183
0
المناضل المجاهد حسين آيت أحمد “من ضفة لأخرى ومن أرض لأرض”..

بقلم محمد مصطفى حابس : جينيف / سويسرا
كما كنت قد ذكرت ذلك في مقالي الأسبوعي السابق، ها أنا ذا أعود وأجدد بل وأكرر أنه من كرامات وفضائل “الفضاء الأزرق” واخواته علينا جميعا – قراء وكتابا – أنه أداء بناء ومعول هدم ، لكن ميزته أنه يذكرنا من حين لآخر، بما كتبناه من مقالات و ” خربشات”، نُشرت لنا هنا أو هناك على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي منذ سنوات، يجزم الانسان أنه نسيها الى الأبد!! رغم ذلك دون أي جهد منا او بحث أو تنقيب، تطلع علينا بمناسباتها تذكرنا بذكريات حلوه مر ومره حلو، أو العكس!! علما أننا نتصفح تقريبا كل يوم العديد من المواقع، وكما ذكرنا بعض الأفاضل الأسبوع الماضي قصد إعادة نشر مقالنا حول ذكرى رحيل المرحوم الشيخ محمد الأكحل شرفاء، الذي تصفحه القراء أو طالعوه بالآلاف، دون علم منا و لا دراية!! آيت أحمد الرجل القرآني، الذي أصبح زعيما للاشتراكية الأممية : هاهو- هذا الأسبوع – يصر علينا بعض الأفاضل من فرنسا، خاصة منهم أستاذنا الدكتور محمد شعبان، والأستاذة الشابة تسعديت أيت م.، التي تقول لي أنها اكتشفت مع زميلاتها المغاربيات في فرنسا سيرة أخرى ثرية لزعيم سياسي تعلق به والدها دون أن يكشف لها عن بعض تفاصيل والغاز هذا القائد الذي ينحدر من نفس منطقة العلامة محمد لكحل شرفاء، و رغم أنه من عائلة أمازيغية ومحافظة مثله، بل والده إمام ومقاوم، حيث كان جده الشيخ محند الحسين مرابطا ينتمي إلى الطريقة الرحمانية. أما هو فعندما بلغ الرابعة من عمره دخل الكتاب لحفظ القرآن الكريم بمسقط رأسه، وعندما بلغ السادسة تحول إلى المدرسة الفرنسية دون أن ينقطع عن حفظ القرآن الكريم ، ثم تنقل لثانوية تيزي وزو وبن عكنون بالعاصمة، حتى أحرز على شهادة البكالوريا، وواصل دراسته في الخارج بعد هروبه من الجزائر وطلب اللجوء السياسي في سويسرا عام 1966م، والاقامة بها حتى تاريخ وفاته. في الذكرى السابعة لرحيل مناضل أحب الجزائر على طريقته:
لا علينا، الموضوع، يخص ذكرى رحيل أحد أعلام الجزائر الوطنيين، المجاهد السياسي، المرحوم حسين آيت أحمد، من مواليد 26 أغسطس 1926 بآيت يحي، بلدية عين الحمام ولاية تيزي وزو، وهو السياسي الجزائري المعروف وأحد قادة الثورة الجزائرية في جبهة التحرير الوطني، ثم بعد الاستقلال صار مؤسسا لحزب جبهة القوى الاشتراكية في الجزائر، ثم قائدا ومناضلا أساسيا في الأممية الاشتراكية في الغرب لعقود، حتى وفاه الأجل وانتقل إلى رحمة اللّه بسويسرا بتاريخ 23 ديسمبر2015، عن عمر قارب التسعين سنة، إذ حلت علينا منذ أسابيع فقط الذكرى السابعة لرحيله، رحمة الله عليه، وأبرزت فيسبوك بالمناسبة مقالي القديم حول تأبينيه، حينها تواصل بنا بعض الافاضل لترجمة المقال للفرنسية ليستفيد منه شبابنا في أوروبا، فاعتذرت لهم وكلفت بذلك أحد أساتذتنا، رغم انشغالاته هو أيضا الكثيرة جزاه الله خيرا، في انتظار ذلك وتعميما للفائدة، ونزولا عند رغبة هؤلاء الأفاضل كسابقيهم، نعيد نشر مقالنا أنف الذكر، مع بعض الرتوشات الخفيفة، إذ نشر يومها، في العديد من الجرائد والمواقع، بعناوين منها : ” جثمان آيت أحمد وديبلوماسية الجنائز” ، و” آيت أحمد من ضفة لأخرى ومن أرض لأرض”، و “ لماذا لم تُتل آيات من القرآن ويعزف النشيد الوطني على روح المجاهد آيت أحمد !!”