354

0

الجلفة بين تشريح الوزير وغياب المحاسبة… تنمية تُدفن تحت الأرقام

 

ليست تصريحات وزير الداخلية عن عدم رضاه عن الوضع التنموي بولاية الجلفة مجرد ملاحظة عابرة أو انطباع سياسي ظرفي، بل هي تشريح رقمي صادم لواقع ظلّ يُجمَّل لسنوات بخطابات الشكر والتزكية المتبادلة.

الحاج بن معمر

واقع يكشف فجوة خطيرة بين الأموال المرصودة والنتائج المحققة، وبين حجم الانتظارات الشعبية وضآلة الأثر التنموي في الميدان، وهو ما يفرض إعادة قراءة عميقة لا تتوقف عند حدود التصريح، بل تغوص في بنية الخلل ومساراته المتشابكة. فعندما يعترف وزير الداخلية، بلغة الأرقام لا المجاملات، بأن الأموال لم تُسَيَّر بطريقة حكيمة، فإن السؤال الجوهري لا يجب أن يُوجَّه فقط إلى الجهاز التنفيذي، بل يتعداه إلى كل حلقات منظومة التسيير والرقابة، وعلى رأسها المجلس الشعبي الولائي ونواب البرلمان بغرفتيه، الذين يُفترض فيهم دستورياً وقانونياً أن يكونوا حماة المال العام، وعين المواطن داخل دوائر القرار، لا شهود زور على تعثرات متراكمة.

أين كان المجلس الشعبي الولائي، وهو يزكّي في دوراته المتتالية حصائل البرامج، ويغرق في قاموس “الشكر والشكر المكرر”، بينما كانت مشاريع البرنامج التكميلي تتعثر قطاعاً بعد قطاع، وتبتلع الأغلفة المالية دون أن تُحدث التحول المنشود في واقع التنمية؟

وأين كانت آليات المتابعة الميدانية، والمساءلة الجدية، والمقارنة بين تقارير المديريات وما يُنجز فعلياً على الأرض؟

لقد تحوّل المجلس، في كثير من المحطات، من سلطة رقابة واقتراح إلى فضاء مجاملة سياسية، يبارك التسيير أكثر مما يُقوّمه، ويُثني على الأداء بدل أن يختبره بالأرقام والوقائع.

أما نواب البرلمان، الذين يُفترض أن يُمارسوا رقابة عمودية على السياسات العمومية، فقد بدا حضور كثير منهم باهتاً، إن لم يكن غائباً، إذ انتقل خطاب الشكر من القاعات المحلية إلى قبة البرلمان، في وقت كانت فيه الجلفة تراوح مكانها تنموياً، وتُراكم خيباتها الاجتماعية والاقتصادية.

إن أخطر ما يكشفه تصريح وزير الداخلية ليس فقط سوء تسيير المال العام، بل ثقافة سياسية وإدارية كرّست غياب المحاسبة، وعمّمت منطق التزكية بدل التقييم، وجعلت من البرامج التنموية أرقاماً في التقارير لا أدوات تغيير حقيقية.

فالمسؤولية هنا مسؤولية جماعية، تبدأ من التخطيط الذي لم يُبنَ دائماً على تشخيص دقيق لخصوصيات الولاية، ولا تنتهي عند التنفيذ الذي شابته اختلالات واضحة، مروراً برقابة شكلية فقدت جوهرها، ومساءلة لم تُمارَس إلا في حدود ضيقة.

ومن حق مواطني الجلفة اليوم، بل من واجبهم، أن يطرحوا أسئلة محرجة: من يتحمّل تبعات هذا الفشل التنموي؟ ولماذا لم تُربط المسؤولية بالمحاسبة في وقتها؟ وهل ستكون ملاحظات الوزير نقطة انعطاف حقيقية لتصحيح المسار، أم مجرد تشخيص يُضاف إلى أرشيف التصريحات غير المتبوعة بالفعل؟

إن الجلفة لا تحتاج إلى مزيد من البرامج على الورق، ولا إلى خطابات الشكر، بل إلى حوكمة رشيدة، ورقابة حقيقية، وجرأة سياسية تُسمّي الخلل بأسمائه، لأن التنمية التي لا تُراقَب، ولا تُحاسَب، مصيرها أن تبقى… تحت التراب.

شارك رأيك

التعليقات

لا تعليقات حتى الآن.

رأيك يهمنا. شارك أفكارك معنا.

barakanews

اقرأ المقالات البارزة من بريدك الإلكتروني مباشرةً


للتواصل معنا:


حقوق النشر 2025.جميع الحقوق محفوظة لصحيفة بركة نيوز.

تصميم وتطويرForTera Services

barakanews

اقرأ المقالات البارزة من بريدك الإلكتروني مباشرةً


للتواصل معنا:


حقوق النشر 2025.جميع الحقوق محفوظة لصحيفة بركة نيوز.

تصميم وتطويرForTera Services