مراد و عميروش كلهم تلاميذ جمعية العلماء المسلمين، فكل هذا يجعل شخصية ابن باديس نموذجية تستحق هذا اليوم الذي نخلده فيه و أقل ما يمكن القول أنه قدوة لشبابنا و مواطنينا.

 تحتفي الجزائر بيوم العلم المصادف لذكرى وفاة العالم الجزائري ومؤسس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين العلامة ابن باديس، هل ترى أننا أعطينا حق هذا العالم؟ وهل الإحتفالات المخلدة سواء في المدارس أو الهيئات الرسمية كافية لإكمال مسيرة شخصية العلامة ابن باديس؟ 

 الإحتفال بيوم العلم عن طريق خطب تلقى ومناسبات ومظاهرات هذا لا يكفي، تجسيد هذه الخطب التي نلقيها في واقع الأمة، جمعية العلماء المسلمين تعاني من مجموعة قضايا أولها المقر الذي لا يليق بالجمعية فهي قدمت للدولة الجزائرية مجموعة من البنايات كمعهد عبد الحميد ابن باديس في قسنطينة ودار الطلبة بنهج بومبي بالقصبة، مدرسة الحياة بجيجل، ولكن لم تتحصل الجمعية على مكان لائق بها لاستقبال الضيوف فيها والقيام بواجبها.

 مبادئ عبد الحميد ابن باديس يجب أن تكون شاملة لكل مجالات حياتنا ونعمل على أن يكون هو الحكم الفيصل في قضايانا الإجتماعية والدينية والثقافية والأخلاقية والوطنية، وما نقوم به نحو العلم لا يمكن أن ينعكس سلبا على مدارس جمعية العلماء فنحن نعاني غلق المدارس اليوم في العديد من الولايات فأين الوفاء لابن باديس ونحن نغلق مدارسه؟ كما أن جمعية العلماء جسدت الدعوة للعلم وهذا يجعلها جمعية علم بالمعنى الحقيقي قولا وفعلا وتطبيقا.

 يوم العلم حافز الوعي ومسلكا للإصلاح والمراجعة، ما هي الرسالة التي توجهونها للشباب والأجيال الصاعدة من خلال هذه المناسبة للإقتداء بالعلامة ابن باديس؟ 

على شبانا أن يتخذ من عبد الحميد ابن باديس و اللذين معه من العلماء القدوة التي يقتدون بها فهو النموذج في الأخلاق والتعليم والمعاملة والتضحية، وهذا نتوجه به بالخصوص لتلاميذ الثانويات والجامعات وللشباب بصفة عامة نقول لهم اقتدوا بابن باديس في كل مجالات حياتكم، فهو المصباح المضيء فعليكم أن تأخذوا منه القدوة الحسنة التي تأهلكم أن تكونوا مواطنين صالحين و دعاة علم وثقافة و أخلاق في زمن تأتي فيه تحديات اجتماعية أخلاقية على شبابنا أن يستخدموا ابن باديس كنموذج في حماية وطنهم من الآفات المختلفة و الإنقسامات و التجزئية الإقليمية الشعبية، هذا كله كان ابن باديس يقاومه، لذا ينبغي علينا السير وفق نهجه.

 

 

 

 

شارك رأيك

التعليقات

لا تعليقات حتى الآن.

رأيك يهمنا. شارك أفكارك معنا.

barakanews

اقرأ المقالات البارزة من بريدك الإلكتروني مباشرةً


للتواصل معنا:


حقوق النشر 2024.جميع الحقوق محفوظة لصحيفة بركة نيوز.

تصميم وتطويرForTera Services

barakanews

اقرأ المقالات البارزة من بريدك الإلكتروني مباشرةً


للتواصل معنا:


حقوق النشر 2024.جميع الحقوق محفوظة لصحيفة بركة نيوز.

تصميم وتطويرForTera Services