41

0

العرب قديما: " المنية ولا الدنية"!..  فما موقف عرب اليوم ؟

 

بقلم مسعود قادري 

 يسجل التاريخ القديم لعرب الجزيرة عندما كانوا قبائل متحاربة متناحرة بعضها مع  الفرس والبعض الآخر اصطف مع الروم حسب التقارب الجغرافي والولاء والمصلحة  ..هذه القبائل رغم تفرقها من أجل المصالح المادية ومتطلبات الحياة البدوية ، إلا أنها كانت توحدها عوامل كثيرة تفتقدها بقية الأمم.

فإضافة إلى اللغة  العربية المقدسة من كل القبائل قويها وضعيفها  سواء من موالي الروم أو الفرس، كانت لها أعراف وقيم تحكمها بنفس الدرجة ..الشجاعة الرجولة ، الكرم ، العفة  الدفاع عن العرض الشرف والأرض مهما كانت المخاطر وضد أي قوة من قوى الشر التي كانت تتقاسم العالم وقتها  ..

في هذا الصدد سجلت موقعة "ّذي قار " الشهيرة بالأراضي العراقية الحالية " قرب الكوفة" سنة 609م أي قبل ميلاد المصطفى صلى الله عليه وسلم  ( عام الفيل سنة 670أو671م ) بحوالي 60سنة.

الموقعة جرت بين  جيش عربي مكون من 2000 رجل  بقيادة هاني بن مسعود الشيباني  مدعما من القبائل  التي لم تكن  متحالفة لا مع الفرس ولا مع الروم، لبت نداء الشرف العربي ومساندة النعمان ابن المنذر حاكم الحيرة الذي أراد إمبراطور الفرس كسرى الثاني الانتقام منه لقتله أحد الموالين له ورفضه التقرب بجواد عربي أصيل للملك الفارسي  الذي جهزجيشا  بـ2000 جندي فارسي مدعمين  بثلاثة آلاف مقاتل عربي من القبائل الموالية للفرس .. .  كان هدف الجيش الساساني الفارسي تحقيق انتصار ساحق على العرب  وقتل النعمان وسبي بناته  ووضع العرب تحت قدميه بصفة نهائية ..

 حماية لبناته من السبي، بعث الملك النعمان بناته إلى قبيلة بني شيبان، فكان من النخوة العربية والرجولة التي تأبى الضيم والاعتداء على العرض وشرف المرأة العربية أن قيل وقتها" المنية ولا الدنية ..." وهي الحكمة التي تنم عن موقف أصيل للعرب ضد المعتدين وكل من تسول له نفسه المس بكرامة المرأة العربية  وشرفها وعفتها ..

" موقعة ذي قار " المعروفة أيضا بموقعة "ضرع البعير" انهزم فيها الفرس شرهزيمة وأوقعهم الشباني ورجاله في مصيدة حربية أغرقت خيولهم الثقيلة في الكثبان الرملية فسهلت مهمة المقاتلين العرب وحققوا الانتصار الذي أعاد لهم الاعتبار بالمنطقة وبين الدول المحيطة بهم .

واقعة ذي قار، قال عنها الرسول صل الله عليه وسلم:"  هو يوم انتصفت فيه العرب من العجم .." .   

قد يقول قائل لماذا نذكر هذه الموقعة  في هذا الوقت بالذات ..؟ أقول فقط  لأن الذكرى تنفع المومنين  وثانيا نورد هذه الموقعة لرفع الهمم و إعادة الاعتبار لقيم الأمة وأخلاقها التي تلاشى أغلبها في زحمة التناقضات التي يعرفها العالم وتفرضها قوى الضلال وأعوان الشيطان من اليهود والنصارى والبوذيين والهندوس عبدة البقر الذين صار لهم شأن عظيم عند بعض المنتسبين للعرب جغرافيا، بالإضافة إلى أن هناك سببين على الأقل يدعوان للتذكير بهذه الموقعة التاريخية وما فيها  :

