58
0
العدالة في قلب الامتحانات: مجلس قضاء الجلفة يطلق صفارة الإنذار ضد الجرائم الماسة بنزاهة الامتحانات

في خطوة بالغة الأهمية تعكس وعي المؤسسة القضائية بمخاطر المساس بنزاهة المسار التعليمي، أشرف هذا الصباح السيد رئيس مجلس قضاء الجلفة رفقة السيد النائب العام على فعاليات يوم دراسي هام موسوم بـ "الجرائم الماسة بنزاهة الامتحانات الرسمية... نحو ضمان شفافية الامتحانات"، وذلك بمقر المجلس، وبحضور نخبة من القضاة، والمحامين، وأساتذة القانون، وممثلين عن قطاع التربية والأمن، إضافة إلى وسائل الإعلام.
بن معمر الحاج عيسى
اللقاء الذي جاء في توقيت بالغ الحساسية، تزامناً مع اقتراب موعد الامتحانات الرسمية في الجزائر، يُعدّ رسالة قوية مفادها أن العدالة لن تقف مكتوفة الأيدي أمام أي محاولة للتلاعب بمصداقية الامتحانات، أو تشويه قيم الاستحقاق والشفافية التي تمثل حجر الزاوية في بناء جيل وطني واعٍ وكفء.
لقد تم التطرق خلال هذا اليوم الدراسي إلى مختلف أنواع الجرائم التي قد تطال الامتحانات، سواء من حيث تسريب المواضيع، أو التلاعب في أوراق الإجابة، أو استخدام الوسائل الإلكترونية للغش، أو استغلال النفوذ داخل بعض مراكز الامتحانات. كما ناقش المشاركون الأطر القانونية التي تجرّم هذه الأفعال، والإجراءات العقابية التي ينص عليها قانون العقوبات، لا سيما المواد المعدلة التي جاءت لمواكبة تطورات الجريمة الإلكترونية ووسائل الغش الحديثة.
وفي كلمة افتتاحية قوية، شدّد السيد النائب العام لدى مجلس قضاء الجلفة على أن حماية الامتحانات هي مسؤولية وطنية تشاركية تتقاطع فيها أدوار القضاء، ووزارة التربية، والأمن، وحتى الأسرة والمجتمع المدني. ولفت إلى أن الغش لم يعد فعلاً بسيطاً يمكن التغاضي عنه، بل أضحى يشكّل تهديداً مباشراً للنظام التعليمي ولمبدأ تكافؤ الفرص، مؤكداً أن العدالة ستُفعّل أقصى درجات الردع ضد كل من تسوّل له نفسه المساس بهذا المسار.
من جهته، أكد السيد رئيس مجلس قضاء الجلفة أن هذه المبادرة ليست ظرفية أو مناسباتية، بل تأتي في إطار استراتيجية مستدامة تعتمد على الوقاية القانونية والتوعية المجتمعية، مضيفاً أن مجلس القضاء سيواصل تنظيم مثل هذه الأيام الدراسية والتكوينية، لتأطير الفاعلين في قطاع التعليم ومرافقتهم قانونياً لمواجهة التحديات المستجدة.
وقد تخلل اللقاء مداخلات قيمة من أساتذة جامعيين وخبراء قانونيين، عرضوا تجارب ميدانية وتحليلات قانونية معمقة، ركزت على أهمية التنسيق المؤسساتي بين مختلف القطاعات لمحاصرة هذه الظاهرة، التي باتت تأخذ أشكالاً أكثر تطوراً ودهاءً بفضل التكنولوجيا.
كما تم التأكيد في ختام الأشغال على ضرورة رفع درجة الوعي القانوني لدى التلاميذ وأوليائهم، وتكثيف الحملات التحسيسية في المؤسسات التربوية، وتنظيم ورشات توعوية حول مخاطر الغش من الناحية الأخلاقية والقانونية، وإبراز كيف أن الغش ليس مجرد انتهاك للقانون، بل هو خيانة للذات وللوطن.
لقد أثبت يوم مجلس قضاء الجلفة الدراسي هذا، أن معركة الشفافية لا تدار فقط في قاعات الامتحان، بل تبدأ من قاعات العدالة، عبر يقظة قضائية، وتعاون مؤسساتي، وتضافر جهود كل الفاعلين، لإعلاء راية النّزاهة، وصيانة استحقاق الأجيال الصاعدة، وضمان امتحانات عادلة تكون بوابة نحو مجتمع نزيه لا مكان فيه للغش ولا للتمييع.
وفي ظل هذه الديناميكية، تبرز الجلفة اليوم كمثال يُحتذى به في التفاعل المؤسسي مع القضايا الحيوية، وتأكيد أن العدالة ليست فقط سيف الردع، بل أيضاً حاضنة للتوعية وبوصلة للإصلاح.