، إذ وُشِّحت يومها جل الجرائد العربية و الوطنية خصوصا صفحتها الأولى- بمقال الحدث الأسبوعي الاكبر في الجزائر، ألا وهو رحيل المجاهد آيت احمد، وأغلبهم نقلوا من مقالنا مع الصور، مع تغيير طفيف في العنوان، نقلا عن أسبوعية “البصائر”{ عدد 789}، ويوميات أخرى، كما أبرزت بعض اليوميات لمقالنا في الصفحة الأولى كعنوان رئيسي في يومية “الحياة – الجزائرية” بتاريخ يوم الاربعاء 6 جانفي 2015، و وزع رئيسها الإعلامي هابت حناشي مقالنا على ثلاث صفحات في يوميته، على سبيل المثال لا الحصر، افتتاحية العدد في ركن “كواليس”، مع ملخص في الصفحة الثالثة ومقالنا كاملا في صفحة 16 مع العنوان كما هو مع الصور الملونة ( المرفقة لمقالنا هذا- لمن أراد الرجوع اليها). لماذا لم تُتل آيات من القرآن ولم يعزف النشيد الوطني على روح المجاهد آيت أحمد بمثل هذا العنوان الاحتجاجي المتأسف المتأفف، ” لماذا لم تُتل آيات من القرآن ولم يعزف النشيد الوطني على روح المجاهد آيت أحمد، المسلم، عند تأبينه بسويسرا، بحضور عائلته و رفاقه !!” افتتحنا مقالنا عن شخصية القائد بالفقرات التالية : شخصية القائد و الرمز في ذهنية شعوبها: تملك الصورة الذهنية التي تشكلها الشعوب عن رموزها، القوة الحاسمة في صياغة مواقف وسلوكيات واذواق وتصرفات هذه الشعوب في الحياة، وتعطي لها القيم المناسبة للمعاني التي تطلقها على الاشياء، مما يكسبها القدرة على الاستمرار في الحياة، والقوة النموذجية في التأثير، عبر ما تنتجه من قيم جديدة، واجابات مقنعة، تقدمها مفاتيح للمستقبل، وما توفره من أدوات لانخراط شعوبها في التاريخ صحيح لقد أحب المرحوم حسين آيت أحمد الجزائر على طريقته، لا يمكن لأحد أن يجادل في ذلك، ولكنه لم يتمكن من العيش في ربوعها، وقد حارب من أجل حريتها واستقلالها على طريقته، ولكنه حرم من امكانية ممارسة حريته في حدودها، وقاتل الفرنسيين من أجل الجزائر، ولكنه عاش أكثر أيام حياته خارج الجزائر على طريقته، ويعود إليها اليوم على طريقته، بعد معركة إعلامية كبيرة، فقط من أجل الظفر بقبر في ترابها، لكن قبر على طريقته في جبال جرجرة الثائرة و بعيدا عن رسميات مقبرة العالية التي بدأ يرقد فيها أخيرا كل من هب ونهب.. ربان الطائرة، متردد بين مطاري المغرب أو الجزائر: إن المهم في موضوع رحيل أخر القادة الاسطوريين للثورة الجزائرية، حسين آيت أحمد بالنسبة للرأي العام، وشكَّل المادة الأساسية لوسائل الإعلام، تمثَّل في الاتجاه الذي ستسلكه الطائرة، التي ستقلع من مطار جنيف بسويسرا، للوصول إلى المكان الذي سيستقر فيه جثمانه، ويكون موقع قبره، وإلى غاية آخر لحظة، كان ربان الطائرة، متردد بين مطاري المغرب أو الجزائر، وهو التردد