1206

0

عبد الرحمان عرعار "يجب أن نرفع الصوت عاليًا لننادي بمراجعة المنظومة القانونية وفتح الحوار حولها، مع تعزيزها بحلول واقعية"

تزامنا مع اليوم الوطني للطفولة رئيس شبكة ندى للطفولة في حوار خاص لبركة نيوز

 

خطت الجزائر اليوم خطوات كبيرة  في مجال حماية حقوق الأطفال، حيث أولت هذه القضية اهتمامًا خاصًا من خلال تبني استراتيجيات ومبادرات تعزز من وضع الطفولة في البلاد، فخصصت لذلك يوم وطني خاص بالطفل الجزائري المصادف  ل الخامس عشر من جويلية، الذي يُعَدُّ محطة هامة لتقييم واقع الطفولة، والوقوف على أهم المكاسب المحققة، واستعراض التحديات المستمرة في هذا المجال،ففي هذا السياق، كان لنا حوار مع عبد الرحمن عرعار، رئيس الشبكة الجزائرية للدفاع عن حقوق الأطفال،.

حاورته: مريم بوطرة

• في سياق الاحتفال باليوم الوطني للطفل، هل يمكن أن تقدم لنا نظرة عامة عن دور الشبكة الجزائرية للدفاع عن حقوق الأطفال في تحسين أوضاع الطفولة في الجزائر؟

تلعب الشبكة الجزائرية للدفاع عن حقوق الأطفال دورًا كبيرًا في مسيرة حقوق الأطفال في الجزائر منذ تأسيسها، لقد عملنا على تبني مقاربة قائمة على التشبيك والعمل الجماعي، مما ساعدنا في تعزيز حضورنا وزيادة ثقة المجتمع في جهودنا، وقد تركزت أولويات الشبكة على الجانب التشريعي، حيث قمنا بجهود مكثفة على المستوى الدستوري والقانوني.

أحد أهم إنجازاتنا كان في عام 2015، حينما ساهمت المرافعات التي قمنا بها في إصدار قانون حماية الطفل الجديد، والذي جاء ليحل محل قانون 72 الذي كان ساريًا منذ فترة طويلة، ولكنه كان قد تجاوزه الزمن من حيث الآليات والتطلعات، هذا القانون الجديد شكل استجابة ضرورية لدعوات تحديث القوانين المتعلقة بحقوق الأطفال في الجزائر.

في عام 2016، ساهمنا في إصدار قانون المحضون، وفي عام 2014، كان لنا دور في تعديل قانون العقوبات لتعزيز حماية الأطفال من الاختطاف والتسول رغم أن ظاهرة التسول لا تزال قائمة، فإن وتيرة الاختطاف الناتج عن الجريمة أو النزاعات العائلية قد تراجعت بفضل هذه التعديلات.

كما أن قانون العقوبات الصارم في عام 2014 ساهم في تعزيز الإجراءات القانونية ضد الاعتداءات الجنسية وحماية الضحايا، رغم استمرار تسجيل حالات الاعتداءات الجنسية داخل الأسر الجزائرية.

لقد أخذت شبكة "ندى" على عاتقها مسؤولية المساهمة في تعزيز هذه المنظومة القانونية، بما في ذلك تعزيز آليات الحماية من خلال الاستماع، والمرافقة، والوساطة. اليوم، لدينا خطوط دعم وخطوط خضراء مخصصة لقضايا الأطفال، وعلى الرغم من الحاجة إلى تقييم وتحسين هذه الآليات، فإنها تمثل خطوة مهمة إلى الأمام.

بالإضافة إلى ذلك، جعلنا من قضايا الأطفال أولوية في برامج الجمعيات، حيث تتجه الجمعيات الآن نحو التخصص في حقوق الأطفال. كما تسعى الشبكة إلى تعزيز السياسات العمومية على المستوى المحلي في مجالات مثل التمدرس، والصحة، والسكن، وحقوق الأسرة.

بمناسبة مرور 20 عامًا على نضالنا، نجدها فرصة للحديث عن الإنجازات التي حققناها، والتحديات التي لا تزال قائمة في سبيل تحسين أوضاع الطفولة في الجزائر.