ـ  السبب الأول : أن كثيرا من عرب المشرق وفي بعض دول الخليج خاصة، يعتقدون أن الانتماء للعروبة هو مجرد  انتساب عرقي ، جغرافي أو مظهر خارجي يعبر عنه بالملبس و الطاقية والقميص والعقال و..  وليس مجموعة من القيم النبيلة التي نبعت من صميم العرق العربي والبادية الصحراوية البريئة منذ عهد إسماعيل بن إبراهيم عليهما الصلاة والسلام وربما قبلهما  وصقلتها الحياة البدوية البسيطة ثم رسختها التعاليم السماوية ببعثة سيد الخلق أجمعين  محمد بن عبد الله( صلى الله عليه وسلم ) العربي الأصيل  القائل بكل فخر: أنا  ابن عربية كانت تأكل القديد ".

فكيف يمكن لأي كان ومن أي موقع جغرافي في العالم العربي الحالي  الذي وسع الإسلام رقعته الجغرافية  فصارت دائرة انتشاره عالمية  انتسبت لها أمم كثيرة  تفتخر بإسلامها ولغته التي اختارها الله وقيم  أهلها الفطرية النبيلة لتكون حاملة لرسالته الخاتمة إلى البشرية عامة ؟..

فكيف يمكن أن تعلن الانتماء وتتجرد من القيم  والثوابت التي زادت رسوخا وثباتا مع الأزمنة  والأجيال ، وترضى بما لم يرضاه أسلافك في أضعف مراحلهم  التاريخية ..فتقبل بالدنية وتعاون العدو على الفتك بإخوانك وتدميرهم وانتهاك حرماتهم و..

ـ السبب الثاني ، إذا كانت النخوة العربية عند القبائل التي لم تكن تملك طاقة عرب اليوم ولا أموالهم ولا قوتهم في العدة والعدد، قد تحدت ظروفها وضعفها وجمعت ماتملك من طاقة بشرية ومادية مناسبة لعصرها لتقف في وجه أعتى قوة في العصر دفاعا عن عرض الأمة وشرفها..

فأين هذه العروبة التي يفتخر بها من خان الأمانة وأعطى ظهره للعرض والنسب وفقد الشجاعة والرجولة  لمساندة إخوان له يدافعون عن أرضهم وعرضهم  ويبادون يوميا كالذباب من قبل شر شرذمة عرفها التاريخ وجندها الغرب اليهودي ـ الصليبي   لتنتهك حرمة الإسلام والمسلمين في أرضهم المقدسة دون أن يحرك المنتسبون للعروبة ساكنا وهم ينعمون بخيرات أرض تإن تحت أقدامهم وتلعن من يقف على ظهرها من المؤيدين للعدوان على أطفال ونساء وشيوخ الأمة الذين لم يجدوا من يساندهم في صد العدوان  وتوقيف الظلم من عرب عكسوا مقولة أسلافهم "  المنية ولا الدنية " بمقولة عصرية ":"الدنية  ولا المنية " والتضحية بكل الرعية  من  أجل الحياة العصرية ... ؟!    

 والخلاصة من الحالتين، أن الانتماء العربي حاليا لم يعد له معنى، وأن الهيئة العربية  ـ الجامعة العربية ـ  التي وجدت لتوحد الأمة ظلت مجرد هيكل تعيش عليه  الدولة المستقبلة وتسيره وفق رغباتها ورغبات  قلة من مموليها  حتى لا تخرج عن دائرة الطاعة للغرب  ولو كلفها ذلك التضحية بكل أعضائها  مقابل الولاء لمن لا يريدون التحرر من الغرب ..؟.

 فلينعم أثرياء العرب بخيرات أرضهم  وبما يقدمونه من دعم غير مشروط لأقوياء العالم وللقتلة والمجرمين في الكيان الصهيوني غير مبالين لا بالدين ولا بالعرق ولا الانتماء الجغرافي ، مادامت سيدة العالم راضية عليهم  وهم مرتاحون لمساعدتها على توفير الشغل لأبنائها ليزداد تغولها وانتهاكها لحرمة الضعفاء في العالم  وليكون صدقة جارية في حسابهم عند الله حيث تم التصدق على ممثل بلد العم سام ببعض الدريهمات  التي يحرم منها فقراء العالم الإسلامي على كثرتهم ؟؟؟ !!! ...