الذي شغل بال الرأي العام، ومركز اهتمام الأجيال الجديدة، المتحكمة في أدوات التواصل الاجتماعي الافتراضي، التي استحضرت حالات المنفى لقادة الرأي العام، فزميله المفكر المرحوم ” محمد اركون” دفن في المغرب، وخالد حاج ابراهيم، حمل الجنسية المغربية، وشاعر الثورة الجزائرية مفدي زكريا، مات في المنفى في تونس، وكريم بلقاسم قضى نحبه في أوروبا، و شيخنا العلامة محمود بوزوزو الذي تربطه علاقة مساهرة بالمرحوم مات في سويسرا ورحل ليدفن في بجاية، وعشرات العلماء والمفكرين والمخترعين الجزائريين، يعيشون خارج الوطن، ويحققون فيها أروع الإنجازات!! هذا الخارج الذي هو حلم كل شاب في هذا الوطن الجزائري المفدى، والأرض الموعودة، لتحقيق أبسط متطلبات الوجود الطبيعي.. وبسرعة فائقة – بعد يوم من وفاته – تمكنت بعض الوسائل الإعلامية الحديثة، من تحديد خط طائرة جثمان آيت أحمد، حسب تغريدة – أحد المدونين المغاربة – عبر تكريس وجهة ترحيل الجثمان للمغرب، وبالتالي تكون ولو على المستوى الذهني والشعوري، إدارة المعركة قد حسمت لصالح الأشقاء المغاربة. حتى في سويسرا لم نكن جازمين أنه سيرحل ليدفن في الجزائر : أما نحن في سويسرا كنا نسمع عموما قبل وفاته، عن تدهور صحته في الاشهر الأخيرة ومن وسائل الاعلام من قتلت آيت أحمد وهو لايزال حيا يرزق، مما أضطر عائلته لكتابة بيان توضيحي لتكميم الأفواه الاعلامية الجزائرية خاصة، أن الرجل مريض وتأتيه نوبات لكنه لا زال حي يرزق، وما إن أعلن عن وفاة المغفور له المناضل حسين آيت أحمد يوم 23 ديسمبر 2015، حتى انهالت التكهنات عن مكان دفنه، ففيهم من قال أنه سيدفن في المغرب لوجود بعض أفراد أسرته هناك مثل ما دفن زميله المفكر محمد أركون، وفيهم من قال أنه سيدفن في سويسرا التي احتضنته كلاجئ و أوته حتى خريف عمره !!.. من جهتي كنت متيقنا أنه سيرحل للجزائر لمعرفتي الشخصية به منذ أن حللت بهذه الديار عقود، رغم ذلك حاولت رفقة بعض الاخوة التواصل مع ابنه الإعلامي يوغرطة فهاتفه لا يرد. وحتى في مقر شغله، حدثنا إحدى الصحافيات الزميلات التي تشتغل معه فقالت لنا أنه في إجازة وهاتفه أظن مغلق، و طلبنا بعد ذلك من بعض معارفه من حزب اليسار السويسري فلم نجد جوابا شافيا كافيا، حتى من أقرب الناس إليه في الأممية الاشتراكية.. قصدنا من هذا البحث كله فقط لمساعدة العائلة، إذ كان همنا فقط الخدمة ومد يد العون، ليساعدهم الاخوة أئمة المساجد في تحضير الميت ومواساتهم في مصابهم الجلل هذا، خاصة لأننا نعرف أن المرحوم لا علاقة له بمساجد ما في الجمع أو الاعياد، لا هو ولا زملاؤه العرب!! لا بل المعروف عموما أن له معارف كثر من غير المسلمين وهم الأقرب إليه ولأولاده، وهو الأمر الذي تحققنا منه وتحقق منه أيضا كل من حضر يوم الجنازة معنا، لأننا لا نعرف أن للمرحوم مسجد بعينه يتردد عليه، عكس طالب الابراهيمي الذي يصلي الجمع و الأعياد لما يأتي صيفا في جنيف، وقيل لي أنه حتى المحامي علي يحي عبد النور يصلي أحيانا في مسجد جنيف .. وبالتالي صعب علينا التأكد من تفاصيل