• تعتبر الجزائر اليوم موطنًا لأكثر من أربعة عشر مليون طفل، ونسعى لمعرفة كيف تقيّمون واقع الطفولة في الجزائر  هل ترون أن هناك تحسناً ملحوظاً في المجتمع الجزائري بخصوص هذه الشريحة؟

يجب أن يكون التقييم عقلانيًا، مبنيًا على مؤشرات علمية وواقعية، ويستند إلى الاتفاقية الدولية لحقوق الأطفال. من ناحية الحقوق الأساسية، يمكن القول إن الجزائر قد قطعت شوطًا كبيرًا في توفير هذه الحقوق للأطفال، حيث أن أي حق أساسي يشكل آلية من آليات حماية الأطفال.

 لكن التقييم يجب أن يتناول أيضًا مدى تنفيذ هذه الحقوق وتماشيها مع المصلحة الفضلى للأطفال، خاصةً في مجالات الإجراءات الاجتماعية والقانونية والقضائية والإدارية. في هذه المجالات أيضًا، قد حققت الجزائر تقدمًا ملحوظًا.

على الصعيد الدولي، تُظهر تقييمات اللجنة الدولية لحقوق الأطفال والخبراء المختصين أن الجزائر قد حققت إنجازات كبيرة في هذا الميدان. ومع ذلك، لا يمكن إغفال نقاط الضعف التي لا تزال موجودة، وتحديدًا في منظومة حماية الأطفال من العنف وسوء المعاملة، سواء كان عنفًا جسديًا، لفظيًا، جنسيًا، أو تنمرًا.

 في بعض الأحيان، يواجه الضحايا وعائلاتهم صعوبات كبيرة نتيجة لثقل الإجراءات القضائية والاجتماعية والإدارية، بالإضافة إلى نقص المرافق التي تحمي الأطفال وتضعهم خارج دائرة الخطر.

في يوم الطفولة الوطني، يجب أن نرفع الصوت عاليًا لننادي بمراجعة هذه المنظومة وفتح الحوار حولها، مع تعزيزها بحلول واقعية فعلى الرغم من مرور 62 عامًا على الاستقلال، ما زلنا نتحدث عن ظاهرة التسول، وهذا غير معقول، يتعين علينا القضاء على استغلال الأطفال في التسول والعمل الاقتصادي والاجتماعي في السوق الموازية. كذلك، يجب معالجة وضع الأطفال الموجودين خارج إطار الزواج، والعمل على إدماجهم في الأسر ومتابعة تربيتهم.

من المهم أيضًا أن ننتبه إلى تزايد وتيرة العنف، بما في ذلك العنف على مواقع التواصل الاجتماعي والتنمُّر، هذا العنف يؤثر بشكل عميق على الأسر الجزائرية، ويطال الفضاء العام والمدارس والروضات، إن مراجعة المنظومة يجب أن تشمل ليس فقط الجوانب الكبيرة، ولكن أيضًا الجزئيات التي تؤثر على حياة الأطفال.

عند النظر إلى تاريخ الجزائر بعد الاستقلال، نجد أن القرار السياسي في ذلك الوقت كان استرجاع الأطفال من ظروف الاستغلال الاقتصادي والاجتماعي، مثل عمل الأطفال في مسح الأحذية، وفتح المراكز لاستقبالهم باعتبارهم أبناء الشهداء والمجاهدين وعلى رغم الظروف الصعبة التي كانت تمر بها البلاد، كان القرار قوي بإعادة الأطفال إلى المجتمع وحمايتهم. اليوم، في ظل الاستقلال، من الضروري أن نتجاوز هذه المشاكل فالإرادة السياسية واضحة ونعمل على تحسين تنفيذ السياسات والبرامج لحماية الأطفال.

• الجزائر قد وضعت ترسانة قانونية لحماية حقوق الأطفال. كيف تقيّمون فعالية هذه التشريعات والمبادرات في تحسين الوضع العام للطفل؟

التشريع الجزائري يندرج ضمن إطار قانوني صارم، يمتد من الدستور إلى القوانين الكلية والتخصصية التي تهدف إلى حماية حقوق الأطفال ومع ذلك، تظل هناك بعض القضايا التي تحتاج إلى مراجعة، فعلى سبيل المثال، في قانون العقوبات وقانون حماية الطفل، يتم تحديد سن المسؤولية الجزائية للأطفال بعشر سنوات، وهو ما يُعتبر ظلمًا بحق الأطفال.

