760

0

البوقالة: موروث جزائري يأبى الإندثار وعادات متأصلة تزين السهرات الرمضانية

تعد الجزائر العاصمة واحدة من المدن التي تحتفظ بالكثير من العادات والتقاليد العريقة التي تمتد جذورها عبر العقود، ورغم أن بعض هذه التقاليد تواجه الاندثار ، إلا أن العديد من العائلات العاصمية لا تزال تحرص على إحيائها، ومن أبرز هذه العادات لعبة “البوقالة”. 

نسرين بوزيان

هذه اللعبة، التي تحظى بشعبية كبيرة بين النساء في العاصمة وضواحيها مثل البليدة، شرشال، تيبازة، وبومرداس، تزداد إقبالاً في شهر رمضان الكريم، حيث تصبح جزءا أساسيا  من السهرات الرمضانية.

ما هيالبوقالة”؟

تُعرف “البوقالة” أو “البوقال” في اللهجة الأمازيغية بالإناء الفخاري، وهي واحدة من أبرز الفنون الشعبية الجزائرية التي تتضمن أبياتًا شعرية ذات معانٍ متنوعة. 
يتبادل النساء هذه الأبيات في المناسبات، حيث يفتخرن بما حفظن من أسلافهن،مما يعكس ارتباطهن العميق بالتراث.

وفي حديث خاص لبركة نيوز، أوضحت الشاعرة والباحثة في التراث تاج لريام أن للبوقالة جذورًا تاريخية تعود إلى الأندلس، حيث استُمدت من الموشحات الأندلسية التي كان يُلقيها الشعراء في الأسواق الأسبوعية.
ومن ثم، انتقلت هذه الموشحات إلى الجزائر والمغرب العربي،  حيث بدأت تنتشر في المقاهي ثم داخل منازل حي القصبة،  لتصبح جزءًا من التراث الشعبي العاصمي.

 تواصل اجتماعي وترفيه

أشارت تاج لريام إلى أن البوقالة كانت بمثابة وسيلة ترفيهية وتواصل اجتماعي بين النساء في الماضي، حيث لم تكن هناك وسائل أخرى للترفيه. 
ففي سهرات رمضان، تجتمع النسوة حول أطباق البقلاوة، قلب اللوز، وأكواب الشاي والقهوة، لتبدأ احدى النساء في تلاوة  أبيات البوقالة التي حفظتها، وتحرص النساء خاصة العازبات على ممارسة هذه اللعبة كل أمسية ، رغبة منهن في الاستماع الى الابيات الشعريّة العذبة التي تتلى من قبل العجائز أو  المتزوجات.

قواعد لعبة  البوقالة

تتميز جلسات البوقالة بطقوس خاصة، حيث يبدأ الحفل عادة بملئ إناء فخاري من صنبور المياه الحي، وهو ما يشرف عليه عادة مسن أو شاب بالغ.
كما يتضمن التقليد إزالة قطع خشبية من باب القصبة أو استخدام “شاشية العازب”، وهي عمامة يستعان بها في هذه الجلسات، بعد ذلك، تطلب المرأة المسنّة من الفتيات نزع خواتمهن ووضعها داخل الإناء الذي يُغطى بمنديل قماشي، ثم تبدأ المرأة المسنّة بترديد الفال المعروف: “بسم الله أبديت وعلى النبي صليت، يا رب أعطينا الفال ولاقينا بأولاد الحلال”.
بعدها تكمل النساء اللعبة، محاولات ربط الأبيات الشعرية بالشخص الذي يفكرن فيه، سواء كان زوجا أو ابنًا أو قريبا.

لعبة “الفال”

من أبرز مميزات لعبة البوقالة هو “الفال”، الذي يعني أن تعقد النساء نية في قلوبهن للتفكير في شخص ما ، وتحاول  إسقاط معنى أبيات البوقالة على الشخص الذي يخطر على بالهن، آمِلاتٍ أن يتحقق ذلك في الواقع، وتعد عقدة قطعة القماش جزءًا أساسيًا من اللعبة، حيث لا يُقرأ الشعر إلا بعد أن تقوم المرأة بربط عقدة صغيرة من قطعة قماشها، لتفتحها بعدها وتكتشف ما إذا كانت قد أسقطت الفال على شخص الذي كانت تفكر فيه.
أحد الأبيات التي تُردد في هذا السياق:
“بسم الله بديت و على نبي صليت، وبالمسك والعنبر عند بابكم جيت، وبالفال الزين ليكم نويت”.

 

 

تعزير التراث والروابط الاجتماعية

وفي حديثهما لبركة نيوز، أكدت الباحثة  في التراث عائشة بن نوي والشاعرة خديجة حمدون أن البوقالة تعد أكثر من مجرد وسيلة ترفيهية، فهي أداة اجتماعية تساعد على توطيد العلاقات بين النساء وتعزز الروابط العائلية، كما أنها تمثل مخزونًا  ثقافيا غنيًا من الشعر الشعبي الجزائري والأمثال والحكم التي تنتقل عبر الأجيال، مما يساهم في الحفاظ على التراث اللامادي.
كما أضافت بن نوي: “البوقالات لا تقتصر فقط على الأجواء الحميمية في البيوت، بل تحمل أيضًا طابعًا من الفرح والبهجة، مما يعزز من جانبها الترفيهي،ورغم تطور وسائل الاتصال والتكنولوجيا، لا تزال هذه اللعبة الشعبية تحافظ على مكانتها بين الأجيال المختلفة، خصوصًا في رمضان”.
أحد الأبيات التي تُردد في هذا السياق:
“يارمضان يا شهر النور، جيب لنا الخير والسرور، وفرح قلبي بأحلى خبر يكون هدية في هذا الشهر”.

التكنولوجيا وإحياء التراث

أكدت بن نوي أن وسائل التواصل الاجتماعي أصبحت مهمة جدًا في إعادة إحياء هذا التراث اللامادي وتعريف الأجيال الجديدة بهذه اللعبة الشعبية، وتساءلت عن كيفية التوفيق بين الحفاظ على الأصالة وبين الاستفادة من التكنولوجيا في نشر التراث الجزائري، قائلة: “التكنولوجيا قد تساعد في نشر التراث اللامادي، ولكن من المهم توثيقه وحمايته للأجيال القادمة”.

وتبقى البوقالة التي يسعى الكثير من  الباحثين إلى  تهذيب لغتها والارتقاء بها من العامية إلى العربية الفصحى، جزءا هاما  من التراث الشفوي الجزائري الزاخر بالجواهر الأدبية الشعربية.

شارك رأيك

التعليقات

لا تعليقات حتى الآن.

رأيك يهمنا. شارك أفكارك معنا.

barakanews

اقرأ المقالات البارزة من بريدك الإلكتروني مباشرةً


للتواصل معنا:


حقوق النشر 2025.جميع الحقوق محفوظة لصحيفة بركة نيوز.

تصميم وتطويرForTera Services

barakanews

اقرأ المقالات البارزة من بريدك الإلكتروني مباشرةً


للتواصل معنا:


حقوق النشر 2025.جميع الحقوق محفوظة لصحيفة بركة نيوز.

تصميم وتطويرForTera Services