الإجراءات الجنائزية لأيت أحمد إلا عن طريق يومية ” 24 ساعة” السويسرية التي تصدر في لوزان حيث كان يشتغل بها ابنه يوغورطة، وذلك بيوم فقط قبل ترحيل الجثمان، وحتى الإعلان الاشهاري جاء مباغت وخال من أي لون ديني مطلقا، على شكل ” نعي وإشعار” على الطريقة الغربية من طرف العائلة – بتوقيع الأم جميلة والأولاد صالح يوغرطة و بشرة – لأصدقاء المرحوم ومحبيه للحضور يوم الثلاثاء 29 ديسمبر، لإحدى مقابر لوزان على الساعة 11 صباحا، قصد إلقاء النظرة الاخيرة على المرحوم قبل ترحيل جثمانه للجزائر، مع شكر خاص للأطباء الثلاثة الذين رافقوه في الأشهر الأخيرة من حياته !! قاعة الجنازة مكتظة بالحضور، غاب عنها ترتيل القرآن والنشيد الوطني : وبالفعل انتشر الخبر في مختلف المدن السويسرية والأوروبية، ونظرا لضيق الوقت وبعد المسافات، أخبرت بعض الزملاء أني سأكون غدا، بحول الله في الموكب الجنائزي لتقديم واجب العزاء، فطلب مني بعض الاخوة تبليغ تعازيهم إلى العائلة.. وكانت في مخيلتي أن قاعة التأبين ستكون شبه خاوية، لأنه في الغرب نادرا ما تكون التعازي بحضور الناس!! بل عموما ما يكتفون بإرسال برقيات تعزية أو باقات ورود لاغير!! لكن ما إن وصلت حتى وجدت القاعة مكتظة بالحضور وبعض كاميرات البث التلفزي – منهم ثلاث قنوات جزائرية – على أهبة الاستعداد للنقل وفي مقدمة القاعة جثمان المرحوم مسجى في صندوق خشبي متواضع وعادي للغاية كنفس الصندوق الذي وضع فيه جثمان والدي ـ رحمه الله ـ الذي وفاه الأجل هو أيضا في لوزان منذ أعوام فقط، فحاولت أن أقترب من النعش، لقراءة الفاتحة والسلام على بعض الضيوف، إلا أن الأخ يوغرطة إبن المرحوم أشار لامرأة سويسرية عجوز لتبدأ تنشيط “التظاهرة”، نعم تنشيط!! فوقفت بجوار السفير إدريس الجزائري، حفيد الأمير عبد القادر.. لتنطلق “أشغال التأبين”، وتقدمت السيدة السويسرية “ماري كلير تشوب” وعرفت بنفسها وقالت أنها كانت قد تعرفت على الفقيد لما حل بسويسرا كلاجئ سياسي لأول مرة بمدينة لوزون عام 1966، واشتغلت معه حينها في جمعية خيرية للاجئين، معرفة بأهم محطات حياة الفقيد، بعدها أحيلت الكلمة إلى المؤرخ الأمازيغي شيخي الذي دخل في تفاصيل تاريخية اضطرت ، السيد يوغرطة إلى الاقتراب منه والهمس في أذنه للاختصار، ثم أعتذر يوغورطة للحضور عن غياب المؤرخ الجزائري الآخر و هو زميل والده الاستاذ محمد حربي، بعد ذلك أحيلت الكلمة للسيدة ميريال بيرسي كوهين، سفيرة سويسرا في الجزائر( حينها)، تبعها الأستاذ مارك بيرنو المؤرخ بوزارة الخارجية السويسرية، الذي بين أن مدينة لوزان كانت ولازالت أرض لجوء للقيادات المغاربية منذ عشرات السنين، كبشير بومعزة وأحمد بن بلة و …، بعده أحيلت الكلمة للسيدة بوشرة أيت أحمد، بنت المرحوم، لتقرأ أشعار توديعيه لوالدها ” دا الحسين”، بعدها أحيلت الكلمة للفرنسية “أني مسيلي” أرملة المحامي “علي أندري مسيلي” زميل المرحوم الذي اغتيل عام 1987 بفرنسا.. ثم فتح المجال للتدخلات العامة فكانت خليط من كلمات بالفرنسية والأمازيغية تتخللها مقاطع