 يجب أن يتم تعديل هذا النص ليصبح سن المسؤولية الجزائية 13 سنة، بما يتماشى مع المعايير الدولية المعتمدة في معظم دول العالم، حيث يُعتبر سن الـ13 هو السن المناسب للمسؤولية الجزائية، تغيير هذا النص يمكن أن يتم بقرار من وزارة العدل والحكومة، وهو أمر سهل التنفيذ لكنه يتطلب الإرادة السياسية المناسبة.

أما من ناحية تنفيذ التشريعات والقوانين، فتتجلى المشكلة في تنسيق الجهود بين القطاعات الوزارية المختلفة، وكذلك بين الجمعيات والهيئات المعنية بتنفيذ هذه القوانين من خلال السياسات العمومية.

وبهذا فالفعالية الحقيقية لهذه التشريعات تعتمد على التنسيق الفعّال بين جميع الأطراف المعنية، وكذلك على دعم وتدريب العاملين في الميدان، فالعاملون في مجال حماية الأطفال يحتاجون إلى تأهيل ومرافقة اجتماعية لضمان قدرتهم على التعامل بفعالية مع ضحايا العنف واستغلال الأطفال.

و في الجانب القانوني بالتأكيد ، هناك التزام وتقدم، لكن في الجانب العملي والتطبيقي على أرض الواقع، لا تزال هناك العديد من المشاكل والتحديات التي تستدعي المزيد من العمل والتطوير.

• بالرغم من وجود قوانين صارمة ، هناك تحديات مثل المخدرات، عمالة الأطفال، ومشاكل العنف. ما هو دور الجمعيات والمجتمع المدني في التوعية بمخاطر الآفات الاجتماعية والتحديات التي تواجه الطفولة في الجزائر، وكيف يمكن أن تساهم هذه الجهات في تعزيز حماية الأطفال من هذه المخاطر؟

لا يمكن مواجهة المشاكل الاجتماعية مثل المخدرات، عمالة الأطفال، والعنف من خلال حملات التوعية فقط، بل يتطلب الأمر تنفيذ مجموعة من الاستراتيجيات الشاملة. عندما نتحدث عن قضايا مثل المخدرات، الرسوب المدرسي، التسول، وعمالة الأطفال، من الضروري أن نبحث في الأسباب التي أدت إلى وقوع الأطفال في هذه المشكلات.

معالجة هذه القضايا يجب أن تكون قائمة على استراتيجيات متعددة الأبعاد، لا يكفي أن نأخذ الطفل من الشارع ونضعه في عائلة جديدة، بل يجب أن يكون هناك مسار علاجي متكامل يشمل الإدماج المؤسسي، الأسري، والمدرسي.

 يتطلب الأمر أيضًا أن نقدم دعمًا مستمرًا ومرافقة للأطفال بعد خروجهم من المشكلات الاجتماعية، حيث أن هذه المرافقة تساعد في تغيير ذهنيات الأطفال والمراهقين وتمنحهم الأمل في المستقبل.

في هذا السياق، يلعب المجتمع المدني دورًا حيويًا، يجب على الجمعيات أن تشارك في جميع مراحل التدخل، سواء على المستوى المحلي أو المركزي، مع التركيز على التخصص وبناء القدرات. لا يمكن للجمعيات أن تنجح في مواجهة قضايا المخدرات والتسول وعمالة الأطفال إذا كانت غير متخصصة، بل يجب أن تسعى نحو التخصص النوعي والجودة في عملها.

أيضًا، يجب أن يكون هناك توازن بين قدرات الهيئات الرسمية والمجتمع المدني، ويجب تعزيز التعاون والشراكة بين الطرفين. من خلال هذا التعاون، يمكن تقليل المشكلات الاجتماعية وتحسين الأوضاع للأطفال بشكل فعّال وهو ما يعادل نسبة 50% .