عندما تنقلب الأوضاع ويصبح الغني البعيد  أولى بالصدقة من ملايين المسلمين الذين يموتون جوعا وعطشا ويئنون تحت الخراب والدمار اليومي المسلط عليهم برا وجوا وبحرا من  كلاب العالم الذين لا ضمير لهم ولا إنسانية، لكنهم يتمتعون بالدعم من كل  الصامتين عن جرائمهم عبر العالم وفي مقدمتهم من يدعون الانتساب للعروبة والإسلام  في محيط  الأرض  العربية  المقدسة المسلوبة والمنهوبة... فالدنية عند عرب اليوم هي عملة صعبة لاتنازل عنها مقابل كل القيم النبيلة ..

بالعودة إلى التاريخ الإسلامي منذ عهذ النبوة وحتى عهد الخلافة العثمانية كانت صرخة المرأة المسلمة الواحدة  تقلب أوضاع الدولة وتقيم القيامة وتنفر الجيوش وتجري من أجلها حروب ضارية تراق فيها دماء طاهرة دفاعا عن عرض الأمة وشرفها.

وعندما تدنى حال الأمة وغلب على حكامها التمسك بكراسي التسلط وحب العيش في بذخ  والتقرب من اليهود والنصارى الذين يتحكمون في العالم ويقدمون لهم الدعم الاستخباراتي والأمني الذي يحمي سلطاتهم  ويبقيهم في خوف وفزع دائمين من كل كلمة حق تقال ضدهم  فيعتبرونها ثورة على حكمهم وملكهم، فيعيشون في قلق دائم من الفتن التي تدبرها مخابرات الأصدقاء وتحرضهم  بها ضد كل الجيران وأهل البلاد حفاظا على مصالح دولها ودولهم ...

لاأريد أن أذكر بمواقع تاريخية محددة واستغاثات إسلامية من حرة عربية لحق بها الضيم وتعرض شرفها للمس من يهوي أو نصراني .. ونداءات الاستغاثة التي حررت  نفوسا مسلمة وأعادت الكرامة لمدن وقرى تعرضت للإعتداء الغادر الجبان الذي هو شيمة النصارى واليهود..

ففي كتب التاريخ والتراث  مايشفي الغليل ويطمئن النفوس المؤمنه بأنه ماضاع حق وراءه مطالب، وأن زمن الخيانة قصير وسيفتح الله على أهل فلسطين قريبا كما فتح على غيرهم من الأمم التي تعرضت للظلم والاضطهاد فآخر ما يرويه تاريخ الخلافة الإسلامية الحديث ردة فعل السلطان العثماني سليم الأول على همجية الروس في عصره واعتدائهم على حواضر اسلامية قريبة منهم  بعد وفاة السلطان سليمان القانوني اعتقادا منهم أن الخلافة قد انتهت، فجهز جيشا قويا وأعطى للمعتدين  درسا في احترام حدود الجيران والتقيد بالمواثيق والعهود التي تدير العلاقات بين الدول  ..

 ... في التاريخ دروس وعبر لمن يريد الاعتبار ..  والأرض لله يورثها من يشاء  ..

 

 

 

 

شارك رأيك

التعليقات

لا تعليقات حتى الآن.

رأيك يهمنا. شارك أفكارك معنا.

barakanews

اقرأ المقالات البارزة من بريدك الإلكتروني مباشرةً


للتواصل معنا:


حقوق النشر 2025.جميع الحقوق محفوظة لصحيفة بركة نيوز.

تصميم وتطويرForTera Services

barakanews

اقرأ المقالات البارزة من بريدك الإلكتروني مباشرةً


للتواصل معنا:


حقوق النشر 2025.جميع الحقوق محفوظة لصحيفة بركة نيوز.

تصميم وتطويرForTera Services