موسيقية، بعدها قرأت إحدى الاخوات المحجبات فاتحة الكتاب على روح الفقيد.. فهمس في أذني أحد الشباب المرافقين لي بقوله لي ” خسارة الجنازة مكتظة بالحضور، مع كل أسف غاب عنها ترتيل القرآن والنشيد الوطني الجزائري، حتى لرمز من رموز ثورتها.” !! ديبلوماسية الجنائز، مناسبة لتمرير بعض الرسائل المشفرة : وكما جرت العادة، فكثيرا ما تعطي مثل هذه “الأفراح و الأتراح” فرصا عديدة للتلاقي والتزاور فيما بين الأفراد والأسر، والدول والقادة، فهي تعطي للمتقاربين فرصا لتعزيز العلاقات وتوطيدها، فيما تعطي للمتخاصمين إمكانيات “القيام بالواجب” كما يقال بالتعبير الجزائري، سيما إن كان الأمر يتعلق بموت أو جنازة، بحيث يكون الحدث مناسبة للصلح وعودة المياه إلى مجاريها أو يكون مناسبة “لتمرير” بعض الرسائل المشفرة، ما دام الحدث في طبيعته يوفر بعض دقائق اللقاء والتواصل الإنساني ويكون ضامنا للحفاظ على ماء الوجه والكرامة.. بل استغربت بعد أن أعلمت أن بعض الاخوة المغاربة ، حبا في العبد الضعيف، أن إقترحني بعضهم، ليس فقط لإلقاء كلمة تأبينية، لحسن ظنهم فيَّ، بل لما كان الأستاذ يوغورطة يبحث عن من يتكلف بالجنازة والغسل، اقترح الاخوة المغاربة إسمي في المجموعة، ويوغرطة يعرفني، واستغربت أنه لم يتصل بي و لم يكلمني – وهو يملك رقم هاتفي-، مطلقا حتى سلمت عليه يوم الجنازة هو ووالدته !! جنازة “لائكيه وليست ملائكية ” لا تليق بروح المرحوم آيت أحمد : ومن باب الدعوة الاسلامية ولكي لا تمر هذه الجنازة ” لائكيه و ليست ملائكية” لا تليق بروح المرحوم كما وصفها لي بعض الاخوة لخلوها من القرآن والذكر الحكيم، اقترب مني أحد الاخوة ليهمس في أذني طالبا مني أن أقول كلمة كجزائري و أمازيغي ومسلم يعرف المرحوم آيت أحمد ويعيش معه في نفس البلد، فاعتذرت له بقولي “هناك من هم أولى مني في هذه القاعة .. صحيح فيهم من جاء لحاجة في نفس يعقوب وفيهم من جاء لأداء الواجب مثلي”، و أشرت عليه ليذهب لمن هم في سن المرحوم وهم بحق وحقيقة يعرفونه بتفاصيل أحسن وأجود مني كالوزير الأسبق “أحمد طالب الإبراهيمي” و السفير “إدريس الجزائري” حفيد الأمير عبد القادر والسفير “سليمان الشيخ” نجل الشاعر مفدي زكريا، هؤلاء كلهم كانوا حاضرين معنا في نفس القاعة، وقبل أن يصل إليهم للاقتراح عليهم الصعود للمنصة، كان الصعلوك الأمازيغي “فرحات مهني” يهم بالصعود للمنصة فأوقفه يوغرطة بن المرحوم واختتم اللقاء بموشحات موسيقية أداها المطرب إيدير ووالدة المطرب الامازيغي معطوب الوناس !! فورها مباشرة و القاعة لازالت مكتظة، اقتربت مع أحد مرافقي أمام ضريح المرحوم وصلينا عليه صلاة الجنازة، دون اكتراث بالأخرين، بعدها جاءني أحد زملاء أيت أحمد دكتور أفغاني رفقة زوجته و ابنته، يصلي معنا في نفس المسجد الذي نخطب فيه أحيانا، فشكرنا على إنقاذ الموقف بالصلاة على الفقيد، علما أننا لم نرفع لا أصواتنا ولا أيدينا، صليناها في دقائق خفيفة ضريفة كما يقال !! جنازة آيت أحمد في الجزائر طراز جماهيري نادر يتمناها كل مهجر قصرا من بلده : وفعلا مرت الجنازة في سويسرا ” لائكية بل جافة لا طعم روحي فيها” كما قال لي أحد الاخوة المغاربة، بل ” بلا روح قرأني ولا طعم جنائزي يليق بمقام المرحوم كمسلم ينتمي لعائلة مسلمة عريقة بغض النظر عن توجهاته السياسية التي قد نختلف معه فيها”، وليس كما هو الحال في الضفة الأخرى من المتوسط، في الجزائر، أعجبنا بما شاهدنا عبر قنوات التلفاز عن جنازة جماهيرية شعبية للمرحوم آيت أحمد، موشحة بتلاوة القرآن حتى في المقر المركزي لحزبه والأهازيج باللغة العربية والأمازيغية والفرنسية، فعلا فهي بحق و حقيقة جنازة “يتمناها كل مهجر قصرا من بلده” كما قال لي عمي محمد الجزائري، وهو شيخ كبير السن زميل لأيت أحمد و يكبره سنا أظن ، حتى !! لا أظن أن آيت أحمد يكون قد صرح بمثل ذلك : رغم كل ذلك حاول أن يؤنبني عن حضوري للجنازة – بعض الاخوة، سامحهم الله- عبر وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي، لما رأوني في إحدى القنوات في خارج القاعة أمام الموكب الجنائزي أتجاذب أطراف الحديث مع السادة طالب الابراهيمي و سليمان الشيخ، بل فيهم من أرسل لي مقطع من حوار للمرحوم حسين آيت أحمد، نشر عام 2005، في مجلة للأقدام السوداء بمونبوليي الفرنسية، يصرح فيه – ما ملخصه – أن ” طرد الأقدام السوداء من الجزائر يعد إجراما في حقهم، وخطأ فادح قامت به جبهة التحرير الجزائرية.. وأن المسلمين العرب غزاة تسلطوا علينا نحن الأمازيغ في شمال إفريقيا.. وعلى الجزائر أن ترد الاعتبار لهؤلاء وستحاكم أمام المحكمة الدولية، كما ستحاكم تركيا عن المجازر التي ارتكبتها الدولة العثمانية في حق الأرمن” أو شيء من هذا القبيل (أدناه مرفقا المصدر والنص بالفرنسية كما هو(*).. HOCINE AIT AHMED, l’un des chefs historiques du FLN ! هكذا عرفته في حياته وهكذا رأيته في منامي عند رحيله : طبعا هذا الكلام لم أطلع عليه إلا اليوم، ولو كنت أعرفه لاستفسرت مباشرة من صاحبه عن مدى صدق مثل هذه الأمور التي يستبعد أن يصرح بها المرحوم، لأني أعرف حنكته السياسية ولا يقع بسهولة في مثل هذه المطبات !! هذه هي الرؤية التي جعلتني أبحث عن جنازة المرحوم، لتوديعه : علاقتي بالمرحوم علاقة شاب جزائري برجل سياسي جزائري، نختلف معه في كثير من الأمور، مثل ما هو الحال في علاقتي بالرئيس بن بلة و بشير بومعزة و زميله سي زهير، رحمهم الله جميعا، أي يربطنا الوطن، أما غير ذلك فالشامي شامي والبغدادي بغدادي!! لكن بالنسبة لآيت أحمد قصتي معه في المدة الأخيرة غير ذلك تماما، وأنا أبحث منذ ثلاثة أيام من وفاته عن مكان تواجده في المستشفى الجامعي بلوزان، رأيته في منامي شخصيا، يكلمني قبل صلاة الفجر ويقول لي :”يا فلان.. تعالى إلي وأعطيك 5 ملايين !! .. فلما وصلت إليه في “ساحة لاريبون” بلوزان- نفس الساحة التي التقيته فيها أول مرة- قلت له: “ها قد جئتك يا دا الحسين .. لكني أحببت أن أتأكد لأنك سياسي محنك، وسياسيو العالم الثالث يحبون اللف والدوران – مازحا-، لقد قلت لي تعطيني 5 ملايين وليس خمسة آلاف أو خمسة فرنكات (ثمن قهوة)!! الوفاء بالعهود من شيم قدماء مجاهدينا، وأنت منهم!! والحر عند عهده كما يقال، أليس كذلك؟ ..فأومأ – المرحوم – برأسه متبسما و قال نعم، أعطيك .. أعطيك !!” فاستيقظت من منامي فرحا متبسما، ومندهشا !! وحكيت هذه الأحلام أو الرؤية للعائلة والزملاء، فقال لي بعض الزملاء المفسرين :” أنك ربحت في هذه الرؤية 5 ملايين حسنة، جراء حضورك لجنازته، ومالا يُعد ولا يُحصى من ملايين الحسنات لما تجرأت لوحدك وصليت عليه صلاة الجنازة أمام خلق كثير من المبهوتين في بلاد الغرب، وتكون بالتالي تكون دعواتك الخالصة لله، قد أطفأت وهج لهيب النيران التي سعرتها قبلك الحناجر الظالمة لروحه ومزامير الشيطان التي كانت تعزف حول تابوت رجل مسلم مؤمن مسجى أمامهم، كان يقرأ القرآن و يحفظ بعظه أو كله، لا أدري!!..” هذا تفسير منامي حسب تأويل أحد الأفاضل، لما حكيت له قصتي مع المرحوم، وأترك لغيره من مفسري الأحلام فسحة التحليل والتأويل !!.. رغم ذلك يبقى آيت أحمد من أكبر مناضلينا الذين حملوا الجزائر في قلوبهم، إنه رأس على ربوة لا تنسى !! أما أنا فأحمد الله فعلا حمدا كثيرا، والشكر له في السراء و الضراء و الشدة و الرخاء، نعم حمدا لله أن يسر لي أن أودع مناضلا حاول خدمة بلادي بطريقته الخاصة طول عمره أثناء الثورة وبعدها ولو حتى من الخارج مع انتمائه للأممية الاشتراكية، وقد أختلفُ معه أنا الشاب والحديث عهد بالسياسة، في كثير من الأمور كما أختلفَ معه أناس كثر غيري وأحسن مني حول بعض اجتهاداته السياسية التي كان يراها هو من صميم الإصلاح والتغيير والبناء للجزائر وغيره يراها بمنظار مخالف تماما، لما تمس ثوابت الأمة وركائزها من دين ولغة ووحدة الوطن، مهما كانت مبررات هذا أو ذاك!! .. ومهما يكن، فإن آيت أحمد يبقى من أكبر مناضلينا الذين حملوا الجزائر في قلوبهم بفكرهم ونضالهم، إنه رأس على ربوة لا تنسى !!.. و رغم ذلك فالاختلاف لا يفسد للود قضية، إذ رغم الداء والأعداء نبق للحق أوفياء و للخير أشقاء، لا نقول الا ما يرضي ربنا، داعينه سبحانه، أن يرحم ” أدا الحسين” ويغفر له ولوالدينا و أن يتجاوز عن خطاياهم و خطايانا، و يستر عيوبهم وعيوبنا، إنه قدير وبالإجابة جدير.. و آخر دعونا ان الحمد لله رب العالمين. للمقال مراجع: *) – HOCINE AIT AHMED, l’un des chefs historiques du FLN ! Il déclare dans le numéro de Juin 2005 de la revue “Ensemble” de l’Association Culturelle d’Education Populaire : ” Chasser les Pieds-Noirs a été plus qu’un crime, une faute, car notre chère patrie a perdu son identité sociale”. Il ajoute :” N’oublions pas que les religions, les cultures juives et chrétiennes se trouvaient en Afrique bien avant les arabo-musulmans, eux aussi colonisateurs, aujourd’hui hégémonistes. Avec les Pieds-Noirs et leur dynamisme, je dis bien les Pieds-Noirs et non les Français, l’Algérie serait aujourd’hui une grande puissance africaine, Méditerranéenne. Hélas !
|