في الوقت الراهن، هناك أزيد من 120ألف جمعية في المجتمع المدني، ولكن القليل منها يركز على معالجة قضايا اجتماعية معينة بشكل متخصص فأغلب الجمعيات تعمل في مجالات متنوعة دون التخصص، مما يستدعي تحسين التخصص وبناء القدرات لضمان استدامة وفعالية العمل الاجتماعي.

• الرئيس تبون أعطى ملف الطفولة اهتماماً خاصاً وجعله من الأولويات الوطنية. ما هي الخطوات القادمة التي تعتقدون أنها ضرورية لتعزيز حماية حقوق الأطفال في الجزائر؟

يبدو أن رئيس الجمهورية يدرك منذ البداية أهمية قضية الطفولة، حيث جعلها قضية جوهرية واستراتيجية على الصعيدين الوطني والسياسي، من خلال إدراج قضايا الأطفال كمسألة أساسية في الدستور، أعطى الدستور الأولوية للحقوق الأساسية للأطفال في مجالات مثل التمدرس، الصحة، العائلة، والمسكن، كما كان صارمًا في معالجة موضوعات مثل العنف واستغلال الأطفال.

هذه الإرادة السياسية القوية تعزز الأمل في تحسين وضعية الأطفال في الجزائر في المستقبل. ومع ذلك، لتحقيق ذلك، هناك مجموعة من الخطوات الضرورية التي يجب اتخاذها لتعزيز حماية حقوق الأطفال:

أولاً، يجب أن تستمر الإرادة السياسية في دعم قضايا الأطفال من خلال التزام قوي واستراتيجي يتطلب ذلك وضع تصورات واضحة واستراتيجيات شاملة، مع التركيز على المحاسبة الدورية لتقييم مدى تنفيذ القوانين وتحديد الثغرات التي تحتاج إلى معالجة.

ثانيًا، تحتاج هذه الجهود إلى شجاعة ميدانية واستمرارية في العمل على الملفات المتعلقة بحقوق الأطفال. حتى مع الإرادة السياسية، لا يمكن تحقيق التقدم دون جهد مستمر وتضافر جهود جميع الأطراف المعنية، بما في ذلك المؤسسات الحكومية والمجتمع المدني.

ثالثًا، من الضروري أن نعمل على تقييم الإنجازات وتثمينها، وتحديد الآليات التي يمكن أن تقودنا إلى تحقيق معايير عالمية وإقليمية في مجال حقوق الأطفال، هذا يتطلب استمرارية في تطوير السياسات وتطبيقها بشكل فعال، بالإضافة إلى تبادل الخبرات والتجارب مع الأطراف الدولية.

بالمجمل، لتحقيق تحسينات ملموسة في وضعية الأطفال في الجزائر، يتعين علينا البناء على الإرادة السياسية القائمة، وتكثيف الجهود، وتطبيق استراتيجيات واضحة وقابلة للتنفيذ على أرض الواقع.

• كلمة أخيرة

أشكركم جميعًا، وأود أن أرسل تحياتي إلى كل أطفال الجزائر، وإلى أطفال غزة الذين يعانون من الألم والدمار والإبادة. نحن على يقين بأن دعمنا لهم مستمر، وأن حرية فلسطين ودولة فلسطين قادمتان لا محالة.

في هذه المناسبة، أوجه تحياتي إلى أطفال فلسطين وأطفال غزة بشكل خاص، كما أهنئ أطفال الجزائر في يومهم الوطني. نسأل الله أن يكون أطفال الجزائر وكل أطفال العالم في وضعيات جيدة وسعادة دائمة.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

شارك رأيك

التعليقات

لا تعليقات حتى الآن.

رأيك يهمنا. شارك أفكارك معنا.

barakanews

اقرأ المقالات البارزة من بريدك الإلكتروني مباشرةً


للتواصل معنا:


حقوق النشر 2024.جميع الحقوق محفوظة لصحيفة بركة نيوز.

تصميم وتطويرForTera Services

barakanews

اقرأ المقالات البارزة من بريدك الإلكتروني مباشرةً


للتواصل معنا:


حقوق النشر 2024.جميع الحقوق محفوظة لصحيفة بركة نيوز.

تصميم وتطويرForTera Services