514

0

الإيمان يزيد وينقص

 

 بقلم الأستاذ سيد علي دعاس

القَلْبُ هُوَ مَحَلُّ نَظَرِ الرَّبِّ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- كَمَا قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: "إِنَّ الله لا يَنْظُرُ إِلى أَجْسامِكْم، وَلا إِلى صُوَرِكُمْ، وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ".[1]

وَمَا سُمِّيَ القَلْبُ قَلْبًا إِلَاّ لتَقَلُّبِهِ؛ فَتَارَةً يَجِدُ العَبْدُ قَلْبَهُ مُمْتَلِأً إِيمَانًا وَخشْيَةً، مِمَّا يُورِثُهُ سَعَادَةً وَأُنْسًا وَاِنْشِرَاحًا، وَتَارَةً يَضِيقُ عَلَيْهِ صَدْرُهُ، وَيَضْعُفُ الإِيمَانُ فِي قَلْبِهِ...

فَمِنَ المَظَاهِرِ التي لا يُمكِنُ إِنكارُها ظَاهِرَةُ ضَعفِ الإيمانِ وتَقَلُّبِ القلوبِ، لذلك نَبَّهَ النَّبِيُّ إِلَى هَذِهِ الحَقِيقَة، حيث قال: "إِنَّمَا سُمِّيَ القَلْبُ مِنْ تَقَلُّبِهِ؛ إِنَّمَا مَثَلُ القَلْبِ كَمَثَلِ رِيشَةٍ مُعَلَّقَةٍ فِي أَصْلِ شَجَرَةٍ، يُقَلِّبُهَا الرِّيحُ ظَهْرًا لِبَطْنٍ".[2]

ويقولُ أيضا: "لَقَلبُ ابْنِ آدَمَ أَسْرَعُ تَقَلُّبًا مِنَ القِدْرِ، إِذَا اسْتَجْمَعَتْ غَلْيًا".[3] وَلِهَذَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ: "يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ".[4]

فحقيقة تقلّب القلب شعر بها السّلف من الصّحابة رضوان الله عليهم وهم يعيشون مع الرسول ﷺ؛ كما يروي حنظلة – رضي الله عنه- أحدُ كُتّاب الوحي عن رسول الله ﷺ فقال: لقيني أبو بكر – رضي الله عنه- فقال: كيف أنت يا حنظلة؟ قلت: نافق حنظلة! قال: سبحان الله ما تقول؟! قلت: نكون عند رسول الله ﷺ يذكرنا بالجنة والنار كأنا رأي عين فإذا خرجنا من عند رسول الله ﷺ عافسنا الأزواج والأولاد والضَّيْعات[5] نسينا كثيرا، قال أبو بكر – رضي الله عنه-: فوالله إنّا لنلقى مثل هذا. فانطلقت أنا وأبو بكر حتى دخلنا على رسول الله ﷺ، فقلت: نافق حنظلة يا رسول الله! فقال رسول الله ﷺ: وما ذاك؟ قلت: يا رسول الله، نكون عندك تذكّرنا بالنّار والجنّة كأنّا رأي العين، فإذا خرجنا من عندك عَافَسْنَا الأزواج والأولاد والضَّيْعات نسينا كثيرا. فقال رسول الله ﷺ: والّذي نفسي بيده، لو تَدومون على ما تكونون عندي، وفي الذِّكر، لصافحتكم الملائكة على فرُشكم وفي طرقكم، لكن يا حنظلة ساعة وساعة (ثلاث مرات)".[6]

نَعَمْ يا إخوة الإيمان... الإِيمَانُ يَزِيدُ وَيَنْقُصْ؛ وَقَدْ دَلَّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلَهُ تَعَالَى: "هُوَ الذِّي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ المُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا اِيْمَانًا مَعَ اِيْمَانِهِمْ وَللهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضْ وَكَانَ اللهُ عَلِيمًا حَكِيمَا".[7]

فالاِيمَانُ يَزِيدُ في القلب مِنْ حَيْثُ طُمَأْنِينَتِهِ وَسُكُونِهِ، حيث يشعر المُسْلِمُ بزيادة الإيمان عِنْدَمَا يَحْضُرُ مَجْلِسَ عِلْمٍ أَوْ مَجْلِسَ ذِكْرٍ أو عِنْدَ ذِكْرِ خَبَرِ الجَنَّةِ أَوْ النَّار... ولمّا يُتْرَكُ هذه المجالس الإيمانية يَخِفُّ يَقِينُ الإيمانِ فِي قَلْبِهِ... وهذا هو مِصْدَاقُ مقولة حَنْظَلَة – رضي الله عنه- "نافق حنظلة"!.

وَمن أدلّة القرآن الكريم على زيادة الإيمان ونقصه في قلب المؤمن قوله تَعَالَى: "وَإِذَا مَا أُنزلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا، فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ * وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ".[8]

      وإذا أردنا أن نقفَ على صِفَاتِ المُؤْمِنِين التِّي تَدُلُّ عَلَى زِيَادَةِ إِيمَانِهِمْ فِي رَمَضَانَ نَقْرَأُ قَوْلَهُ تَعَالَى: " قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ {1} الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ {2} وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ {3} وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ {4} وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ {5} إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ {6} فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ {7} وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ {8} وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ {9} أُوْلَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ {10} الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ {11} ".[9]

 فاللهمّ ارْزُقنَا إِيمَانًا صَادِقَا... اللهم يا مقلّب القلوب ثبت قلوبنا على دينك، ويا مصرّف القلوب صرّف قلوبنا على طاعتك.



[1]   رواه مسلم عَنْ أبي هُريْرة عَبْدِ الرَّحْمن بْنِ صخْرٍ - رضي الله عنه-.

[2]   رواه الإمام أحمد عن أَبي مُوسَى - رَضِيَ اللهُ عَنهُ-.

[3]   رواه الطبراني في الكبير عَنِ المِقْدَادِ بن الأَسْوَدِ - رَضِيَ اللهُ عَنهُ-.

[4]   رواه الترمذي عن أَنَسٍ - رضى الله عنه-.

[5]   يعني أسباب المعيشة.

[6]   رواه مسلم عن أبي ربعي حنظلة بن الربيع الأسيدي – رضي الله عنه-.

[7]   سورة الفتح / الآية: 4.

[8]   سورة التوبة / الآيتان: 124، 125.

[9]   سورة المؤمنون / الآيات: من 1 إلى 11.

شارك رأيك

التعليقات

لا تعليقات حتى الآن.

رأيك يهمنا. شارك أفكارك معنا.

barakanews

اقرأ المقالات البارزة من بريدك الإلكتروني مباشرةً


للتواصل معنا:


حقوق النشر 2024.جميع الحقوق محفوظة لصحيفة بركة نيوز.

تصميم وتطويرForTera Services