523

0

العبرة من غزوة بدر

بقلم الأستاذ سيدعلي دعاس 

الصوم من العِبَادَاتِ التي لم يتفرد بها الإِسْلامِ، فَقَدْ أَخْبَرَنَا القُرْآنِ الكريم أن الصوم كان مفروضًا أيضًا على الأمم السابقة؛ قال تَعَالَى : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنوا كتب عليكم الصيام كما كتب عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لعلكم تتقون " . ولا تزال بعض الأمم حَتَّى يَوْمِنَا ثمارش شعيرةالصوم ولكن ليس كصومنا نحن المسلمين .

  ويتمثل هذا الفرق في أن الصوم في الإِسْلامَ يَأْتِي فِي شَهرٍ مُعَيْنِ من العام، طبقا التقويم الهجري، حيث يبدأ المسلم صيام يومه بالامتناع التام عن الطعام والشراب وكل الشَّهَوَاتِ، مِن طلوع الفجر حتى غُرُوبِ الشَّمْسِ وَهَذَا يَعْنِي أَنَّ المُسْلِمَ يَقْضِي نهار يَوْمِهِ كُلَّه وَهُوَ وَقتُ العَمَلِ المُعتاد صَائمًا على النحو المشار إليه، وَلَعَلَّ هَذَا هُوَ السبب الذي مِنْ أَجَلِهِ يَتَوَهُمُ البَعضُ أَنْ الصوم الإسلامي بهذه الطريقة يقلل حركة الإنتاج لدى الفرد والمجتمع.

 والصوم في حقيقة الأمر بريء من هذه التهمة والصومُ يُفترض فيه أن يعمل على تصفية النفوس، والتسامي بالأرواحِ، وَهَذَا مِنْ شَأْنِهِ أَن يَمَد الفرد بطاقة رُوحِيةٍ تَجَعَلْهُ أَقْدَرَ عَلَى الإنتاج والعَمَلِ أكثر مما لو لم يكن صَائِمًا... 

وَهَذِهِ الطاقة الزوجية قُوَّةً لَا يستهان بها ... أما ما تراه في بعض البلدان الإسلامية من قلة الإنتاج في شهر الصوم فيرجع إلى أَسْبَابٍ أُخْرَى غَيْرِ الصوم.

 فمن عادة الكثيرين أن يظلوا متيقظين شاهرين في شهر الصوم معظم لياليهم، ولا يأخُذُونَ قسطا كافيًا من النومِ، فَتَجِدُهُمْ نظرًا لذلك متعبين أثناء النهار... فَيُقْبِلُونَ عَلَى أَعْمَالِهِمْ بِبطيء وتثاقل وبالتالي يقل إنتاجهم... وَهُم يَعْتَذِرُونَ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ صَائِمُونَ ويحملون الصيام مسؤولية كساهم بينما السبب في ذلك هو قلة نومهم وسهرهم... وقد يكون اعتذارُهُمْ هَذَا فِي أول النهار.... وهذا العجب! فهل يُمكن للإنسان أن يتعبَ فِي أَوْلِ يَوْمِهِ؟ لَوْلَا أَنْ اللوم كان السبب!

فلو كان الصّوْمِ أَي تأثير عَلَى النَّشَاطِ كَمَا يَزْعُمُونَ، فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَكُونُ فِي أول النهار، بل يَكُونُ في فترة متأخرة منه.

وإلا كيف نفسر أن الصحابة رضوان الله عنهم حاربوا في غزوة بدر أيام الرسول ﷺ وَهُمْ صَائِمُونَ؟ وَانْتَصَرُوا !

ففي السابع عَشَرَ مِنْ شَهْرٍ رَمَضَانَ من السنة الثانية الهجرة الشريفة، وقعت هذه الغزوة المباركة، وكانت فيها قُوَّةَ المُسْلِمِينَ ثلاثمئة وثلاثة عشر مقاتل فقط، بينما جيش المشركين بزعامة أبي جهل كانَ تِسْعُمِئَةً وَخَمْسِينَ مُقَاتِلا.

 

وَلَمَّا رأى المسلمون جَيشَ عَدُوِّهِمْ أَجَأوا إلى الله عَزَّ وَجَلَّ، واستغاثوا به... فَاسْتَجَابَ لَهُمْ وَأَمْتهُم بِالمَلَائِكَةِ، فتَثبْتُوهُم وَقَاتَلُوا مَعَهُمْ، وَنَصَرَهُمْ اللهُ عَلَى عَدُوِّهِمْ نَصْرًا عَزِيزًا.

 قال تعالى : "إذ تستَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدكُمْ بألف من الملائكة مُردِفِينَ * وَمَا جَعَلَهُ اللَّهَ إِلَّا بَشْرَى وَلِتَطْمَئِنَ بِهِ قُلُوبَكُمْ وَمَا النَّصَرُ إِلَّا مِنْ عِندِ اللهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ".

 لقَدْ خَلدَتْ آيات كريمة من سورة الأنفال هذه الغزوة المباركة الذي يكاد يكون محورها الرئيسي تلك الغزوة، وإن المقام لا يتبع الحديث عن عظمة تلك الغزوة، وعن الدروس والعبر المستفادة منها، لكننا سنكتفي بغرض جُزْئِيَّةٍ مِنْها فقط....

 فَقَبَيْلَ غَزوة بدر قام أبو جَهْلٍ فَأَرْغَى وَأَرْبَدَ، وَهَدْدَ وَتَوَعْد كُلَّ مَنْ تقاعس من المشركين عن المشاركة في الخروج معه لمقاتلة محمد . 

وعلى الرغم من نجاة قافلة أبي سفيان، ونصيحة حكماء قريش بعدم خوض معركة مع جيش المسلمين، إلَّا أَنَّهُ اغتر وانتفخ، واستكبر وقال: "والله لا ترْجِعُ حَتَّى نرد بدرًا. 

فَنُقِيمَ بِها ثلاثا، تنحر الجزور ونطعم الطعام، وتسقي الخمر وتعزف لنا القيان، وتسمع بنا العرب وَبِمَسِيرَتِنَا وَجَمْعِنَا، فَلَا يَزَالُ يَهابُوننا أبدا". 

ولكن الله - تعالى وفق المسلمين... فهزم أبو جهل وقعة جَيْشُ الكُفَّارِ هَزِيمَة منكرة، تحدث بها العرب، ومشى بها الركبان وخُلْدَتْ عَلى مدى الزمان....

وكل هذا متى كان؟ لقد كان في شهر رمضان... شهر الصيام والطاعة... لا شهر الكسل. فَيا أَيُّهَا الكسالى من المسلمين الصائمين... عودوا إلى جدكم ونشاطكم.... ويا أيها المغرضون الأفاكون.... كفاكم إنهامًا لِرَمَضَانَ بِأَنَّهُ يُعطل الإنتاج.

شارك رأيك

التعليقات

لا تعليقات حتى الآن.

رأيك يهمنا. شارك أفكارك معنا.

barakanews

اقرأ المقالات البارزة من بريدك الإلكتروني مباشرةً


للتواصل معنا:


حقوق النشر 2024.جميع الحقوق محفوظة لصحيفة بركة نيوز.

تصميم وتطويرForTera Services