71
0
العلاقات الافريقية الأوروبية على المحك.. الجزائر بوابة موثوقة لبناء مسار شفاف ونصف

بقلم: سعيد بن عياد
تقف العلاقات الافريقية الأوروبية على عتبة حاسمة مفتوحة على إعادة صياغة مسارات شراكة جديدة ترتكز على توازن المصالح والمنفعة المشتركة او استمرار انكماش مساحة التعاون تحت تأثير مواقف تقليدية متشبعة بالفكر الاستعماري مع عودة الأحزاب اليمينية المتطرفة الى مراكز الحكم.
قبل ستة أيام انعقدت بلواندا عاصمة انغولا القمة السابعة بين القارتين وهي الثالثة التي تحتضنها القارة السمراء لبحث أليات إعادة ضبط العلاقات الافريقية الأوروبية في عالم يعاني من توترات ونزاعات وعودة حروب تهدد السلم والأمن الدوليين.
وأمام هذا المشهد الذي يطبعه العنف والابتزاز وسطوة نفوذ القوى الكبرى حتى على بلدان الاتحاد الأوروبي في مواجهة التوجه الجديد للسياسة الأمريكية الترامبية خاصة في مجال الرسوم الجمركية ومقايضة الدعم في الملف الأوكراني وتهميش المنظمات الأممية الدولية لم تجد أوروبا سوى الإسراع في البحث عن تموقع جديد في افريقيا.
غير أن هذا التوجه يصطدم بارث لا يمكن تجاوزه قبل ان تتم معالجة مخلفات العلاقات بين قارة الشمال وقارة الجنوب أبرزها مخلفات الحقبة الاستعمارية وما رافقها من جرائم إبادة ونهب وتقتيل واصلت ارتكابها شركات متعددة الجنسيات انتهجت سياسة الانقلابات وإثارة حروب أهلية. أكثر من هذا اتباع بلدان من الاتحاد الأوروبي نهجا كولونياليا على غرار فرنسا التي تتجاهل حق الشعوب في تقرير المصير على غرار شعب الصحراء الغربية الذي يعاني من احتلال المغرب ومن ثمة تدير باريس الظهر للشرعية الدولية وتتنصل من مسؤوليتها كعضو دائم بمجلس الأمن الدولي.
ومعوبقاء أوروبا رهينة النظرة الاستعمارية وتجاهل التغيرات التي تعرفها افريقيا بفضل تطور الأجيال واطلاعها على التحولات العالمية يصعب عليها مواكبة التغيرات في القارة السمراء وليس من سبيل أمامها للعودة شريكا موثوقا سوى مراجعة معايير الشراكة والالتزام بقواعدها أولها احترام الشعوب الافريقية وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الافريقية والمساعدة في تصفية بقايا الاستعمار والتعاطي بروح بناءة مع مشاريع الشراكة ذات الجدوى الاقتصادية بما يخدم مصالح الشعوب الافريقية خاصة الوصول إلى التكنولوجيات الجديدة والنمو وتدارك مؤشرات الرفاهية.
لقد أدركت أوروبا مدى التقدم الذي تحققه قوى دولية أخرى في افريقيا بفضل انتهاجها مقاربة متوازنة بأبعاد تشاركية منصفة على غرار الصين وتركيا وغيرهما من القوى الناشئة بينما تتراجع مكانة بلدان من أوروبا لطالما افقرت بلدانا عانت من سياسات النهب وزعزعة الاستقرار الى ان قررت شعوب تلك الدول إنهاء الوجود الأوروبي خاصة العسكري منه.
ولا يمكن ارساء ضوابط للعلاقات الأوروبية الافريقية اذا لم تقتنع دول الاتحاد الأوروبي بأن افريقيا اليوم غير تلك التي كانت في الماضي على اكثر من صعيد وأن إعادة صياغة العلاقات يتطلب توسيع الرؤية والتخلص من ترسبات الماضي وفقا لمسار شراكة شامل وعادل وهو ما لم تتوقف الجزائر عن الدعوة إليه في كل المنابر ذات الصلة بل وانطلقت في ترجمة رؤيتها من خلال اطلاق مشاريع البنية التحتية التي تستوعب حجم التعاون على غرار أنبوب الغاز من نيجيريا الى الجزائر ومنها أوروبا وشبكة الألياف البصرية والمعابر الاقتصادية والتجارية نحو بلدان الجوار جنوبا ومنها إلى بلدان القارة والطريق البري شمال جنوب وفتح بنوك واستقبال بعثات الطلاب من بلدان أفريقية وغيرها من أشكال التضامن القاري.
هذا التوجه الجزائري لتعزيز الانفتاح على بلدان القارة الافريقية ليس وليد الظرف إنما يجدد معالمه في التاريخ منذ سنوات ثورة التحرير المجيدة التي وضعت حرية الشعوب الافريقية في تلك الحقبة ضمن أهدافها وقد تحققت باستقلال كثير من الشعوب المضطهدة تحت تأثير الثورة التحريرية الجزائرية على الوجود الاستعماري الفرنسي كما ساندت الجزائر حركات التحرر في كل القارة السمراء.
واليوم يمكن إعادة اطلاق جسور التعاون بين القارتين من بوابة الجزائر لما لها من رصيد بناء مشهود له وموقع مميز وطاقات نمو مؤكدة مما يجعل إعادة ضبط العلاقات الافريقية الأوروبية ممكنا اذا ما انخرط الطرف الشمالي في مسار شفاف وعادل وفقا لمعايير توازن الأعباء والمنافع.

